استطلاع/ صفوان القرشي - ازدهرت أسواق بيع القات وانتشرت بشكل كبير مما وفر الآلاف من فرص العمل للشباب الذين وجدوا أنفسهم على رصيف البطالة وتقطعت بهم سبل العيش في ظل الظروف الصعبة التي يعيشها الشعب اليمني جراء العدوان السعودي الإماراتي والحصار المستمر على بلادنا منذ أكثر من تسع سنوات، الأمر الذي كان له انعكاسات سلبية على مجمل مناحي الحياة؛ ومما فاقم هذا الوضع وقف المرتبات جراء إقدام حكومة المرتزقة على نقل البنك المركزي كإجراء عقابي للشعب اليمني جراء صموده في مواجهة العدوان..
هذه الاسواق التي استقطبت آلاف الأيدي العاملة كانت الملاذ الأخير الذي وفر لهؤلاء لقمة عيش سواء من بيع القات أو العمل إلى جانب بائع قات او من خلال أنشطة البيع الاخرى التي يزدحم أصحابها في أسواق القات مثل بيع المشروبات من مياه وغيرها وبيع أكياس البلاستيك، والفواكه والبطاطس والوجبات الخفيفة؛ إضافةً إلى انتشار محال غسل القات والتي لم تعد محصورة على الشباب فقط بل كان للبنات نصيب في هذا الجانب..
فما الذي يقوله عدد من العاملين في هذه الأسواق؛ والظروف التي كانت وراء اختيارهم هذا العمل ؟
*البداية كانت مع ناصر الصلوي، والذي قال: لم يكن هذا العمل الذي أطمح إليه، اشتغلت في أكثر من عمل وأكملت دراستي الجامعية في كلية التربية قسم رياضيات ولكن لم أجد عملاً في مجال تخصصي، حتى أنني عملت مدرساً متطوعاً لمدة سنتين على أمل أن أجد وظيفة رسمية.. ولكن سُدت كل الأبواب مع تعرض والدي لحادث وأصبحت العائل للأسرة.. عملت في مجالات كثيرة، في هايبر وفي معرض ملابس وفي مطعم؛ وأخيراً اشتغلت في بيع القات، والحمد لله الوضع أحسن بكثير على الأقل مقارنةً بوضعنا السابق..
وأضاف: العمل في بيع القات متعب وليس كله مكاسب كما يعتقد الجميع، والخسارة متوقعة مثلها مثل أي تجارة أخرى، وتحتاج لوقت حتى تفهم السوق وكيفية البيع والشراء ونوع القات المطلوب وكسب زبائن دائمين؛ وهذا يعود للأسلوب وطريقة التعامل مع الزبائن، والحمدلله لي ثلاث سنوات في هذا السوق ووفرت الكثير من احتياجات أسرتي ومساعدة أختي في إكمال دراستها في مجال التمريض وهي تعمل اليوم في مستشفى خاص وبدأت تساعد في مصاريف الأسرة من إيجار ومصاريف دراسة لأخوتي الصغار..
واختتم بالقول: ما يهم في ظل هذه الأوضاع التي خلفها العدوان السعودي والإماراتي أصبح الحصول على عمل صعباً؛ وكل ما نطمح إليه كشباب الحصول على عمل محترم مهما كان بسيطاً تستطيع منه العيش بكرامة بدل الانجرار وراء الأعمال غير المشروعة والوقوع في دائرة الجريمة التي وقع ضحيتها الكثير من الشباب الضعفاء والذين يسعون للثراء السريع حتى لو قادهم الأمر إلى الاتجار بالممنوعات والسرقة وغيرها من الجرائم التي تكون نهايتها وخيمة.. ولهذا أنصح الجميع ألا يحتقروا أي عمل شريف..
*أعمال موسمية
أم ريم قالت من جانبها: أنا وأسرتي نازحون من تعز ونحاول تدبير أمور حياتنا حتى نعيش بكرامة ولا نحتاج لمد أيدينا للغير أو التسول؛ ومنذ نزوحنا بحثنا عن وظائف في شركات ومؤسسات ومنظمات وحتى محلات بيع ومولات، لكن كل الأعمال التي كنا نحصل عليها موسمية في الأعياد وفي رمضان، كما عملنا في صناعة البخور والعطور لكن السوق غارق بها، ومئات النساء والرجال يعملون في هذا الجانب، لذلك فهو غير مربح ولا يوفر لنا أبسط مقومات العيش مع ارتفاع الأسعار..
