أحمد الزبيري - بعد أيام تهل علينا مناسبة العيد الوطني الـ34 لإعادة تحقيق الوحدة اليمنية في الـ22 من مايو 1990م، الذي هو عيد وطني يرتبط بحلم الشعب اليمني الذي ناضل من أجله طويلاً وكان يرى في الوحدة التحرر من الاستعمار والخلاص من الظلم والطغيان وفتح آفاق للتطور والتقدم وبناء الدولة القوية القادرة العادلة التي تليق بشعب حضاري عريق..
بوحدة الشعب اليمني النضالية انتصر على الاستعمار وللنظام الجمهوري، ولكن هذا النصر لم يكتمل وأخذت الأمور منحى آخر، يمكن إرجاع أسبابه إلى واقع الشعب اليمني الاجتماعي والسياسي، لكن التدخلات والتأثيرات والعوامل الخارجية الإقليمية والدولية كانت حاسمة في تأجيل حلم الوحدة اليمنية لما يزيد من عقدٍ من الزمن، وكانت الخلافات والصراعات والحروب التي بيَّنت تضارب المصالح بين القوى السياسية والتي بررتها بشعارات سياسية مغلفة بأيديولوجية استثمرت في الجهل والتخلف وبالأفكار والمشاريع السياسية التي لا تنسجم مع معطيات الواقع ومتطلبات الشعب اليمني..
ولا ننسى هنا طبيعة الوضع الإقليمي والدولي وتأثيره الاستقطابي باتجاهات جعلت الوحدة مشروعاً مؤجلاً.. وهنا لن ندخل في تفاصيل تلك الفترة الزمنية، كما لن نتحدث عن النظرة الخلافية حول الظروف التي أدت إلى إعلان الوحدة اليمنية في العام 1990م..
وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هذا لا يُعفينا من ربط هذا الإنجاز بالمعطيات السياسية الناجمة عن المتغيرات التي كانت تشهدها منطقتنا والعالم الذي كان يمر بتحولات النظام الدولي القائم على توازن الثنائية القطبية باتجاه القطبية الواحدة التي كان من أبرز متغيراتها تفكك الاتحاد السوفييتي والمنظومة الشرقية والمخططات الغربية بقيادة الولايات المتحدة للهيمنة على منطقتنا، وتمظهرت في تحضير المنطقة لحروب أبرزها ما حصل بعد أقل من ثلاثة أشهر في الخليج من غزو عراقي للكويت ومن تشكيل تحالف دولي لتحريرها بقيادة أمريكا وحلف الأطلسي ومشاركة أنظمة عربية، بنتيجتها تحررت الكويت، ولكن استمرت تداعياتها المؤلمة ليس على العراق فحسب بل والمنطقة العربية كُلها؛ واليمن كان من أوائل المتأثرين بتلك النتيجة خاصةً في إنعاش طموحات البعض في العودة إلى ما قبل 22 مايو، واعتقاد البعض أن الفرصة سانحة بدعم دولي لتصفية ما سُميت بالشمولية والشيوعية وبقايا الحرب الباردة، ووجدت المشاريع الصغيرة من هذا الطرف أو ذاك بيئتها الخصبة، وعاد الصراع والمواجهات وأدت تراكماتها إلى حرب 1994م؛ وبقية سردياتها قد جرى الحديث عنها كثيراً، وكلٌّ يفسر الأمور من وجهة نظره، في حين أن الوحدة كحلم وطني وكأمل للشعب اليمني لا علاقة لها بكل ذلك وفيها المصلحة الحقيقية لكل اليمنيين..
أربعة وثلاثون سنة مرت تخللتها خلافات وتباينات وصراعات وحروب أخطرها العدوان الخارجي الذي تعرض له الشعب اليمني وما زال منذ 2015م لتحقيق أطماع ومخططات خارجية تقاطعت بعضها مع ما تعرضت له دول عربية منها العراق وسوريا وليبيا، وأطماع الجوار، وكل هذا كان بقيادة أمريكا وبريطانيا ومعهم الغرب الاستعماري والدول الوظيفية في الجزيرة العربية والخليج، والإشارة هنا بالدرجة الأساسية للسعودية والإمارات..
التحوُّل العالمي الذي أدى إلى اختلال التوازن في النظام الدولي عام 1990م يتكرر ولكن بصورةٍ إيجابية تعكسها المتغيرات التي ملامحها تذهب باتجاه تشكُّل نظام عالمي جديد؛ ولعل غزة وما يتعرض له أبناء الشعب الفلسطيني من إبادة هي النموذج الواضح لما سيجري في منطقتنا.. وموقف اليمن إلى جانب إخوانه في فلسطين ومواجهته يضعهُ أمام استحقاقات أولها يقتضي من القوى الوطنية التي يهمها سيادة واستقلال اليمن الموحد القوي أن تعمل باتجاه إعادة المنجز الوحدوي إلى مساره الصحيح؛ وهذا يتطلب العمل على بناء الدولة الوطنية التي درست أخطاء الماضي واستوعبتها وأصبحت تعي بعمق أن بناء الدولة اليمنية الموحدة هو ما سيتجاوز بأبنائها المشاريع القاصرة والصغيرة وتضعهم في المكانة التي يستحقونها بعد انتصارهم على أعدائهم الذين هم أعداء للأمة وهذا يفترض عدم تكرار أخطاء الماضي، وإدراك أن بالوحدة ننتصر على الطامعين والمتآمرين..
العالم يقترب من تحوُّل كبير، ولا يمكن أن نكون إلا جزءاً منه إذا مضينا نحو المستقبل موحّدين مستقلين نملك قرارنا.
|