عبدالرحمن بجاش - أحمد نعمان " باولة " *، كان عندما يمشي في شوارع الشيخ عثمان، لابد أن تكون الفوطة أبو تفاحتين تلامس الأرض، والشميز نص كم، والكوفية زنجباري، وفي العصارى تكون قعادة الباولة أحسن "قعادة" *، وترى الآخرين يشيرون له بيد الحسد تارةً، والإعجاب تارةً أخرى !!
لم يكن "الدريول" معزولاً عن بقية طبقات المجتمع، بل كان يساوي أفراد تلك الطبقات العليا بإعجاب الناس بمهنته، خاصةً والدريول يتكلم الإنجليزية بطلاقة، يرطن رطين كما كانوا يقولون ..
وأي إنسان لم يكن يصل إلى مرتبة السائق بسهولة هذه الأيام، إذ لا بُد له من المرور بمراحل معرفة تفاصيل السيارة والبابور، فيستمر سنوات "جرشبل*" تتجلى مهمته في الطرق الوعرة حيث تراه يحمل عند الصعود حجراً كبيراً بيديه ويرميها تحت التاير الخلفي كلما هَمَّ البابور بالتراجع إلى الخلف؛ ثم تراه من يقوم بتنظيف السيارة والبابور ويتأكد من كل التفاصيل حتى يطمئن السائق ويمشي بأمان..
وبعد سنوات تجد "الجروشبيل" وقد اعتلى المقود وصار سائقاً، وهذا الأمريكون له شنة ورنة في القرى حيث يبتهج الأهل ويتفاخرون بـ: "ابنهم" الذي صار "دريول".. ولاحظ أن معظم المبدعين في مختلف مجالات التعليم كان آباؤهم "دريولات"..
والدريول لم يكن معزولاً عن قضايا الوطن الوطنية بل يتفاعل معها ويكون معظم الوقت في الصفوف الأولى عندما يتعلق الأمر بوجوده …قليلون من سيلاحظون ماذا يوجد في مقدمة المرسديس حق عبدالحميد سلام، هناك وجه جمال عبدالناصر بادٍ وبارز.. والعلم الجمهوري ..
ذلك الدار شاهد على الزمان والمكان وحارس أمين على الأفق من رأس نقيل "الجواجب" في كدرة قدس وحتى نهاية الأفق فوق البحر العربي.. هناك عدن، ومن هناك بالقرب من دار الحاج سلام ظل أصحاب الحلم يهبطون باتجاه المصلى، عشرات الحمير مرت من هناك صاعدة هابطة ليل نهار طوال حوالي 132 عاماً ..
والحاج سلام حكاية لحالها..
عبدالحميد سلام بقامته المهيبة انحدر من هناك ذات غبش، ولم يتوقف سوى في الشيخ عثمان وإلى حيث كان أبوه الحاج سلام أشهر المشهورين في عدن التي كانت أحد الموانئ المشهورة في الكون..
وهناك تعلُّم كيف يكون "جرشبيل" حتى ارتقى إلى درجة "الدريول"، وصار بعد سنين سائقاً ومالكاً لإحدى أشهر سيارتي "مرسيدس" في صنعاء والشمال عموماً..
لاحظ أن السيارات الأجرة المرسديس -ويُنطق الاسم هكذا بالعامية المحلية- لم تكن في مرحلة السبعينيات والثمانينايت تُؤجَّر لغير السياح، وكان سائقوها مميزين.. والطريف أن حبهم لمهنتهم جعل البدوي صاحب المرسديس رقم " 1"، والشرجبي وعبدالحميد ينامون في الشنطة الخلفية للسيارة أو البابور كما يحلو لليمني أن يُسمّيه !!!
كانت إدارة المرور تستثني السيارات المرسيدس من تغيير طلاء التاكسيات تلك التي تُفرض أيام أسبوع المرور!!! بحجة أنهم يعملون مع السياح !!!
عبدالحميد سلام الدريول الأنيق ربَّى توفيق ابنه الوحيد حتى صار حاملاً الدكتوراه يُشار له بالبنان من صنعاء إلى كندا …هناك أيضاً كان عبدالوهاب سلام مهاجراً؛ وهو حكاية قائمة لوحدها …
شلني يادريول تِجَمّل..
لِتَنَمْ روح الدريول المشهور بسلام …
"""""""""""""""""
*باولة: عملة قديمة جزء من الريال
*قعادة: سرير من الشبط
*جروشبل أو جرشبل: معاون السائق
*دريول: "درايفر" أو سائق |