يجمع الكثير على ان الخطاب الاعلامي في بلادنا ما يزال يقبع في خانة التراجع وفقدان المزيد من المضامين القيمية، التنويرية والتحديثية.. الديمقراطية والوطنية، ولعلنا نجد في قطاع الصحافة كعمل مهني وفي مجموع التطورات والتحولات التي شهدتها..
الكثير من الصور المؤكدة والمعززة لهذه الحقيقة المعاشة اليوم والناتجة بكل تأكيد عن سلسلة طويلة من التراكمات والاختلالات الماضوية والمرحلية اصبح في محصلتها النهائية مهنة مشوهة يعتريها الكثير من الامراض..عقول متلقية تعانى الارباك وانعدم التمييز، وهوية منتهكة.. واسرة بين عسرين، وانتاج مخالف ومختلف من الاقاويل والتأويلات بلا ضوابط ومعايير، وساحة تكاد تنقطع فيها خطوط الاتصال بين الملقي والمتلقي.
وفي عتمة الاني وصعوبة مناخاته بذلت محاولات لتغيير وتحريك العمل والاداء الاعلامي والصحفي بشكل خاص الى الامام والسؤال هل نجحت تلك المحاولات؟.. وفيما تتمثل؟ والكل يعرف ان الفترة الزمنية لهذه المحاولات قصيرة ولا يتجاوز العامين وها نحن اليوم على مشارف المؤتمر الرابع لنقابة الصحفيين ودون شك ان الواقع الراهن سيلقي بثقله على المؤتمر ويضعه امام تحد كبير لرسم ملامح مستقبل نقابة الصحفيين وتطور المهنة الصحفية في بلادنا في كافة الجوانب..
ومن اجل الإلمام بكافة جوانب وتفاصيل ومفردات العمل الصحفي ومشاكله الشائكة في بلادنا، وتشخيص مكامن القوة والضعف فيه واستقاء الحقائق والرؤية من مصدرها الرئيسي «نقابة الصحفيين اليمنيين» ومن رجلها الاول الاستاذ نصر طه مصطفى نقيب الصحفيين اليمنيين والذي لمسنا منه التجاوب الكبير لإنجاح هذا اللقاء، فكان مثالاً للوفاء والالتزام الدقيق بالموعد في المكان والزمان المحددين ومتحلياً بالنفس والصبر الطويل مما أتاح لنا طرح مالدينا من قضايا رغم محاولتنا لاستفزازه وكان بالفعل الرجل المعتدل حين يسمع الآخرين، وحين يتحدث إليهم مما أكسب الحوار طابع الوضوح والشفافية.. التفاصيل في المحصلة التالية:
> حوار: خالد القارني
< بداية ومن خلال تجربتكم القصيرة في النقابة.. كيف تصفون تحمل المسؤولية في القطاع النقابي؟
<< لاشك بأن العمل النقابي، وبالذات في مؤسسة نقابية كنقابة الصحفيين اليمنيين هو عملية مرهقة جداً للأعصاب.. قضيت قبل ذلك خمس سنوات رئيساً للجنة الحريات بالنقابة 99-2004م ثم من يوليو 2006م نقيباً للصحفيين اليمنيين، والحقيقة ان التجربة صعبة بكل المقاييس لانه ليس هناك ضوابط تحكم العمل بشكل واضح.. لا ضوابط قانونية، ولاضوابط مهنية.. بمعنى ان القانون الحالي يعاني من النقص والاختلال وقد صدرت توجيهات فخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية لتعديل هذا القانون في عام 2004م ولم يحدث أي شيء حتى الآن. فيما القانون الحالي لايطبق بحذافيره او لايطبق بشكل كامل.. هناك تراخٍ في تطبيقه، وهناك كثير من نصوص القانون لاتجد طريقها للتنفيذ ممايؤدي الى التراخي وحدوث الكثير من الاشكاليات، ومن ثم ليس هناك وضوح في المرجعية عندما يحدث تراخٍ في تطبيق القانون، ولانه لايوجد ميثاق شرف صحفي، وحتى ان وجد هذا الميثاق فانه لايمتلك القوة القانونية الكافية- اضافة الى المزاجية التي تحكم البيت الصحفي والتقلبات السياسية، وعدم الانضباط الاخلاقي.. تصلنا الكثير من الشكاوى حول ابتزاز يتعرض له مسؤولون او تجار او رجال