عبدالرحمن الشيباني - في المشهد السياسي العالمي ثمة متغيرات تحدث، ومن الطبيعي أن يكون العرب في خضم هذا الحراك، لكن على النحو الذي لا يسر، فالقضايا العربية والمكانة المفترضة أن تكون عليها على الساحة، تشهد المزيد من التراجع لم يسبق له مثيل، إلى الحد الذي أصبحت بعض الأنظمة العربية ونخبها تساوم على قضايا كبرى، والتنازل عنها تحت مسميات الواقعية السياسية وغيرها من المفردات، والتي يتم تطعيمها في ثنايا الخطاب الإعلامي الموجه "المضلل" من أجل تهيئة الطريق نحو القبول بالتسويات، التي تتم صياغتها وفق النظرة الأحادية الغربية، التي يغلب عليها منطق القوة والاستعلاء والهيمنة، وتبقى مسألة بقاء بعض الأنظمة من عدمه مرهونة بالرضا الأمريكي بالطبع، وهو ما نشاهده اليوم، فكل تلك المجازر التي نشاهدها، والدماء التي تسيل وأشلاء الأطفال وموت الأطفال الخدج، بل الوصول إلى الموت جوعًا جراء الحصار، لم تحرك الشعوب العربية حتى في الدول المحورية التي كنا نراهن على تحركها! أليس ذلك يكمن في رغبة السلطات القمعية هناك أن تبقى القضية الفلسطينية مغيبة في الوجدان العربي؟!
عندما نسمع تصريحات الساسة الغربيين، وخصوصًا الأمريكيين منهم، إزاء ما يحدث في غزة من حرب إبادة، يعطي ذلك مؤشرًا قويًا على الحالة المزرية من الهوان والجبن التي وصل العرب إليها، والتي أدت أيضًا إلى سأم العالم من هذه الغطرسة، وكيل أمريكا والغرب عمومًا بمكيالين، في تعاملهم مع القانون الدولي، والتي تحتاج إليه عندما تريد، وتزدريه عندما يكون في غير صالحها، كما هو الحال في أوكرانيا، ألم يصرخ المستشار الألماني أولاف شولتس: "يجب أن يطبق القانون الدولي في أوكرانيا"؟ وماذا عن فلسطين وما يجري فى غزه؟ أليس ذلك سقوطًا أخلاقيًا وقيميًا بامتياز؟
لذلك فلا غرابة أن نجد هذا التفكير السادي الموحش الازدواجي عند اقرانه من الساسة الآخرين، كما هو الحال مع السيناتور الأمريكي ليندسي غراهام الذي قال: "فلتذهب محكمة العدل الدولية للجحيم"، عندما أصدرت الأخيرة حكمها بشأن الانتهاكات المروعة التي تقوم بها إسرائيل في غزة، وهو نفسه الذي قال في مقابلة مع شبكة nbc news الأمريكية إنه "عندما واجهنا الدمار كأمة (أمريكية) بعد بيرل هاربور، ومحاربة الألمان واليابانيين، قررنا إنهاء الحرب بقصف هيروشيما وناغازاكي بالأسلحة النووية.. كان هذا هو القرار الصحيح"..
وأضاف: "اعطوا إسرائيل القنابل التي تحتاجها لإنهاء الحرب.. لا يمكنهم تحمل الخسارة"..
وقال أيضًا: "لماذا من المقبول أن تقوم أمريكا بإسقاط قنبلتين نوويتين على هيروشيما وناغازاكي لإنهاء حرب التهديد الوجودي بينهما؟ لماذا كان من المناسب لنا أن نفعل ذلك؟ لذا، إسرائيل، افعلي كل ما عليك فعله للبقاء على قيد الحياة كدولة يهودية"..
هذا هو الغرب القبيح، والذي يرى نفسه المتفوق الحضاري الذي باستطاعة رسم خارطة العالم وفق مشيئته، وإسرائيل هي أداته، خصوصًا في منطقتنا العربية التي تمر بمنعطف خطير، جراء العقل السياسي الغربي الجامح، الذي يريد تغيير رسم الخرائط في حين لا حول ولا قوة للعرب في ما يحدث..
لقد كشفت عملية طوفان الأقصى في الـ7 من أكتوبر حقيقة الوجه الغربي القبيح، وأسقطت الأقنعة، وظهر جليًا مدى التآمر على حقوق الشعب الفلسطيني، وخياراته وحقوقه المشروعة في إقامة دولته، كما عرى أيضًا الموقف العربي الراهن الهزيل والمأزوم، الذي بدا فيه العرب صامتين، بل والبعض منهم متآمرون.. إنه لمحزن أن نرى اليوم جامعات العالم، بما فيها الأمريكية، تمتلئ ساحاتها بالطلاب المنددين بالحرب على غزة، والجرائم الشنيعة التي يتم ارتكابها هناك، ولا نرى ولا أية جامعة عربية تُسجل موقفًا في الشأن. الأمر الذي يدعونا للتساؤل: هل نحن وصلنا إلى حالة من التيه يعيشه العقل الجمعي العربي، ولم يعد بمقدوره إدراك الصدمة التي يعيشها، وأن يولد طاقات مقاومة ذاتية لتجاوز الواقع؟!
لقد أعادت هذه العملية القضية الفلسطينية للواجهة، وعمقت الحق الأزلي في أن هذه الأرض لن تكون إلا لأصحابها مهما طال الزمن أو قصر، وأن شعوب العالم الحر اليوم ترفع صوتها واحدًا، ترفض الظلم، وتهتف بالحرية لفلسطين. |