زيد الوزير - الحمد لله الذي لا يُحمد على مكروه سواه.. اللهم لك الحمد كثيرا على ما قضيت وأمضيت، والصلاة والسلام على رسول الله القائل: إن العين تدمع والقلب يحزن، وإنا لفراقك يا قاسم بن علي لمحزونون، ولن نقول إلا ما يرضي الله.. إنا لله وإنا إليه لراجعون..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
بالأمس القريب انتقل إلى رحمة الله آخر اخوتي السبعة، شقيقي ورفيق دربي، بل ووالدي وإن كنت أكبر منه سنا، إلا أنه كان من الحكمة ما أهله ليكون والد اسرة كبيرة، ترجع إليه إذا حزبها أمر، أو ألّم بها خطب فيوجه إلى سواء السبيل..
وكان رضي الله عنه وارضاه -أولاً واخيراً -مفكراً إسلامياً كبيراً، بذل حياته في خدمة الإسلام النقي، مجادلاً، وموضحاً، ومنبهاً، ومرشدا. أفنى أيام عمره الطاهر في هذا السبيل، فجزاه الله خيرا لما قام به، وما بذل من جهده لا يقوم به إلا ذو بسطة في الفكر المستنير.
وكان أيضاً شاعرا كبيرا يعتبر-كما يقول عنه النقاد الكبار- من شعراء الطبقة العليا من أمثال الشريف الرضي وأبي تمام والبحتري وغيرهم من اولئك الفطاحل. وكان كذلك ناثرا مترسلا واضح الحجة مستنير الفكرة، ثابت الهدف.
لن اطيل أيها الأخوة في الحديث عنه فالله تعالى يعلم ما قام به سرا وجهرا، وهاهو الآن في رحاب ربه آمنا مطمئنا كما وعده ربه {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِيْ}.
وإذا كان ولا بد من كلمة تختصر صفاته في هذه العجالة الباكية، فإن بيت شعر قال شاعر مجيد يجمل تلك الصفات الحميدة والمضيئة بنور ربها بقوله:
اليوم يطوي العلى من أفقه علما ويفقد الشرق من أقلامه قلما
أما أنا أيها الحاضرون الكرام من بعده فمثل اليتيم الذي فقد ابويه في ساعة عسرة رهيبة بعد حياة استمرت 90 عاما هجرية قضيناها معاً يداً بيد وجنباً إلى جنب في العسر واليسر، في السجن والمنافي؛ في حالتي الفقر والغنى، فإذا بي أجد نفسي وحيداً أعاني الم فراقه، واكابد الأيام حتى القاه في مستقر رحمته.
وكأن حالي من بعده كما صوره شاعر الإسلام أحمد شوقي رحمه الله:
مال احبابه خليلا خليلا وتولى اللدات إلا قليلا
نصلوا الأمس من غبار الليالي ومضى وحده يحث الرحيلا
وها أنا أمضي وحدي أحث الرحيلا، بدون أخ يساعدني على المضي في درب الحياة الوعر. إنني أعيش بالفعل في غربة نفسية وفكرية واجتماعية وسياسية أقاسيها من بعده، واعاني من ثقلها ما لا يتحمله جسمي المرهق، ولكني اسأله تعالى ضارعا خاشعا تبعا لأمره تعالى {أدعوني استجب لكم} أن يتقبل شقيقي قبولا حسنا مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا، وان يسبل على عائلته الصابرة المحتسبة الصبر والسلوان، وأن يعينني على تحمل المصاب الذي أثقل ظهري.. وبالله أستعين وعليه أتوكل وحسبي من هذه الدنيا رضاه..
يا أخي الساكن في رحاب الله كنت كما كنا نتمنى معا ان نموت في يوم واحد فلا أعرف رحيلك إلى ربك ولا تعرف رحيلي وإن كان ولابد فكنت ارجو من الله أن أسبقك زطان حالك وحالي كما قال شوقي:
قد كُنتُ أوثِرُ أَن تَقولَ رِثائي يا مُنصِفَ المَوتى مِنَ الأَحياءِ
لكِن سَبَقتَ وَكُلُّ طولِ سَلامَةٍ قَدَرٌ وَكُلُّ مَنِيَّةٍ بِقَضاءِ
الحَقُّ نادى فَاِستَجَبتَ وَلَم تَزَل بِالحَقِّ تَحفِلُ عِندَ كُلِّ نِداءِ
أيها الحاضرون الكرام باسم عائلة شقيقي الراحل وباسم جميع عائلة آل الوزير وأقربائهم واصدقائهم أتقدم بالشكر إلى جميع الذي شاركونا احزاننا، راجيا منهم الدعاء الخاشع لفقيدنا الأعز الأغلى. والله يتقبل دعاءكم ويحسن اليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفاتحة الى روحه الطاهرة
|