اعمال، في حين يرفض هؤلاء الذين يعانون من هذا الابتزاز اللجوء الى القضاء.. واجهنا في فترات سابقة أساليب وتصرفات غير مسؤولة مع بعض الصحف التي توجه انتقادات، وكما تعرفون حدثت قضايا اختطاف او عمليات ضرب واعتداء الفاعل فيها مجهول، وهذا ناتج عن عدم الالتزام بالقانون سواءً من قبل الذين يقومون بهذه الاعتداءات ويفضلون اللجوء الى هذا الأسلوب بدلاً عن القضاء، او من بعض زملاء المهنة نتيجة ضعف الوعي القانوني لدى الوسط الصحفي.. بمعنى قد ينشر الصحفي مقالات بصحيفته مخالفاً للقانون دون ان يدرك ودون تعمد لمخالفة القانون، لكن نتاج جهل او عدم وعي بنصوص القانون، لانه من يعي نصوص القانون دون شك سيتجنب نشر اية موضوعات توقعه في اشكاليات، ومن ثم تتكاثر القضايا في القضاء، وفي نفس الوقت تتكاثر الوساطات لحلها خارج القضاء.. طبعاً هناك معاناة كبيرة في الأوضاع المعيشية لزملاء المهنة، وهو انعكاس للوضع العام، وكل هذه الامور تجعل معاناتنا في النقابة كبيرة.
كثير من القضايا
<اعتادت الاسرة الصحفية خلال الفترات السابقة من غياب الانسجام بين اعضاء مجلس النقابة.. هل تمكنتم في مجلس النقابة الحالي من تجاوز هذا الوضع ؟
<< الحمدلله عملنا منذ انتخابي على اعادة الانسجام في اطار مجلس النقابة، وهذا أهم شيء استطعنا تحقيقه.. صحيح ان المجلس غير منتظم في اجتماعاته، وخلال الفترة الاخيرة ندعو اعضاءه للاجتماع عدة مرات فلا يكتمل النصاب، لكن هيئة المجلس تبت في الكثير من القضايا، وبشكل عام الانسجام موجود، لكن هناك عدم ادراك لخطورة القضايا التي تفترض احياناً ان يكون المجلس في حالة انعقاد دائم، ومع كل ذلك تم انجاز الكثير من القضايا، وحقيقة ان طبيعة الحال في بلادنا ان الشيء الذي يجب ان تنجزه في شهر تنجزه في عام، والشيء الذي يفترض ان تنجزه في ثلاثة أشهر، تنجزه خلال ثلاثة اعوام، وعلى سبيل المثال مقر النقابة أخذ منا وقتاً طويلاً حتى تم شراؤه ولم نكن نتوقع ان يأخذ منا كل هذا الوقت وانا هنا انتهز الفرصة لاقدم الشكر الجزيل باسم جميع اعضاء النقابة الى فخامة الرئيس علي عبدالله صالح الذي اهدى النقابة هذا المقر الجميل كما اتوجه بالشكر لسيادة الفريق عبدربه منصور هادي نائب الرئيس لتوجيهه بتأثيث المقر بصورة لائقة بمهنة الصحافة.
مهام العمل
< حالياً بعد ان استطعتم توفير مقر ملكاً للنقابة الى أين وصلتم في تحديث الأداء الاداري ونشاط النقابة بشكل عام؟
<< حقيقة وان كان الوقت متأخراً ونحن على وشك انعقاد المؤتمر العام للنقابة.. فالخطوات التي خطوناها لاستكمال البنية الاساسية للنقابة ايجابية لان وجود المقر يحقق عامل استقرار نفسي واداري مهم جداً سواء لقيادة النقابة او لأعضائها.. لانه عندما ترتبط بمكان معين تعتبره ملكاً لك، تستطيع ان تبدع وتنشط اكثر هذا جانب، والجانب الآخر وجود المقر يساعد على ايجاد شبكة كمبيوترية تربط الفروع بالمركز، وبالتالي تستطيع تنظيم الأنشطة النقابية والبرمجة الخاصة بالعضوية.. ومجمل اعمال النقابة، كما ان وجود المقر سوف يساعد على ان تكون كل لجنة لديها كادرها الفني الخاص من شخص الى شخصين كمتفرغين لادارة اعمال كل لجنة، ونحن بدأنا بالفعل عملياً في هذا الجانب.. بحيث يتولى الكادر المتفرغ مهام العمل باعتبار ان رئيس اللجنة منتخب كعضو مجلس وليس ثابتاً في هذا الموقع أو ذاك..
