د. فيصل الجائفي -
لم تكن الوحدة اليمنية حدثاً عابراً من أحداث
اليمن، بل كان الحدث الأبرز في تاريخ اليمن الحديث، إذ يُعد 22 مايو 1990م يوماً انتظره كثير من اليمنيين جنوباً وشمالاً، بعد سنوات من الخلاف والاختلاف والانقسام داخل الأسر وبين الأشقاء بلغ مبلغاً كبيراً من العداوة والحرب والاغتيالات والتفجيرات..
في هذه الذكرى التي تتعرض فيها وحدة اليمن وأمنه واستقراره إلى محاولة التشطير مجدداً، وإعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، نستذكر معكم أحداث الوحدة اليمنية، مستلهمين أحداث التاريخ ومحطاته للبناء عليها والسير على نهج الآباء الأوائل في المحافظة عليها وتقوية أواصر اليمنيين في كل مكان، وعدم الانزلاق الى إعادة عجلة التاريخ الى الوراء..
لقد مرت الوحدة اليمنية المباركة قبل إعادة تحقيقها بمحطات كثيرة وصعبة في ذات الوقت، فكانت المؤتمرات والندوات والمفاوضات بين قيادتي الشطرين الجنوبي والشمالي آنذاك وعلى مدى عقود، وفي نفس الوقت تعرضت لمؤامرات داخلية وخارجية للحيلولة دون قيامها، لأن التشطير كان عبارة عن بؤرة تغذّي الصراعات والحروب الداخلية، وكان الأعداء يشعلون فتيلها بين الفينة والأخرى في محاولات يائسة لتأجيج الصراع بين شطري الوطن حينها لمنع إعادة الّلحمة اليمنية وتحقيق الحلم الكبير الذي طال انتظاره من قِبل جميع أبناء اليمن..
لقد تحققت الوحدة أخيراً بفضل الله سبحانه وتعالى ثم بفضل الشرفاء والمخلصين من أبناء الوطن، إذ تمكنت القيادة السياسية في الشطرين آنذاك في 22 مايو 1990م من تحقيق حلم كل اليمنيين وتفويت الفرصة على أعداء اليمن في الداخل والخارج، لكن المؤامرات ظلت تُحاك ضد هذا المنجز العملاق الذي تعرض لهزات عنيفة، كأزمة ومؤامرة صيف 1994م التي كادت أن تعصف به لولا عناية الله سبحانه وتعالى ثم صمود الشرفاء من أبناء اليمن المخلصين لمنجزاته، فصمدت الوحدة أمام كل ذلك وستظل صامدة في وجه المؤامرات والأعاصير المصطنَعة وعواصف الدفع المسبَق لإيذاء وتدمير اليمن..
إن أهمية الوحدة اليمنية تكمن في كونها أملاً لكل شعوب المنطقة العربية في الخروج من أزماتها المتلاحقة وبناء قوتها خاصةً وأن العالم يتجه جزء منه نحو التوحيد وبناء الكيانات والتحالفات، وجزء آخر يتجه نحو التفكك والانهيار، وغالباً وحدة البلدان وتكتلاتها تكون سبباً لقوتها ونهضتها سياسياً واقتصادياً وحضارياً، وخاصةً إنْ وُجدت قيادة رشيدة تمتلك الرؤى اللازمة والصادقة في التوجه، والمخلصة في التنفيذ..
إن الوحدة اليمنية هي الأمل الوحيد لتحقيق النهوض واللحاق بركب الأمم حضارياً، وكذلك حماية للوطن من الضياع والتشرذم والتمزق وحماية جغرافيته ومياهه الإقليمية كون اليمن تقع على أهم المواقع العالمية ومضائقه وشرايينه البحرية، فضلاً عن إنهاء حالة الاحتراب والأزمات المتلاحقة بين الشطرين..
ومع كل هذه الأهمية تعرَّض اليمن ووحدته إلى الكثير من المشاكل المفتعَلة السياسية والاجتماعية والاقتصادية من خلال تنفيذ أجندة خارجية لا تروق لها وحدة اليمن ولُحمته، وأصبحت اليمن اليوم مع كل الأسف كيانات ممزقة تؤذن بانهيار تام، وإن لم يتم تدارك هذا الأمر فسيكون له تبعات كارثية ليس على اليمن فحسب بل على المنطقة العربية كاملة، لأن هناك مشاريع متربصة للقضاء على اليمن وعلى المنطقة برمتها وجعلت من بلادنا ساحة حرب وتصفية وانطلاقة لمشروعها التدميري في المنطقة..
نأمل من كل قلوبنا أن يدرك السياسيون في اليمن ما يُحا لليمن ولليمنيين من مؤامرات تستهدف القضاء على اليمن أرضاً وإنساناً، وأن يتم إخراج اليمن من أزماته ويعود كما كان بلداً آمناً مستقراً، بلد الحضارات والقِيَم والأخلاق..
حفظ الله اليمن مدى الأزمان |