د. عبدالوهاب الروحاني - ارتبط مفهوم الانتماء الوطني عند اليمنيين على مرّ تاريخ النضال الوطني بشرط الدفاع عن الوحدة، تماماً كما ارتبط تراجع الولاء الوطني بتراجع التمسك بالوحدة وبحركة واسعة من تزييف الوعي في وسط الناشئة من الشباب الذين أراهم اليوم قد عرفوا حقيقة أن اليمن لا يمكن لوضعه أن يستقيم ويستقر إلا بالوحدة..
هذا المفهوم، هو الذي رافق تأسيس ونشاط الأحزاب والمنظمات الجماهيرية والمهنية والإبداعية قبل الوحدة- أي قبل 1990م- ولذلك عملت على تنمية الوعي الوطني، وعززت من قِيَم الانتماء الوطني والنضال من أجل الحرية والوحدة. .
كانت المنظمات الجماهيرية والمهنية والإبداعية أداة الأحزاب في ترجمة برامجها الوطنية - حينما كانت لها برامج وطنية- ولعبت أدواراً حيوية في الضغط من أجل الوحدة وتقارب وجهات النظر بين قيادتي الشطرين..
في مقدمة المنظمات الإبداعية التي ناضلت بقوة وجسارة من أجل الوحدة برزت أسماء وعناوين كبيرة:
- اتحاد الادباء والكُتاب اليمنيين
- اتحاد عمال اليمن
- نقابة الصحفيين
- الأطباء والصيادلة
- نقابة المحامين
- الروابط الطلابية (في الخارج)
*مفهوم الجاوي
جميعنا يتذكر الفعل الحيوي الذي لعبته هذه التكوينات، ويتذكر الدور الأفعل لاتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين الذي لعبه من أجل الوحدة؛ فقد وُلد الاتحاد موحداً، ومنذ تأسيسه في مايو من العام 2971 عقد كل مؤتمراته في عدن أو في صنعاء تحت يافطة الوحدة وعلى أسس وقِيَم الوحدة، ولم يعانِ قط من مرض التشرذم والانقسام إلا بعد تلاشي الولاء ومغادرة الكبار..
من مِنا لا يتذكر الأسماء الكبيرة من مؤسسي اتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين؟! عبدالله البردوني، يوسف الشحاري، محمد الربادي، عمر الجاوي، سلطان الصريمي، احمد قاسم دماج، الفنان والشاعر البديع عبداللطيف الربيع، إسماعيل الوريث.. كل هؤلاء وغيرهم خاضوا معارك كبيرة من أجل الوحدة.. كلٌّ من موقعه، وبإبداعاته، بقلمه وحرفه ولسانه..
عمر الجاوي، عَلَمٌ من أعلام الوحدة، كان لا يعترف بالحدود الشطرية.. ولا بالجمهوريات اليمنية المشطرة.. كان يعبر نقاط كرش والشريجا بسيارته التي تحمل لوحة "اتحاد الأدباء"، ولم يحمل يوماً رقماً لصنعاء أو عدن قبل الوحدة - بحسبما أعرف - وفرض هذا المفهوم على أجهزة النظامين الشطريين، واضطرت أجهزة عدن وصنعاء إلى أن تتعامل مع الجاوي الوحدوي، وفقاً لمفهوم الوحدة الذي فرضه.. رحم الله الجاوي كان يتنفس برئة وحدوية واحدة، ويلهج بوطن واحد حتى مات ومات معه الاتحاد، ويعلم الله متى سيُبعث اتحاد الأدباء الذي عرفناه.. ؟!
*السائد الذي كان
نقابة الصحفيين هي الأخرى تأسست في صنعاء عام 1976م تحت مسمى "نقابة الصحفيين اليمنيين - فرع صنعاء".. بمعنى أنها تأسست على قاعدة وحدوية.. بدون تنسيق مع المنظمة التي تأسست في عدن في ذات العام ..
كان محمد الزرقة، ومحمد الشرعبي، وعبدالله الصيقل، وحسين جبارة، وعبدالله الشرفي، ومحمد المساح، وعلي العمراني، ويحيى الشوكاني، وكوكبة كبيرة من حَمَلَة القلم وصُناع الحرف وراء تأسيس النقابة، وحظيت بأن أكون من المؤسسين رغم حداثة سني وحداثة التحاقي بالثورة المؤسسة و"الصحيفة"..
وكان قبلهما تأسيس "نقابة الأطباء والصيادلة"، وهو بالمناسبة أول كيان مهني يؤسس في اليمن عام 1968، وأسس على قواعد أسس وحدوية، ثم الروابط الطلابية في الخارج، الأطر المهنية والشبابية التي كانت قضيتها الأولى الوحدة والوحدة والوحدة، ولعبت دوراً كبيراً في تنمية الوعي الوطني، وإحياء روح الوحدة والانتماء الوطني..
ذلك كان السائد عند النخب الثقافية والسياسية أيضاً، وعند الناشئة من الشباب حيث لم يكن للمسميات التي تلوكها بعض الألسن مكان في أوساط النخب أو العامة، ولم نكن نسمع بأوصاف جهوية أو مناطقية:
- لا هذا جنوبي ولا هذا شمالي
- لا هذا زيدي ولا هذا شافعي
- لا هذا جبلي ولا هذا تهامي
- لا هذا من الهضبة ولا ذاك من السهل
- ولا من مطلع ولا من منزل
هذه النعوت والأوصاف السمجة لم تكن موجودة، ولم نكن نسمع بها (على الأقل في عقدي السبعينيات والثمانينيات).. أما بعدهما وفي لحظات التقاسم واستحضار مساوئ الجهوية والقبلية والمناطفية فقد انحرف مسار نشاط الكثير من الأحزاب والمنظمات المهنية والإبداعية، وذلك كان المقدمة في حركة تزييف الوعي تجاه الوحدة، الذي نرجو أن يتوقف، ولن يتوقف إلا بالوحدة ونَفَس الوحدة وباستعادة المنظمات المهنية والإبداعية دورها في إحياء روح الوطن بنَفَس الوحدة..
وإنا لله وإنا إليه راجعون ..
|