مكاتب خاصة
< الى أي مدى انتم راضون عن اداء هذه اللجان؟
<< انا لست راضياً عن أداء هذه اللجان التي لم تعمل بشكل جيد، وانا لا أضع اللوم على رؤساء اللجان.. قد يتحملون بعض المسؤولية كأشخاص.. لكن هناك سببان رئيسان أولهما ضعف الامكانات المادية، والثاني تأخر الحصول على المقر.. فالمقر السابق لم يكن لدى رؤساء اللجان مكاتب خاصة بهم يستطيعون من خلالها تنظيم أعمالهم، واتمنى للمجلس القادم الذي سينتخب في يونيو 2008م ان يأتي على وضع مؤسسي افضل بكثير سيمكنه العمل بشكل افضل مماهو في المجلس الحالي.
المقالح.. قدوة
< مهنة الصحافة اصبحت لمن هبّ ودبّ، ومهنة لمن لا مهنة له، وهذا انعكس سلباً على تطور العمل الاعلامي ورسالته الانسانية والقيمية والوطنية.. ترى كيف يمكن اعادة المكانة الصحيحة لمهنة الصحافة؟
<< حقيقة ان القضية متعددة الجوانب، وان الصورة لاتمثل شكلاً واحداً، ودون شك نحن نلمس هذا من خلال طلب العضوية.. حيث يأتي اناس ليس لهم علاقة بمهنة الصحافة سوى انهم يكتبون ويعتقدون بشكل تلقائي بان لهم الحق في عضوية النقابة، ويقاتلون من اجل ذلك قتالاً شرساً.. وانا اقول لمثل هؤلاء الاساتذة والزملاء.. والاصدقاء ضعوا الدكتور عبدالعزيز المقالح قدوة لكم.. لو كان الدكتور عبدالعزيز المقالح من هذا النوع لكان موقعه نقيباً للصحفيين، وهو اكثر الكتاب انتظاماً والتزاماً ولكنه لايعتبر نفسه صحفياً، رغم انه يكتب في الصحف، وهناك الكثير من امثاله، ولو انهم اقتدوا بالدكتور لما كانوا تقدموا بطلب العضوية وازعجوا النقابة بطلباتهم المتكررة، رغم انهم لايمتون بصلة لا من قريب ولا من بعيد لمهنة الصحافة، وهذا مدخل للحديث عن هذه النقطة التي طرحتها.
هناك جزء من هذه المشكلة هي نتاج للفترات السابقة حيث لم تكن في بلادنا كلية اعلام او صحافة تخرج صحفيين متخصصين، وهذه اشكالية عانينا منها، ونحن نقدر بالمقابل كثيراً ممن عملوا في مجال الصحافة في الفترات السابقة، وبذلوا وضحوا من اجل هذه المهنة وتفرغوا لها، وهم صحفيون بكل المعايير.. لكننا نريد من الآن فصاعداً ان تنضبط الأمور، ولدينا توجه ان يكون في النظام الأساسي معيار يحدد عدم قبول العضوية في نقابة الصحفيين إلاَّ لمن كان خريجاً من كلية الاعلام، ويحمل مؤهلاً صحفياً متخصصاً حتى نحفظ للمهنة قدسيتها كما هو موجود في النقابات المهنية الأخرى..
