مطهر تقي - أما الفكر الماركسي فقد ظهر سرا عام ١٩٥٢ بقيادة عبدالله باذيب في عدن ولحقه فكر القوميين العرب وكذلك فكر البعث العربي الاشتراكي في منتصف الخمسينات من القرن الماضي ثم التيار الناصري في عدن كذلك ثم انطلقت تلك التيارات إلى الشمال وصنعاء وتعز بالتحديد وكان عدد من أفراد تنظيم الضباط الاحرار لثورة ٢٦سبتمبر قد تأثرو بتلك التيارات وإنظم بعضهم إليها وخصوصا تيار البعث(وقد تخلى كل من انتسب إلى ضباط تنظيم الاحرار عن حزبه كشرط من شروط التنظيم فالولاء كان للثورة اليمنية حتى لا يؤثر عليها فكر اي حزب وقد عاد بعض الضباط الاحرار إلى صفوف القيادات الحزبية بعد قيام الثورة)ولم تأتي الستينات من القرن الماضي إلا وتلك الأحزاب والتيارات السياسية قد نظمت نفسها في مكونات حزبية واستقطبت عدد من المثقفين والمتعلمين من العسكريين والمدنيين وكان كل حزب وتيار سياسي يستمد تعليماته الحزبية من عواصم القيادات الناشئة لتلك الأحزاب سواء في موسكو او دمشق او بغداد او القاهرة ثم الإخوان المسلمين بعد المصالحة الوطنية عام ١٩٧٠(بين الجمهوريين والملكيين)الذين كانو يستمدو تعليماتهم من السعودية....
فتشكلت فسيفساء سياسية يمنية تتسابق على استقطاب النخبة من المثقفين سواء كانو مدنيين او عسكريين وكذلك من الرموز القبلية.... ولأن الماركسيين والقوميين العرب وكذلك الناصريين كانو ابرز القوى السياسية في الشمال خلال الستينيات التي تمكنت من لعب أدوار سياسية بتأييد المصريين في عهد الرئيس المشير السلال فقد رأت قيادة حركة خمسة نوفمبر بقيادة القاضي الارياني تحريم الحزبية تحت مقولة الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة للخارج وذلك بالرغم من دعم حزب البعث لحركة نوفمبر إلا أن الحزبية وانتشارها في كثير من المدن اليمنية شهدت توسعات ونشاطات حزبية بصورة سرية وكان أنشطها حركة الاخوان المسلمين خصوصا في السبعينيات و الثمانينيات من القرن الماضي.
واذا كان دستور الجمهورية العربية اليمنية يحرم الحزبية بصورة شاملة امتدادا لرؤية السبعينيات إلا أن النشاط الحزبي في الجنوب خصوصا في الخمسينيات والستينيات وفي ظل الاستعمار البريطاني كان متاحا وخصوصا التيار الشيوعي تحت اسم الحزب الديمقراطي الثوري اليمني وكذلك تيار القوميين العرب تحت اسم الحزب الديمقراطي.
وقد شهدت عدن عام ١٩٦٩(وبعد الانسحاب البريطاني) صراع سياسي بين المكونات السياسية الموجودة وقتها افضت إلى سيطرة الجناح الماركسي الاشتراكي بقيادة سالم ربيع علي في ١٩٦٩/٦/٢٢ (الذي قتل اثر خلافات سياسية بين مكونات الحزب الاشتراكي عام ١٩٧٨) وقد سيطر الحزب الاشتراكي اليمني على الساحة السياسية في الشطر الجنوبي حتى أحداث يناير ١٩٨٦ التي شكلت ذروة الصراع بين مكونات الحزب الاشتراكي ثم تم التقارب بين الشمال والجنوب تمهيدا لإعلان الوحدة اليمنية عام ١٩٩٠.
