د. محمد عبدالجبار المعلمي - لم يكن يوم 22 مايو 1990م سوى تحقيق لحلم الشعب اليمني الراسخ في استعادة وحدته المنشودة التي ناضل من أجل تحقيقها أمداً طويلاً ضد الاستعمار وضد كل أشكال التفرقة والتمزق والهيمنة، وضحى من اجل هذا الهدف بخِيرة أبنائه..
وفي حين يستقبل الشعب اليمني عيده الـ 34 ذكرى إعادة تحقيق الوحدة اليمنية، فإنه يستذكر أحداث هذه الذكرى والخطوات التي أدت إليها، ومراحل النضال الوطني الذي أثمر مستلهماً أدوات التاريخ ومحطاته للبناء عليها والسير على نهج رموز النضال اليمني الذي أنهى ما يزيد عن قرن من التشطير والتشرذم الذي صنعته الإمامة والاستعمار..
تُعد الوحدة اليمنية فتحاً عظيماً في تاريخنا اليمني وكانت وما زالت لحظة نور تشع أملاً في تاريخ اليمن المظلم والممتلئ بالانكسارات، فمنذ ان غربت شمس الحضارة الإسلامية القديمة كانت الوحدة اليمنية بعثاً جديداً لأمجاد سبأ وحمير وحضرموت وكانت تجسيداً لوحدة الشعب والوطن والهوية، واستعادة لماضٍ زاحمنا فيه أمماً عظيمة في الإبداع والإنجاز الحضاري..
ولذا فقد كان مشهد الجماهير اليمنية وهي تتدفق لتلتحم شمالاً وجنوباً وفي كل اتجاه احتفالاً بالوحدة لا تزال حاضرة في الأذهان وعالقة في الذاكرة، فالمشاهد العظيمة والفريدة في تاريخ الأمم والشعوب تظل خالدة وعصية على النسيان..
ومن المهم التأكيد أن 22 مايو كان يوماً للحرية وُضعت فيه حجر الأساس للتعددية السياسية والحزبية وفُتحت فيه آفاق جديدة نحو الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة، وهذا ما يجعل المهمة كبيرة أمام هذا الجيل في استكمال تشييد هذا الصرح وصولاً إلى تحقيق تطلعات شعبنا اليمني في بناء دولة مدنية ديمقراطية حديثة، والحفاظ على الوحدة اليمنية باعتبارها مشروعاً وطنياً جامعاً لكل اليمنيين نحو المستقبل المشرق..
ففي الوقت الذي تحققت فيه الوحدة اليمنية المباركة كنواة للوحدة العربية الشاملة، كان ينبغي على أبناء الأمة العربية الدفاع عنها والحفاظ عليها باعتبارها البذرة الطبيعية والصالحة لتحقيق الوحدة العربية والعز والمجد العربي ومكسباً للجميع.. وعندما يكون اليمن موحداً فإن اليمن يتمتع بأكبر قدرة على التعامل مع التحديات الإقليمية المشتركة، يمكن لليمن أن يشكل قوة إقليمية مؤثرة في مواجهة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب والتطرف وتهريب الأسلحة والمخدرات؛ وبالتالي يتحقق التعاون الإقليمي والتنسيق بين الدول المجاورة لمواجهة تلك التحديات والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة..
الوحدة اليمنية تساهم في تعزيز الهوية الوطنية والثقافية لليمن وشعبها عندما يكون الشعب تحت راية واحدة، يتم تعزيز الانتماء الوطني والروح الوطنية ويتم إحياء التراث والثقافة اليمنية بشكل أكبر، وهذا يعزز الوحدة الوطنية ويقوّي تماسك الشعب اليمني في مواجهة التحديات الداخلية والخارجية..
بشكل عام الوحدة تُعتبر أساساً للتنمية والاستقرار في اليمن والمنطقة وتعزز الاستقرار السياسي والأمني وتسهم في التنمية الاقتصادية وتعزز القدرة على التعامل مع التحديات الإقليمية وتعزز الهوية الوطنية والثقافية..