فنقابة الأطباء لاتقبل في عضويتها مهندساً او محامياً، وكذلك نقابة المحامين لاتقبل طبيباً.. فلماذا نقابة الصحفيين متاحة ومفتوحة للقاصي والداني.. نحن نريد مجموعة من الضوابط التي تحتاج الى تعاون اكثر من جهة.. فالنقابة لا تستطيع بمفردها الحفاظ على قدسية المهنة فليس هناك نصوص في القانون الحالي تعطيها الحق في ذلك.. القانون الحالي لم يتحدث كثيراً عن دور واضح للنقابة.. لا سلطات.. لا صلاحيات.. لا امكانات.. لا يوجد اي شيء، ونتمنى ان تكون تعديلات القانون، الذي يفترض ان يناقش خلال الفترة القادمة بحسب ماجاء في البرنامج الانتخابي لفخامة الرئيس علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية واضحة ومحددة لدور فاعل للنقابة والتي لاتبحث عن شروط بقدر ماتبحث عما يعيد لها اعتبارها لتكون عوناً للجميع، بما فيها الجهات الرسمية، بدلاً من الاساءات المستمرة التي نسمعها للمهنة الصحفية وللصحفيين.. وأتمنى ان يكون هناك تعاون في المستقبل، وان يوضع لذلك تصوراً للتعاون بين ثلاث جهات.. هي مجلس الشورى كراع للصحافة من ناحية دستورية، وبين وزارة الاعلام وبين نقابة الصحفيين في عدد من القضايا.. أتصور على سبيل المثال اعطاء ترخيص في اصدار الصحف.. القانون الحالي يعطي الحق للوزارة.. وأتمنى ان يكون هذا الجانب مشتركاً بين الثلاث الجهات، حتى نضمن ان الترخيص الممنوح لجهة هي أهل لهذا العمل، وبالتالي سيوفر علينا الكثير من الاشكاليات التي نعاني منها اليوم، مثل اشكالية وقف اصدار التصاريح او التراخيص.. فعندما تكون هناك لجنة تمثل الجهات الثلاث سيمكنها ان تدقق في أوضاع الصحف المهنية والتقنية والمؤسسية، وهل هي تمتلك بنية أساسية للاصدار ام انها مجرد عابر سبيل يبحث عن رزق.. او ان نأخذ برأي معالي وزير الاعلام الاستاذ حسن اللوزي بالغاء حق الوزارة في الترخيص للصحف مقابل ان تصبح الصحف عبارة عن شركات او مؤسسات فردية او جماعية وهو رأي ناضج وجميل.
القانون مجمد
< هل هناك معارضة ضد هذا التوجه؟
<< في الواقع ان مثل هذه القضايا تحتاج الى تفاعل من قبل الجميع، لكن واقع الكثير من الجهات في بلادنا يعاني الكثير من السلبيات.. بمعنى انه لاتوجد هناك مبادرات تتبنى آراء وافكار جديدة للحفاظ على الصورة الجميلة.. فكل واحد يجتهد في اطار عمله، ولكن لا يوجد تنسيق على سبيل المثال قانون الصحافة مُعَّطل في مجلس الشورى منذ عامين لانعرف لماذا؟! رغم ان توجيهات فخامة رئيس الجمهورية واضحة.. حاولنا البحث والتقصي لمعرفة الأسباب لكننا لم نصل الى نتيجة.
> ولكن هل هناك من يعتقد بان القانون الحالي أفضل ولا داعي مثلاً لإلغاء عقوبة حبس الصحفيين، كما جاء في برنامج فخامة رئيس الجمهورية وتوجيهاته السابقة؟..
>> ربما هناك نوع من هذا التفكير والذي اعتقد انه تفكير غير صحيح باعتبار ان عقوبة حبس الصحفي اليوم أفضل خدمة تقدم لهذا الصحفي، الذي يريد الشهرة ويظهر على الساحة المحلية والدولية، بينما هناك في بلدان ديمقراطية وغربية أحكام مستمرة بغرامات مالية دون وجود أحكام بالحبس، الا فيما ندر من الدول في قضايا الرأي، وليس في قضايا التشهير والسب والقذف فهذه قضايا جنائية.
ومن هنا لاتوجد اسباب واضحة -من وجهة نظري- تعيق قيام التنسيق بين الجهات.. قد ربما هذا التنسيق يحتاج الى نصوص قانونية وهذا مانأمله من خلال التعديلات.