أما في الشمال(الجمهورية العربية اليمنية)وبعد قيام ثورة سبتمبر الخالدة والدفاع عنها بقيادة المشير عبدالله السلال الذي حضى بدعم الأحزاب القومية ثم في عهد القاضي عبدالرحمن الارياني الذي تحقق في عهده أنتصار السبعين وانتصار الجمهورية على الملكية وتمت بعدها المصالحة الوطنية ومرحلة مواصلة بناء الدولة الذي بدأ بعد ثورة سبتمبر ثم عهد الرئيس الحمدي وإحداث نقلة كبيرة في بناء الدولة اليمنية....
وبعد مقتل الرئيس الحمدي ومن بعده احمد الغشمي وتولي الرئيس علي عبدالله صالح الحكم حاول أن يلملم شتات الجمهورية العربية اليمنية بعد مقتل رئيسين لها خلال سبعة أشهر ويقضي أيضا على الجبهة الوطنية(التي كان يؤيدها الحزب الاشتراكي في الجنوب) التي كانت منتشرة في ثلاث محافظات(إب وتعز وذمار)بالقوة أحيانا والتفاهم احيانا مع قياداتها حتى نجح وبدأ يتواصل مع القوى الحزبية المنتشرة في الشمال وأهم تلك القوى الإخوان والبعث بشقية والناصري والاشتراكي التي كانت في صراع سياسي علني وخفي وكل له رؤيته السياسية في اليمن و الكيفية المناسبة التي تمكنه من الوصول إلى الحكم ووجد علي عبدالله صالح أن أمامه امتحان عسير وهو جمع شتات تلك الأحزاب والتيارات السياسية المختلفة تحت كيان سياسي واحد لكي يكون ذلك الكيان النظير للحزب الاشتراكي في الشطر الجنوبي من الوطن في اي محادثات سياسية بين الشطرين ومنها أهم الأهداف اليمنية وهو إعادة تحقيق الوحدة اليمنية فبدأ بإخراج فكرة انشاء المؤتمر الشعبي العام الى العلن التي كان الرئيس ابراهيم الحمدي قد بدأ بفكرتها قبل مقتله بشهور قليلة.... ولكن الأهم قبل إنشاء الكيان السياسي هو الاتفاق على الأسس والمبادئ العامة لنظرية العمل السياسي لذلك المكون وكان ذلك هو ماسمي بالميثاق الوطني الدليل النظري للعمل السياسي للمؤتمر الشعبي العام الذي من خلاله يتم جمع الشتات السياسي حوله ويملأ الفراغ من خلال رؤية سياسية وثقافية وإقتصادية ومجتمعية واحدة لليمن وبإجماع كل القوى السياسية اليمنية المتواجدة وقتها في الساحة السياسية اليمنية التي كان كل حزب منها تدين بولائها أولا للبلد الذي صدر نضريته السياسية إلى البلدان الأخرى ومنها اليمن.... فوجدت القيادة السياسية أن اللجنة العليا للتصحيح المالي والإداري برئاسة المناضل حسين المقدمي (التي أسسها الحمدي)التي كانت تظم شخصيات ثقافية وسياسية وقانونية وإدارية متميزة أنها خير وسيلة لتحقيق ذلك الهدف وحتى تستوعب تلك اللجنة المهمة السياسية التأسيسية للتنظيم السياسي الجامع كان لابد من ضم ممثلين إليها من كل القوى الحزبية التي اغلبها كان يمارس عمله الحزبي من تحت الأرض وكذلك ضم عدد من القوى المجتمعية المدنية والقبلية الفاعلة على الساحة....