الوحدة اليمنية تعزز تأثير اليمن على المستوى الدولي عندما يكون لليمن صوت موحد ومتحد في المحافل الدولية، يكون له القدرة على الدفاع عن حقوقه ومصالحه وتعزيز تعاونه الدولي في مختلف المجالات مثل الاقتصاد، التجارة، والتنمية المستديمة..
الوحدة اليمنية تعزز استقلالية اليمن وسيادته على أراضيه وقراراته؛ عندما يكون الشعب اليمني متحداً يكون له القدرة على تحقيق مصالحة الوطنية بشكل مستقل واتخاذ القرارات التي تخدم مصلحته دون تدخل خارجي..
بشكل عام الوحدة اليمنية تعزز استقرار اليمن وتعزز قدرته على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية..
إن اليمنيين بحاجة إلى التلاحم والتعاون من أجل تحقيق التقدم والاستقرار والرخاء في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة..
وللحفاظ على وحدة اليمن يتطلب التزام جميع المكونات السياسية بالحوار والتفاوض والتعاون الوطني والتسوية السياسية، كما يجب العمل بروح المصالحة والتعاون لتحقيق الاستقرار والتنمية المستديمة في اليمن، ويجب أن يكون هناك رغبة حقيقية في تحقيق التوافق والتعاون من أجل المصلحة العليا لليمن وشعبها والمحافظة على الوحدة اليمنية المباركة .
في هذا الوقت وفي غمرة الاحتفالات والأفراح بالوحدة اليمنية نرى الأشقاء والجيران يتآمرون عليها ويحيكون الدسائس ويصرفون المليارات لتمزيق اليمن منبع العروبة ومهبط الحضارات وموطنها الأول.. فهل يدرك الاشقاء والجيران خطورة ما يقومون به ضد الوحدة اليمنية بوابة الخليج الجنوبية والشرقية، وأن أمنها و استقرارها وقوتها هو أمن واستقرار الخليج خصوصاً والوطن العربي عموماً..
وفي ما يخص البعض من إخواننا في المحافظات الجنوبية والشرقية الذين انخدعوا وغُرّر بهم من قِبَل بعض الدول التي دعمت وتدعم الانفصال والتشطير منذ سنوات وتحت أكثر من مسمى وهدف؛ لهؤلاء نقول ألم تتضح لديكم الرؤية حتى الآن وينكشف القناع والوجه الحقيقي لهذه الدويلات وأطماعها الاستعمارية في يمننا الحبيب، وكيف أصبحت المحافظات الجنوبية والشرقية تحت الوصاية وليس التحرير واستعادة دولة الجنوب العربي وما شابه ذلك من شعارات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب والأطماع والتمزيق والتدمير لكل شيء جميل في اليمن.. ألم يكن بمقدورنا منع كل هذا من خلال الاصطفاف الوطني والمحافظة على الوحدة المباركة كإنجاز عملاق وفريد وعدم تحميله أخطاء أشخاص بعينهم أو أنظمة، وحل مشاكلنا عبر الحوار وليس الصراع والانقسام الذي يخدم الأعداء والمتربصين ويوفر لهم أرضية خصبة لتحقيق أهدافهم ومطامعهم الخبيثة.. وهل يدرك الذين يتآمرون على الوحدة اليمنية أنهم سيدفعون الثمن وسيأتي الدور عليهم في القريب العاجل..
وهنا ونحن نحتفل بالعيد الـ 34 لإعادة تحقيق الوحدة المباركة نؤكد للجميع أصدقاء وأعداء أن الوحدة اليمنية ورغم ما تعرضت وتتعرض له على مدى ثلاثة عقود باقية وأنها تحققت لتبقى بحماية الملايين من أبناء الشعب اليمني الذي يرفضون الوصاية ويقاومون العدوان والاحتلال الخارجي الذي يستهدف كل المنجزات والمكاسب اليمنية وفي مقدمتها الوحدة اليمنية المباركة. |