جنود مجهولون
< لا تزال النظرة من قبل الكثير من الصحفيين تجاه نقابتهم غير ايجابية.. في اعتقادكم لماذا هذه النظرة واستمرارها رغم تغير قيادات النقابة من خلال الانتخابات؟
<< يمكنني القول في هذا المنحى بأن الاسباب متعددة وانا كتبت عن ذلك في مقالاتي المنشورة في صحيفة «26سبتمبر» عن الاغلبية الصامتة، وهم زملاؤنا في المؤسسات الحكومية في سبأ والثورة وسبتمبر وغيرها، وهم جنود مجهولون يقدمون أجل الخدمات للاعلام الرسمي وللحكومة، وهم اكثر الناس تهميشاً، ولم يكن يوجد في السابق اي تفاعل معهم، ونحن نسعى لانصافهم من خلال التوصيف الوظيفي الذي نعمل عليه و هؤلاء يمثلون ما يقارب 90٪ من مجموع الاسرة الصحفية، وهؤلاء ليست مشكلتهم حريات بشكل اساسي بقدر ما هي قضية اوضاع وتحسين وظيفي لاوضاعهم المادية، ومن ثم هم اقل الناس حضوراً وتواصلاً مع النقابة، ونادراً ما تحصل مشكلات معهم واذا حدث نقوم بحلها مثلما حصل مع الزملاء في 14 اكتوبر وقيادة المؤسسة وقمنا بحلها وتم الاعلان عن حل تلك الاشكالية وهي ليست من القضايا الصعبة حيث كانت بسيطة وعادية والمشكلة الحقيقية التي اشرت اليها تكمن في وجود فريقين سياسيين احدهما موالي والآخر معارض.
الفريق الموالي كلما تجاوزت صحف المعارضة في كتاباتها وفي انتقاداتها وغمزها ولمزها واحياناً الخروج عن الثوابت الوطنية، ينهال الفريق الموالي على النقابة بالاتهامات والسب والشتم والتجريح وبأنها لا تقوم بواجبها رغم انهم يدركون انه لا يوجد هناك نص قانوني يعطي صلاحيات للنقابة لممارسة اي دور..
انا اعتقد ان النقابة ليس دورها ان تقوم بدور الشرطي، ولكن من حق النقابة وكأيّة نقابة موجودة.. مثلاً لو رجعت لقانون نقابة الصحفيين المصريين لوجدت ان القانون يعطيها صلاحيات بما فيه قانون الصحافة المصرية الصادر عام 1996م اعطى لنقابة الصحفيين الحق لوحدها في تأديب الصحفي.. الفريق المناهض للحكم -المعارضة- يريد ان يتعامل مع النقابة خاصة اذا كان هناك من بين اعضاء مجلس النقابة زملاء ينتمون لاحزاب المعارضة يريد هذا الفريق ان يتعامل مع النقابة كجزء من المعارضة، وكأنها -النقابة- حزب معارض.. فنحن بين مشكلتين بين من يريد ان يتعامل معها كحزب معارض او كحزب موالي، بينما النقابة في الحقيقة منظمة مهنية معنية بخدمة الزملاء والدفاع عن الحريات، واتذكر اننا دافعنا عن زملاء يعملون في صحف حكومية وفي صحف غير حكومية.. في صحف موالية وفي صحف غير موالية، وكل واحد ينظر للنقابة بمقاييسه السياسية وبالتالي يعتبر ان النقابة اذا لم تقف مع صحف المعارضة دون شرط ولا قيد فان من فيها قد باعوا انفسهم للدولة.. في حين ان الموالين للحكومة يعتبرون ان النقابة في جيب المعارضة.. رغم ان النقابة في وضعها الحالي هي في وضع متوازن، والحقيقة انه لم يحدث اي خلاف منذ انتخابي نقيباً للصحفيين بين اعضاء المجلس، ومنهم من ينتمي للمؤتمر الشعبي العام، ومنهم من ينتمي للقاء المشترك حول قضايا الحريات على الاطلاق، وكما انصفنا في بيانات سابقة بعض صحف المعارضة عندما تعرضت للأذى، ايضاً انصفنا الزملاء في الصحف الحكومية واذكركم على سبيل المثال بمساندة النقابة لزميلنا رئيس تحرير صحيفة «26سبتمبر» العميد الركن علي حسن الشاطر كان موقف النقابة موحداً دون أي خلاف بين جميع اعضاء مجلس النقابة بمختلف انتماءاتهم السياسية، لهذا السبب يعتقد الجميع ان النقابة مقصرة في اعمالها لكن لم يتحدث احد منهم عن ان النقابة يصعب عليها ان تقوم بدورها كاملاً في حماية المهنة وهي غير مخولة قانونياً ولاتمتلك اية صلاحيات او امكانيات.. فما قيمة ان توقف النقابة اليوم مثلاً عضوية اي زميل او تلغي عضويته من النقابة..