وتضيف: حاولنا إنشاء اعمال خاصة بنا لكن لا يوجد رأس مال كافٍ؛ وإيجار المحلات مرتفع، والمؤجر يطلب مقدماً ثلاثة أو أربعة أشهر، وهذا مبلغ كبير.. المهم أبونا وبدعم من فاعل خير فتح محلاً لغسل القات وتنشيفه وهذا شجعنا أن نقف مع الوالد في البداية ونساعده لكن وضعه الصحي صعب ونحن الآن نعمل لوحدنا وأبونا يجلس بالمحل والحمد لله الدخل الذي نحصل عليه إلى جانب الراتب الذي تحصل عليه أختي من العمل في المستشفى يكفي مصاريف وإيجار وعلاج للوالد على أمل نرجع إلى بيتنا في تعز..
واختتمت بالقول: نظرة المجتمع للمرأة هي المشكلة، وينسون أن المرأة بحاجة للأكل والشرب والعلاج والدراسة ودفع إيجار، ولن تحصل على كل هذا إلا بالعمل، المهم أن يكون عملاً شريفاً يحفظ لها ولأسرتها كرامتها وحياتها.. في البداية كنا نشعر بالإحراج لكن الآن حتى الناس يتعاطفون معنا ويتعاملون بأخلاق ولا نتعرض لأي مضايقات، والأهم لم نعد الوحيدات في هذا العمل، هناك بنات غيرنا في هذه السوق وغيرها..
*وضعٌ اقتصادي مفتعَل
أما نبيل شمسان فتحدث قائلاً: بالأخير هو عمل تحصل منه على مصاريف تعيل به أسرتك، بيع قات، بيع ملابس، بيع فواكه، كله عمل شريف وحلال.. العيب أن تظل بدون عمل وتمد يدك للناس وتخلي أسرتك بحاجة لأبسط الأشياء..
وأضاف: كل واحد منا كان له طموح وأحلام بعد سنوات من الدراسة والتعب، لكن كل ذلك تبخر، العدوان دمر كل شيء حتى أحلام الشباب وليس فقط المدن والمؤسسات؛ كما أن قطع المرتبات والحصار الذي تفرضه دول العدوان منذ اكثر من تسع سنوات ضاعف من الأزمة الاقتصادية التي أدخلت الناس في حياة بائسة وجوع وحاجة وفقر؛ ومع ذلك وبحمد الله قدرنا نصمد كل هذه السنوات وإنْ شاء الله الوضع يتجه إلى الأفضل وسوف تتحسن الظروف لكل أبناء اليمن بعد أن ينكسر العدوان ويعود اليمن الواحد من أقصاه إلى أقصاه..
واختتم بالقول: مئات الشباب وجدوا انفسهم عاطلين عن العمل، حتى الموظفين هم اليوم عاطلون لأنهم لا يستلمون رواتب منذ سنوات وهذا وضع صعب ومأساوي لهم ولأفراد أسرهم وهو وضع اقتصادي مفتعَل ومتعمد من قِبَل العدوان السعودي الاماراتي ومرتزقتهم حتى يجعلوا الشعب اليمني في وضع اقتصادي صعب ومجاعة ويضمنوا بقاءه مرتبطاً بالخارج ومشغولاً بلقمة عيشه التي أصبحت هماً لآلاف المواطنين مع ارتفاع الأسعار واستمرار الحصار..
