يحيى علي نوري - بات واضحاً أن الأحداث في غزة قد تمكنت من إحداث تفاعلات خارجية لم يكن المحللون والمتابعون يتصورون حدوثها والتي مثلت هي الأخرى مفاجآت خدمت القضية الفلسطينية وأعادتها إلى الواجهة بعد مرحلة طويلة من التواري عن اهتمامات المشهد العربي والدولي..
ومن هذه التطورات الحراك الكبير والفاعل على صعيد الجامعات الأمريكية وجامعات بعض الدول الأوروبية التي أعلنت مدخلاتها الطلابية عن موقف قوي وجسور مساند لغزة ورافض لكافة الممارسات التعسفية للكيان الصهيوني ولكافة أوجه الدعم التي يحظى بها من قِبَل الولايات المتحدة والعديد من البلدان الغربية..
إضافة إلى الموقف الشجاع والقوي للقيادة باليمن والقوات المسلحة اليمنية وما أحدثه هذا الموقف من تفاعلات كبيرة في الانتصار لغزة بل ولكل فلسطين خلال عدد من المراحل التي تم خلالها استهداف الملاحة إلى موانئ فلسطين المحتلة والتي كشفت الزيف الغربي الداعم لإسرائيل وعدم قيامه بإيقاف العدوان الإسرائيلي ورفع الحصار عن شعب غزة بل وفي رفضه الربط بين موقف القوات المسلحة اليمنية وبين ما يعتمل في غزة.. وهو رفض قُوبل بمزيد من المواجهة المقتدرة لكل آلياته العسكرية بالبحرين الأحمر والعربي والمحيط الهندي، الأمر الذي عكس فشل تحالف الازدهار في تحقيق أهدافه المعروفة في مساندة إسرائيل وجرائمها..
إضافةً إلى بروز العديد من المسيرات الشعبية التي عجَّت بها شوارع عواصم ومدن بالعالم بصورة غير مسبوقة دعماً للقضية الفلسطينية.. ناهيك عن مقاضاة إسرائيل في المحكمة الدولية..
ولا ريب أن هذه التفاعلات الكبيرة قد أظهرت ضعف ووهن إسرائيل وحيَّرت واشنطن وغيَّرها في الدفاع عنها خاصةً وأن المتغيرات التي أحدثتها هذه التفاعلات قد أكدت استحالة استمرار إسرائيل وداعميها بالغرب في مواصلة أساليبهم الإجرامية والتي ظلت بعيدة عن الاهتمام العالمي خلال أكثر من سبعين عاماً من عمر الصراع العربي الإسرائيلي..
ولكون المتغير أكبر وأقوى فإنه لاريب سيرغم الكيان الصهيوني وداعميه على نهج طريق آخر يعترف فيه بحقوق الشعب الفلسطيني، بل ويشعر بأن هذا الاعتراف بات ضرورة قُصوى له في المقام الأول كي يحافظ على وجوده في الخارطة..
ولا ريب أن التفاعل العربي مع ما يعتمل في غزة وفلسطين عموماً لم يرقَ إلى مستوى التحدي الكبير الذي يواجهه العدو اليوم، فموقف النظام الرسمي العربي ما زال باهتاً وتائهاً، بل ويشعر بالخوف من المخاطر التي قد تحدق به التطورات في غزة.. وبات يبحث عن سبل بقائه من خلال ممارسة النفاق على مواطنيه ومع القوى الكبرى باعتبار ذلك الضمانة لاستمرار عروش وأنظمة الحكام العرب والذين ما زالوا حتى اللحظة الدامية في غزة يتحدثون عن التطبيع في أفظع صور الارتهان لإسرائيل وداعميها..
وهو ارتهان أفقدهم البوصلة وزاد من حِدة تخوُّفاتهم وإلى حدود التعبير عن الكراهية لمحور المقاومة بل واعتباره العدو الأول لأمتهم، بل والتعبير الصريح عن ضرورة القضاء على هذا المحور الذي يجلب لهم بين الفينة والأخرى منغصات عِدة ومخاطر تهدد كياناتهم..
ولعل إعلان القوات المسلحة اليمنية -الجمعة- في بيان اتسم بالتحدي الأكبر لإسرائيل وداعميها من خلال تدشين المرحلة الرابعة التي تتسع بها رقعة الاستهداف للملاحة المتجهة إلى موانئ فلسطين المحتلة وبلوغها البحر الأبيض المتوسط، قد أحدث هذا التطور هلع الأنظمة العربية قبل إسرائيل خاصة وأنه مثل حدثاً تاريخياً من شأنه أن يقزّم هذه الأنظمة بل ويعرّيها أمام شعوبها
وبصورة غير مسبوقة..
وهنا قد نُفاجَأ وفي أي لحظة ببروز مواقف معلَنة أو سرية تحاول تحجيم مقاومة الشعب اليمني وقواته المسلحة باعتبارها نُذر جحيم على الأنظمة العربية خاصة مع تعاظم الاهتمام الجماهيري العربي من المحيط إلى الخليج بالموقف اليمني
وما يبديه الرأي العام العربي من تقييمات وتحليلات تعكس حقيقة أن وعيه قد تجاوز كثيراً وعي أنظمته المتخلّفة خاصةً مع إجماع كل محللي العالم أن إسرائيل تمر حالياً بمرحلة من الضعف والوهن؛ وهي مرحلة كانت تمثل فرصة ثمينة للنظام الرسمي العربي أن يتخذ مواقف شجاعة تنتصر للفلسطينيين من خلال ممارسة كافة وسائل الضغط السياسية والاقتصادية والعسكرية بالصورة التي تعزز النضال الفلسطيني وتمكينه من بلوغ أهدافه المشروعة..
ولكون موقف عربي كهذا لم يحدث فإن القادم القريب سيكون وبالاً على الأنظمة العربية وإسرائيل..
ذلك أن المتغيرات متسارعه وتحمل في طياتها تحولات كبرى ستغير حتماً من وجه المنطقة العربية لصالح قضيتها المحورية فلسطين؛ وأن اللاحقين بركب المواجهة لإسرائيل واستعادة الحق الفلسطيني بل وإعادة الاعتبار للأمة العربية هم وحدهم من سيشكّلون المشهد القادم بكل أبعاده القومية والحضارية.
|