انه لن يشعر بأيّة اشكالية تجاه ذلك، لكن لو حدث ان نقابة الاطباء أوقفت طبيباً عن ممارسة مهنته عندها سيشعر بفداحة اخطائه لأن النقابة تمتلك صلاحيات.. فعندما تتوفر الصلاحيات القانونية للنقابة يمكن ان يكون لها دورها، وبالتالي انا اتفهم مثل هذه الاحاديث واقدرها غير اني اتمنى ان يتفهم الجميع هذه المسائل، وان نعمل بجد في الفترة القادمة على ان تأتي التعديلات القانونية لتعطي نقابة الصحفيين الصلاحيات المطلوبة واللازمة.
ضوابط اخلاقية
< ذكرتم في حديثكم مسألتين هامتين وهما المزاجية والابتزاز كظاهرة مرافقة وملازمة للعمل الصحفي.. في تصوركم ماهي الظروف والمناخات التي ساعدت على انتشار هذه الظاهرة؟
<< اعتقد ان المشكلة تبدأ من منطلقات الصحفي نفسه، ومن هدفه من اصدار الصحيفة.. فالصحفي هو الذي يعرف الاجابة لماذا يريد ان يأخذ ترخيصاً لاصدار صحيفة.. ان كان منظوره قيمي واخلاقي ويريد ان يعمل اضافة جديدة للعمل الصحفي ويقدم خدمة جديدة ونموذجاً جديداً ومميزاً في العمل المهني فاعتقد ان مثل هذا الصحفي لايتورط في السلوكيات السلبية، وان كان المشروع بالنسبة له مشروعاً تجارياً وبزنس ومن حقه ان يفكر بمشروعه الخاص الذي يعوله وأسرته، لكن لمجرد انه يقوم بمشروع ربحي الغرض منه جمع المال دون أية ضوابط اخلاقية فأعتقد انه معرض للسقوط في الجانب الاخلاقي، وبالتالي يبدأ عملية الابتزاز وممارسة السلوكيات السيئة، وهذا مانعاني منه في النقابة من خلال ماتصلنا من شكاوى ومايصل الى مسامعنا من تصرفات بعض الصحف فتشعر إزاءها بالخجل الى درجة ان بعض الصحف تقوم بالمقايضة اما ان تعلن فيها والا سوف نقول كذا وكذا.. البعض من هؤلاء المبتزين لهم مواصفات شخصية وقدرة متميزة في ابتزاز الناس، وهناك زملاء لا يستطيعون مطلقاً ممارسة هذه السلوكيات المشينة.