*العمل الشريف ليس عيباً
من جانبه قال ناصر العرجي: أنا أحد النازحين من الحديدة التي كنت أعيش فيها مع أسرتي وأعمل في إحدى المؤسسات التجارية مدير مبيعات، إلا أن هذه المؤسسة أغلقت بسبب العدوان الذي شنته السعودية وحلفاؤها على بلادنا، واضطررنا للنزوح إلى صنعاء.. بحثت عن عمل إلا أني لم أُوفق؛ وحتى أستطيع توفير مصاريف لأسرتي وأسدد الإيجار عملتُ في أكثر من عمل بيع ملابس على الرصيف، عامل في مطعم، وسائق دراجة نارية، لكن ظروف الحياة وارتفاع الأسعار تجعل هذه الأعمال متعبة وبدون فائدة..
وأضاف: أشار عليَّ أحد الجيران وهو يعمل في بيع القات أن أعمل معه فوافقت وكنت أحصل على مصاريف يومية 3 آلاف ريال صافي بمعدل 90 ألف شهرياً، وهذا مبلغ مناسب استطعت من خلاله تسديد الديون وتدبير أمور حياة أسرتي.. وبعد حوالي سنة عرفت كيف السوق والبيع والشراء ووفرت رأس مال؛ وصاحبي شجعني على العمل بمفردي واستأجرت مكاناً داخل السوق؛ والحمد لله أنا اليوم معي عامل شاب من النازحين والرزق من عند الله سبحانه وتعالى؛ وعلى المرء أن يسعى ولا يجلس عاطلاً منتظراً من يعطيه ويتصدق عليه فهذا عمل الفاشلين والعاجزين والمتسولين..
واختتم بالقول: أي عمل شريف ليس عيباً ولا حراماً، ويجب ألا نستسلم للظروف، وعلينا أن نواجه متاعب الحياة ونستمر في الصراع من أجل البقاء، وفي النهاية الله وحده هو الرزاق..
وفي نفس السياق قال عبدالله الحميري: العمل في سوق القات عَزَّ أسراً؛ وستر كثيرين من الذل والحاجة للناس.. أنا مستمر في عملي في بيع القات العمل الوحيد الذي وجدته أمامي.. قبل سنوات حصلت على وظيفة في مجال تخصصي كمحاسب في مول تجاري، لكن رأيت العمل هنا أفضل وما أحصل عليه في هذا العمل أضعاف ما سوف أحصل عليه من الوظيفة بعد أربع سنوات من التعب والجهد؛ وكان العمل في سوق القات هو ملاذي الوحيد والمنقذ لي من البطالة والفقر والتخبط في البحث عن عمل أعيل من خلاله أسرتي وأكمل مشوار حياتي وتحقيق حلمي بالزواج والاستقرار وتكوين أسرة وهذا حلم كل شاب..
وأضاف: صحيح أن العمل في بيع القات له متاعبه، نتعرض للخسارة وليس كله مكاسب، لكن هذه الخسارة تُعوَّض ما دمتَ أحببت عملك وهذا أمر طبيعي يحصل في عمل تجاري حتى في المؤسسات والشركات الكبيرة.. في البداية كانت هناك صعوبات وتعب ونوع من المغامرة التي كلفت كل رأس المال خصوصاً وأنت عملت كل ما بوسعك لتوفيره لبداية مشروعك مثل الدين أو بيع ذهب أمك أو أختك، لكن ثقتك بنفسك وتوكلك على الله وبمجرد أن تعرف كيف السوق وكيف البيع والشراء سيعينك الله ويوفقك..
واختتم الحميري بالقول: العدوان وقطع المرتبات أدخل آلاف الأسر في حالة من الفقر؛ والكثير من الشباب بطالة وتعبوا في سبيل البحث عن العمل، وأنا كنت واحداً منهم.. بالنسبة لنا كان كل اعتماد الأسرة المكونة من 7 أفراد على راتب والدي رحمه الله وهذا الراتب توقف وأصبحت أنا المسؤول عن أسرتي باعتباري كبير العائلة وهذه مسؤولية كبيرة والحمد لله توفقت بعون الله؛ وأختي الآن طبيبة أسنان ولم يعد العبء على عاتقي وحدي؛ كما أن أخي معه الآن محل بجوار السوق لغسل القات وتنشيفه.. أرجو أن ينتصر اليمن وينتهي هذا العدوان والحصار الظالم المفروض علينا من قِبَل السعودية وحلفائها من الصهاينة. |