فبدأ ذلك الكم السياسي والإداري والقانوني والمجتمعي عمله وفق القرار الجمهوري رقم خمسة لعام ١٩٨٠ والذي سمي ذلك الجمع النوعي بلجنة الحوار الوطني برئاسة الأستاذ حسين المقدمي فبدأت لجنة الحوار الوطني خطواتها الأولى بإثراء مضمون الميثاق الوطني دون اي تدخل من القيادة السياسية لفرض اي رؤية بل تركت تلك القوى السياسية والمجتمعية وبحياديه أن تؤدي مهمتها بكل حرية ولاتتدخل إلا لمعالجة اي اختلاف يهدد فشل اللجنة عن مواصلة عملها(وهذا حسب شهادة عدد من ممثلي القوى السياسية المشاركة في صياغة الميثاق الوطني) حتى استكملت عملها بعد قرابة عامين ونصف من الحوار الجاد والتوافق التام على مضمون تلك الوثيقة الوطنية اليمنية الخالصة المسماه بالميثاق الوطني بحقائقها الخمس كنظرية سياسية يمنية الفكر والتجارب السياسية عبر التاريخ اليمني القديم وكذلك الإسلامي مع الأخذ بخلاصة إيجابيات التجارب السياسية العربية والإسلامية والأممية.... موقعة من جميع أعضاء اللجنة العليا للحوار الوطني بمختلف اتجاهاتهم السياسية والفكرية.
وبعد ذلك الإنجاز الكبير تم رفع تقرير موجز عن خطواته إلى رئيس الجمهورية الذي أمر بعد ذلك أن تتحول اللجنة العليا للحوار الوطني بكل قواها الى لجنة تحضيرية للإعداد والتنظيم لقيام المؤتمر الشعبي العام الذي عقد اول مؤتمر له بعد استكمال لوائحة ونظمه يوم ١٩٨٨/٨/٢٤ الذي أعلن فيه ذلك الإنجاز الكبير وبدأ المؤتمر الشعبي العام عامه الأول بدليله النظري الميثاق الوطني المسيرة السياسية والتنموية للجمهورية العربية اليمنية ثم الجمهورية اليمنية بعد وحدتها المباركة عام ١٩٩٠ التي كان من أهم منجزاتها حرية التعددية السياسية وحرية الصحافة والقول وحرية التجمع والتعبير عن آراء الشعب بكل احزابه وشرائحه المجتمعية فخرج(بعد قيام الوحدة)من تحت مظلة المؤتمر الشعبي العام كل تلك الأحزاب السياسية والمجتمعية التي خاضت تجربة سياسية يمنية رائعة قرابة ثمان سنوات تحت مظلة المؤتمر الشعب العام حتى أعلنت عن قيام احزابها بصورة مستقلة وعلنية بعد قيام الوحدة وتم قيام قرابة سبعة عشر حزبا يمنيا بجانب المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني.
وبإعتباري أحد المنتمين للمؤتمر الشعبي العام واشغل في تنظيمة عضو في اللجنة الدائمة الرئيسية (التي انتخبت من قواعد المؤتمر )اعتقد اعتقاد جازما أن وثيقة الميثاق الوطني وبحقائقها الخمس تعتبر نظرية سياسية يمنية استمدت جملها وتعبيراتها ومضمونها من التاريخ اليمني القديم وتجاربه في الحكم المنتخب من قبل مجالس الشورى او ماكان يسمى بمجالس (المزاود) وكذلك مستمدة من روح الشريعة الإسلامية الوسطية ومن التقاليد المجتمعية اليمنية الأصيلة كما أنها قد استفادت من التجارب الديمقراطية والحزبية في العالم العربي والعالمي عموما.... ولا ينقص هذه النظرية السياسية اليمنية غير تفعيلها ببلوغ قيادة المؤتمر فكرا ووطنيه وسلوك إلى مستوى بلوغ محتوى الميثاق وادبيات المؤتمر المختلفة من الرقي والنضوج الفكري والسياسي ولاينقصها إلا التطبيق العملي الوطني الصادق. وتوفر الظروف السياسية المناسبة
مبروك للمؤتمر الشعبي العام ولقيادته واعضائه وللشعب اليمني بالعيد الثاني والأربعين لقيام المؤتمر الشعبي العام والشكر والتقدير لرئيس المؤتمر الشيخ صادق امين ابو راس الذي تحمل مسؤلية قيادة المؤتمر بكل شجاعة واقتدار وحافظ على مسيرته في احلك الظروف بصبر وحكمة..
والله حافظ اليمن وشعبه
|