تأثير النخبة
< الخطاب الاعلامي له تأثير مباشر على الوعي والسلوك الشعبي، وفي هذا الاتجاه هناك من يرى بأن هذا الخطاب يفتقر الى المعلومة.. مامدى تأثير ذلك على الواقع المجتمعي اليوم؟
<< طبعاً هناك فرق في تأثيرات الخطاب الاعلامي بين الصحافة والاعلام بشكل عام، ويصعب الآن ان اعطي مقارنة بين تأثير الصحافة وتأثير التلفزيون، ولكن اكتفي بالحديث عن الصحافة، وأتصور انه لايزال تأثيرها مقتصراً على النخبة، وصحفنا يتم يتداولها فقط في اطار النخب، واعتقد انه لو كانت هناك مراكز دراسات فاعلة يمكن ان تؤكد هذه الحقيقة، وانا أرى تراجعاً في مستويات التوزيع في كل الصحف في الآونة الاخيرة، واصبحت ظاهرة مقلقة وتحتاج فعلاً الى بحث.. لاتوجد مقارنة بين مستوى التوزيع خلال الفترة الانتقالية مابين 90-94 والتي وصلت الذروة، ثم اخذت تتراجع شيئاً فشيئاً حتى وصلت في العام الاخير الى أدنى حد.. حيث حدث عزوف كبير حتى من الذين كانوا يتابعون الصحف، وربما السبب يعود الى كثرة الاصدارات الموجودة التي اصبحت تثير الملل، ولم يعد بينها فوارق كبيرة تميزها عن بعضها البعض.. كان الناس في السابق يأخذون صحيفة واحدة تعبر عن رأي تيار سياسي معين.. اليوم هناك من 3-4 صحف تعبر عن رأي سياسي لنفس التيار مما خلق حالة من الحيرة لدى القراء.. اضافة الى ان هناك قلة في المعلومات.. لا أقول تضييق بل شحة المعلومات نتيجة تردد الكثير من المسؤولين المعنيين من مختلف المستويات للادلاء بالمعلومات مما يدفع للأسف بعض الصحفيين الى اللجوء الى الخيال في كتابة الخبر لمجرد ان لديه اصدار اسبوعي ولايوجد عنده اخبار هامة او مثيرة، وبالتالي يقوم وبكل بساطة بفبركة مجموعة من الاخبار من اجل ان يسوّق صحيفته، واعتقد ان اي خبير سياسي يستطيع ان يميز بين الخبر الصحيح والخبر المفبرك.. فمثلاً بعض الصحف تختلق اخباراً حول وجود مؤامرات وتحالفات في البلد، هي غير منطقية الغرض منها في الاخير التشويق والإثارة وقد ربما يستطيع ان يسوق هذا العدد والثاني والذي بعده لكنه بالتأكيد لايستطيع التسويق بعد اربعة او خمسة اعداد لأن القارئ الذي يأخذ الصحيفة ويتابع مواضيعها في الاخير يكتشف ان تلك الاخبار والتوقعات ليس لها وجود على أرض الواقع فيفقد الثقة بتلك الصحيفة ويعزف عنها، وبالتالي يتراجع توزيع الصحيفة مهما كتب ومهما فبرك من اخبار حتى لو نشرت اخبار صحيحة فيما بعد فلن يصدقها أحد.
عندنا أزمة حقيقية كبيرة للأسف في المصداقية أنتجت عدة ظواهر سلبية مثل تشويه الحقائق عند الناس والإرباك في اذهان النخبة، وعندما اتكلم عن النخبة كونها مؤثرة، وهي التي تقود المجتمع، ولا اتحدث عن المواطن العادي المشغول بهمومه اليومية والذي بالنسبة له ال30 الريال او ال40 الريال قيمة الصحيفة يمكن ان يشتري بها خبز لأسرته افضل لديه من ان يقرأ صحيفة.
ظواهر سلبية
< هناك ظاهرة المحاكاة والتقليد كقاسم مشترك بين الصحف في الشكل والمضمون.. الى ماذا يعود ذلك من وجهة نظرك؟
<< اعتقد بأن الكثير من الزملاء وبالذات الشباب الذين اقبلواعلى اصدار الصحف في الآونة الاخيرة ربما لم يجدوا متنفساً، وكثير منهم خرجوا من احزاب، وبعضهم خرجوا من مؤسسات قد تكون حكومية او حزبية أو أهلية.. ربما لم يجدوا في هذه المؤسسات متنفساً للتعبير عن ارائهم، ولان شروط منح التراخيص للاصدارات ميسرة جداً وغير مكلفة فيحصلون على ذلك، ويستأجرون شقة، وأي بنك يعطيك وثيقة بمبلغ من المال.. البعض يصدر صحيفة ويتم تجميعها في مكان اخر بأجهزة صحيفة اخرى، وليس في جهاز خاص يتبع الصحيفة ذاتها، وهذه للأسف كلها ظواهر سلبية جعلت الكثير من الشباب يفكر باصدار صحيفة خاصة، ولو انهم ادركوا انهم يمثلون جيلاً واحداً ويفكرون بنفس الطريقة التي جعلتهم يصدرون صحفاً متقاربة الاتجاهات والسياسات لو انهم ادركوا ذلك لكان الافضل لهم ان تجمع كل ثلاثة او اربعة ويقوموا باصدار صحيفة واحدة صادرة عن مؤسسة واحدة بأسس وضوابط قانونية وبمسؤوليات محددة، وتكون اقرب الى الشركة لكان العمل افضل والنتائج أجمل من هذا القائم اليوم، وفي تصوري اذا استمرت الظروف بهذا الحال ربما بعد فترة ستغيب الكثير من هذه الاصدارات، خاصة مع ارتفاع الأسعار في الورق و الخدمات وغيرها، وحينها لن يكون العمل الذي قاموا به مجدياً، وبصراحة اكثر انه لولا الاعلانات الحكومية «الدعم الحكومي غير المباشر» للكثير من الصحف الاهلية- لأن القطاع الخاص شحيح جداً في مسألة الاعلان- لكانت الكثير من هذه الصحف غير قادرة على الاصدار.. فالتهاني والتعازي من الجهات الحكومية هي التي تقدم لهم الدعم وتعينهم على الاستمرار.
