أحمد الزبيري - مولد النبي الأعظم والرسول الأكرم محمد صلوات الله عليه وعلى آله وصحبه، كان تحقيقاً لوعد الله الذي هو بشرى حملها الأنبياء والرسل السابقون، وتحدثت بها رسالتهم بأنها لا تختص بجماعة أو قوم أو أمة بعينها، بل هي رسالة للناس أجمعين، كون محمد عليه الصلاة والسلام خاتم النبيين والمرسلين، ورسالته خاتم الرسالات من الله سبحانه وتعالى تُخرِج البشرية من ظلمات الجهل والظلم والطغيان إلى نور الإيمان الذي يكون بالواحد الأحد الذي خلق السماوات والأرض وأعطاها للإنسان ليعمّرها لا ليطغى ويفسد فيها..
هنا لا بد من العودة إلى واقع مكان مولد هذا النور في شبه الجزيرة العربية، وما كان يسودها من ظلام جاهلي وقِيَم منحطة تتجسد في الطغيان والبغي والشر، ولم تكن هذه المنطقة وحدها التي تعيش هذه الحالة، بل كان العالم القديم يرزح تحت هذه القِيَم ولم تكن مكة والمدينة وسائر الجزيرة العربية إلا البداية والانطلاق لإخراج الإنسان من ظلمات ما كان يعيشهُ إلى حرية الإيمان الذي حملته الرسالة المحمدية وما تتضمنه من مبادئ وقِيَم أرادها الله أن تسود خلقه وعباده، فكانت الرحمة والعدل والجهاد نصرةً للمظلومين والمستضعفين، وبما يعيد للإنسان كرامته بإخراجه من الشرك والكفر والخضوع لبشرٍ مثله إلى عبادة الخالق الواحد الأحد الفرد الصمد، وكان لا بد لمن يحمل هذه الرسالة أن يمثّل الكمال الإنساني في أخلاقه ومبادئه وقِيَمه ويكون القدوة والنموذج والمثال الأعلى، وهذا ما كان عليه رسول الله قبل البعثة فكان الصادق الأمين الشجاع الحكيم الذي شهدت به قريش وكل من عرفه، وهذه بمثابة تهيئة لما هو قادم..
مع ذلك، عند نزول أمر الله لنبيه محمد للقيام بهذه المهمة كان من أوائل من آمن به المظلومون والمستضعَفون وذوو الفطرة السليمة، أما كبار القوم في مكة فقد طغوا واستكبروا ووقفوا وحاربوا رسول الله محمد ورسالته وواجهوها بأصنافٍ من الطغيان والظلم عَلَّهم يحولوا بينها وبين وصولها للناس، فكان الأذى والكِبْر والحصار؛ فسخَّر الله من يؤمن بها وينصرها من خارج قريش؛ وكان اليمانيون في المدينة وكانت بيعتا العقبة الأولى والثانية، وكانت الهجرة وبداية تشكُّل الأبعاد القادمة لما سيكون عليه دين الإسلام؛ وتوالت الانتصارات التي لم تأخذ اتجاهاً واحداً فكان الجهاد وكان السيف لمن أرادوا إطفاء نور الله بقوتهم وبسيوفهم من الكفار والمشركين، وكانت الدعوة بالتي هي أحسن لمن كانوا يعيشون الجاهلية ويحتاجون إلى ذلك النور الذي يُعد أعظم ثورة عرفتها البشرية، غيَّرت العالم ووصلت إلى جهات الدنيا الأربع في ذلك الزمن..
وهكذا عمَّت الرسالة الإلهية التي حملها رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم -خلال سنوات- ساحات واسعة من المعمورة؛ تسقط أمام مبادئها وقِيَمها وأخلاق صاحبها إمبراطوريات كبرى، ولم تفرض على الناس بالقوة الدخول في الإسلام بل خيَّرتهم وتركت لهم الحرية في البقاء على أديانهم ومِلَلِهم أو الدخول في الإسلام؛ ويبقى ميزان العدل بين المؤمنين وغير المؤمنين ما داموا لا يحملون السيف في مواجهة دين الله، وهذا لا يعني أن رسول الله محمد ورسالة الإسلام لم يكن لهم أعداء سواءً ممن يُغصبون على هذا الدين أو من خارجه منذ نزول الوحي وحتى اليوم..
فكانت قوة هذا الدين تتمثل في وحدة المسلمين، وضعفه في فرقتهم وتشتتهم واختلافهم جماعات وطرقاً ومذاهب وعصبيات، وفي مراحل من تاريخ هذه الأمة تغلَّب أعداؤها مستفيدين من الفرقة والانقسام، وما نعيش فيه تأكيد لهذه الحقيقة، واليوم هناك أنظمة تسخّر أموالها وشبابها للجهاد في المكان الخاطئ انتصاراً لأمريكا والصهاينة، وتترك مسرى رسول الله والأقصى والأرض المباركة فلسطين، ويعملون كل ما هو في صالح الصهاينة ومخططات أعداء الأمة والطامعين بأرضها، ولن تتحرر هذه الأمة في زماننا الحاضر إلا بالعودة الحقيقية إلى كتاب الله والاقتداء بالنور والكمال الإنساني الذي يمثّله رسول الله محمد واستلهام القِيَم والأخلاق والمبادئ؛ عند ذلك سيدرك أبناء هذه الأمة أن بوصلة تحررهم وعزتهم وكرامتهم هي فلسطين.. الأمة مستهدَفة باستهداف نبيها ورسول الرحمة.. وانتصارها على أعدائها لن يكون إلا بتوقيره وتعزيره وأهم مظاهر هذا السلوك الإيماني الاحتفال بمولده صلوات الله وسلامه عليه وآله، والبدعة ليست الاحتفال بمولد حبيب الله وأعظم خلق الله، بل بعدم الاحتفال.. إنه مولد الهدى الذي نور رسالته لم ولن ينطفئ إلى يرث الله الأرض ومَنْ عليها.
|