أحمد الزبيري - إطلالة بسيطة من أي متابع عابر في المشهد العالمي سيصل إلى نتيجة، أن هذا المشهد يتغير، وفي مسارات معاكسة لما أرادت أمريكا والغرب تسويقه طوال العقود الثلاثة الماضية، والمشهد الإقليمي أيضاً يتغير والأسباب والعوامل لم تكن حتى السنوات والأشهر القليلة الماضية متوقَّعة ولو في صورة تخيُّلات أو أُمنيات..
ما يهمنا في هذا كله أن اليمن حاضرٌ في قلب المشهد منذ أن بدأت مظاهر هذه التغيرات وازدادت في انتصاره لمظلومية الشعب الفلسطيني وما يتعرض له أبناؤه من إبادة في غزة.. وما تقوم به القوات المسلحة اليمنية المدافعة عن وطنها وأمتها كان المفاجأة الكبرى في الحرب العدوانية الأمريكية الصهيونية الأطلسية على مساحة قطاع غزة الصغيرة والمكتظة بشعبٍ يتعرض للتهجير والإبادة منذ 76 عاماً، ولطالما عمَّقت مأساته هزائم الجيوش العربية والتي لم تكن كما أصبح اليوم واضحاً بسبب ضعفها بل الخيانات الداخلية وتآمر بعض الأنظمة من وقتٍ مبكر على الشعب الفلسطيني تنفيذاً لإرادة بريطانية أمريكية؛ وستكشف الأيام أن كل حروب إسرائيل كانت تُموَّل بالمال النفطي العربي..
هنا لا نحتاج إلى إثبات بعد أن أصبح اللعب على المكشوف.. الانتصار لفلسطين لم يعد بالمعنى الرسمي شأناً عربياً أو إسلامياً، بل إنسانياً؛ ومن يقف مع إسرائيل من الأنظمة سراً أو علانيةً سيدفع الثمن؛ لهذا يعتبر الكثيرون أن بعض الأنظمة العربية تخاف من هزيمة إسرائيل أكثر من الكيان الصهيوني نفسه..
بالنسبة لنا في اليمن ما نقوم به سوف يُحسب عند الله والتاريخ لكل اليمنيين؛ وكان المفترض إذا ما حسبنا الأمور عند ما شاهدناه من خلافات وصراعات وحروب بين أطراف يمنية أن ينتهي بعد أن صارت المواجهة مع الكيان الصهيوني وشركائه من الأمريكان والبريطانيين، وأن الانتصار لمظلومية الشعب الفلسطيني وأبنائه في غزة هو موضوع للمنافسة بين جميع الأطراف، ولأن هذا لم يحصل فربما المشيئة الإلهية ومسار الأحداث أرادت فرز المواقف والتحالفات؛ والمسألة لا تقتصر على اليمن فحسب بل تمتد إلى المنطقة والعالم..
معسكر الصهاينة هُزم؛ ومع أن موقفنا وكل جبهات المقاومة مرتبط بوقف العدوان والإبادة الجماعية في غزة، إلا أن التداعيات ستأخذ مسارها الموضوعي، ولا شأن هنا للإرادات والرغبات.. وحتى يكون مجال الرؤية واسعاً، علينا أن ننظر إلى أمريكا والإدارة الأمريكية والمؤسسات فيها، ويكفي الإشارة إلى موقف بايدن والكونغرس ومجلس الشيوخ من محكمة الجنايات الدولية، مع أن هذه المحكمة أُنشئت لتكون أحد عِصِي أمريكا الغليظة في مواجهة من يخرج عن مشيئتها، لهذا هي لم تدخل كعضو في هذه المحكمة، فأمام الكيان الصهيوني تتساقط الشرائع والقوانين والمواثيق وينفضح التغنّي بالديمقراطية وحقوق الإنسان وحرية التعبير والتي أصبحت اليوم كما هو واضح أداة أمريكية..!!
المتغيرات والتحولات ستجرف كل من يقف ضدها؛ والتضحيات الكبيرة التي يقدمها أبناء فلسطين ستثمر هذه المرة؛ ودماء أطفال غزة ستعيد للعالم إنسانيته.. وعلى كل من شارك في الصراعات والفتن والحروب ضد بلداننا وشعوبنا العربية، أن يعيد حساباته وخاصةً أنظمة النفط والبترودولار..
وفي هذا السياق كنا نتمنى لليمنيين الذين اصطفوا مع العدوان الخارجي على بلدهم أن يدركوا هذه الحقائق ويمتلكوا قرارهم.. وفرصة مبادرة فتح الطرقات وتبادُل الأسرى وتجنيب الملفات الإنسانية والاقتصادية الصراع فيها مصلحة للشعب اليمني كله، بدلاً من الارتهان للخارج والرهان على أمريكا وحلفائها وأدواتها في المنطقة.. باب التلاقي والتفاهم والحوار مفتوح؛ واليمن وطن الجميع؛ ومن يصر على حساباته الخاطئة فسوف يتحمل عواقب قراره وموقفه بعد أن أصبحت القضايا واضحة ولا تحتمل التأويل والالتباس. |