الوعي القانوني
< اشرتم في سياق حديثكم الى مسألة الخروج عن الثوابت الوطنية من قبل بعض الصحف والصحفيين.. هل يمكن ايضاح مثل هذا الخروج؟ وماهي الدوافع الحقيقية التي تقف وراء تلك التجاوزات في اعتقادكم؟
<< اعتقد ان خروج بعض الصحف عن الثوابت الوطنية فيما تنشره يعود وكما أشرت سلفاً الى ضعف الوعي القانوني لدى هؤلاء الصحفيين لمايجب وما لايجب نشره.. من الممكن لأي صحفي أو زميل صاحب امتياز او رئيس تحرير أن ينشر في صحيفته مقالات يعتقد انها من باب حرية الرأي، لكن لايدرك ان هذا قد يصطدم مباشرة مع محظورات النشر الواردة في قانون الصحافة فعلى سبيل المثال هناك نص في قانون الصحافة الحالي أعتقد انه في منتهى الرقي.. نص راقي جداً.. حيث اتاح لك التعاطي مع رئيس الجمهورية في القضايا العامة، مثل ان يختلف رأي الصحفي او السياسي مع رأي يطرحه رئيس الجمهورية في خطابه.. من حق الصحفي ان يقول انا لا أتفق مع الرئيس في هذا الموضوع، ويتعاطى معه في منتهى الادب، وليس فقط مع الرئيس، بل مع نائب الرئيس ورئيس الحكومة ومسؤولي الدولة، ولكن ان يبدأ الصحفي بتناول الرئيس او أيّة شخصية قيادية اخرى بشكل شخصي وبأساليب غير لائقة، وفيها من الغمز واللمز والاساءة الشخصية اعتقد انه في هذه الحالة يتصادم مع القانون، ولايفرق بين كيف يناقش، وكيف يتجنب الجانب الشخصي.. انا كصحفي عضو في الحزب الحاكم اختلف مع بعض آراء اعضاء قياديين في المعارضة واعبر عن ذلك في مقالات لكني اتجنب ان أمسهم بشكل شخصي.. نأخذ رأيه ونتعاطى معه، واقول له وجهة نظري الخاصة في هذا الجانب او ذاك هذا الرأي خطأ أو غير موضوعي، وان فيه شطحات لكن لا اتناوله شخصياً، واقول هذا عميل.. وهذا مخبر، وهذا خائن، وهذا ضد الوطن!!.. هذه النقاط هي التي توجب على الصحفي ان يميز بين الخطوط المسموح بها والخطوط الحمراء، وفي كل دول العالم وحتى في العالم الغربي والديمقراطي يظل التعاطي مع الاشخاص بشكل مسيء هو اكثر مايجر الصحفيين للمحاكم في هذه القضايا، ولو نبحث في القضايا المثارة ستجد انها قضايا من هذا النوع.. تناول الرئيس او رئيس الحكومة او وزير والاساءة اليه بشكل شخصي هو الذي يجر الصحفي الى المحاكم.. فغياب الوعي القانوني عندنا هو الذي يؤدي الى مثل هذه الاختلالات ويؤدي احياناً الى التصادم مع الثوابت.