الفريق - الدكتور/ قاسم محمد لبوزة نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام - لا أحد يستطيع أن ينكر أننا أمام واقع مثخَن بالجراح، ومكتظ بقدر هائل من المعاناة، لكن بالمقابل لا بد أن يكون الجميع عند مستوى المسئولية ونحن نتوقف عند محطة مهمة وانتقالة حقيقية صنعت اليمن الجديد وجمهوريته الفتية، وانتقلت به من الظلام إلى النور..
إنها ثورة اليمن الكبرى 26سبتمبر أُم الثورات والتي صار لزاماً أن نعيد لها الاعتبار، باعتبارها مدماك التغيير وبوابة العبور إلى ثورة الـ 14 من أكتوبر، ليتعبد طريق اليمنيين نحو الوحدة والتغيير والاستقلال والسيادة وتجاوز حالة الارتهان والتبعية للخارج..
26 سبتمبر اليوم بحاجة لرد الاعتبار لها بتثمير النضالات والتحولات المهمة في تاريخنا التي أحدثتها والانطلاق بها من جديد إلى واقع مجيد وحياة كريمة وجيش قوي، وحرية واستقلال وكرامة لشعبنا العظيم..
ستة عقود مرَّتْ على ثورة 26 سبتمبر 1962م الخالدة في اليمن، التي كانت واحدة من أهم ثورات وأحداث النصف الثاني من القرن العشرين الماضي في المنطقة؛ وعلى تراب اليمن وجبالها حدثت الملحمة الكبرى رغم المؤامرة على الثورة، لكن هدف الثوار الأبطال -الذين توحدت جهودهم وسلاحهم في واحدية خلَّاقة بين أبناء الوطن الكبير شماله وجنوبه- كان تثبيت دعائم الجمهورية والانتقال باليمن إلى فضاءات التطور، لهذا نجحوا..
غير أنه من المهم في مثل هذه الذكرى أن نعزز حالة الوعي الوطني والسياسي، وأن نلتحم أكثر وأكثر ببلدنا وأرضنا، وأن يرتقي جميعنا إلى مستوى التضحيات التي يجترحها شعبنا اليمني العظيم من أجل حريته واستقلاله، وأن نصطف -بعيداً عن المزايدة والمكايدة- مع وطننا وشعبنا ومبادئ الثورة اليمنية المجيدة "سبتمبر وأكتوبر" دون التفات لأبواق الخيانة والخداع والتضليل لأنهم بعيدون تماماً عن الحرية والوحدة والثورة والجمهورية..
ولا بد للأقلام الحرة أن تنبري لأولئك الخونة الذين باعوا الثورة وتتصدى لأكاذيبهم وخداعهم، والانتصار لأهداف الثورة ومبادئها، وتقويم الاعوجاجات التي شابت مسيرتها المظفرة..
والمتابع الحصيف سيتمعن في الدروس الكثيرة والعِبَر التي نستلهمها من الثورة اليمنية السبتمبرية، وفي مقدمة تلك الدروس بسالة شعبنا اليمني ورجاله الأحرار على تجاوز المعوقات والظروف السيئة السياسية والاجتماعية والاقتصادية لصُنْع التغيير والتحولات التاريخية، والبحث عن شروط أفضل للحياة الحرة الكريمة التي كان ولا يزال يتطلع إليها كل أبناء شعبنا اليمني الحر الكريم..
والتاريخ اليمني المعاصر منذ ثورة الـ 26 من سبتمبر الخالدة شاهدٌ على حيوية هذا الشعب وقدرته على الإبداع والتطور، ومقاومة المشاريع المشبوهة للقوى الخارجية وفي ظل أصعب الظروف والتعقيدات الداخلية والخارجية..
ومثلما استطاعت ثورة الـ 26 من سبتمبر أن تقاوم رياح قوى الاحتلال والرجعية المتخلّفة، وأن تعمل على تثبيت دعائم النظام الجمهوري، وأن تسهم في حركة تحرير جنوب الوطن من الاستعمار البريطاني البغيض، فإنّ في الأهداف الستة لثورة الـ 26من سبتمبر الخالدة برنامج عمل متجدداً وصالحاً لأن يكون شاهد نضال دؤوب، وتضحيات جسيمة، وآمال عريضة لكل أبناء اليمن يجب العمل على النضال من أجل تحقيقها..
ولن تتوقف عجلة التغيير هنا، فلا يزال أمامنا الكثير مما يتوجب عمله -على ضوء الأهداف الستة- لأنها ثورة خالدة بمضامينها العميقة في الكرامة والحرية والعدل والمساواة والتنمية والديمقراطية والاستقلال والسيادة الوطنية، ورفض الوصاية والهيمنة.. وتحتاج إلى مواصلة العطاء في التضحية من أجل شعبنا ووطننا..
وصدّقوني ليس أمامنا جميعاً إلا أن نأوي إلى واحة سبتمبر الوارفة بالنضال من أجل الحرية والانعتاق من كل ما يؤدي إلى تأخُّرنا، وننطلق جميعاً كيمنيين إلى فضاء الحوار والتسامح والتصالح لأننا أمام محطة من محطات الله العلي القدير التي شاء لها أن تكون انطلاقة مجيدة وصادقة نحو الحياة الجديدة بروح العصر.. ولتكن محطة الاحتفاء بها فرصة لأن نقول جميعاً وبصوت عالٍ: اليمن يحتاج جهود جميع أبنائه، كلهم ينبغي أن يكونوا بُناة اليوم والغد، ولنترك نظرتنا الضيقة وانتماءاتنا الصغيرة في صندوق الماضي، وننطلق إلى المستقبل بروح وثَّابة تصحّح الأخطاء، وتداوي جِراح الماضي والحاضر..
صحيح أن ثورة 26 سبتمبر حدَّقت بها المؤامرات من كل حدب وصوب، لكن مثلما واجه الشعب اليمني تحدي ظروف الواقع وقتها ، وهو شعب بطبعه وتكوينه شعب أبيٌّ مقاتل يأبى الضيم، واجه تحدي واقع التخلف الذي ثار عليه وانطلق بوتيرة عالية في ميدان التغيير والتطوير في شتى مجالات الحياة، في التعليم والصحة والطرقات والإنشاءات والخدمات والبنية التحتية وبناء الجيش والقوات المسلحة.. ولم يكن الأمر سهلاً أبداً، فلا يمكن القضاء على تخلُّف القرون بين ليلة وضحاها في نفس الوقت الذي تواجه فيه البلد الحروب وتآمرات الأعداء في الداخل والخارج، ولعل أصعب تلك التحديات على الإطلاق تحدي الحكم وتحدي الواقع الاجتماعي الشديد التخلُّف..
لكني على يقين بأن الثورة اليمنية الكبرى "سبتمبر وأكتوبر" ستبقى مشعلاً يضيئ دروب اليمنيين مهما طالتها حِراب الأعداء؛ وستتثبت معها دعائم النظام الجمهوري أكثر وأكثر لأنها مغروسة في وعي الناس وفي وعي الأجيال التي لم تنسَ يوماً فضائل وثمار الثورة اليمنية العظيمة "سبتمبر وأكتوبر"..
أما حزبنا الرائد المؤتمر الشعبي العام، فسيظل متمسكاً ومدافعاً عن الثوابت الوطنية ممثلةً بأهداف ومبادئ الثورة اليمنية "سبتمبر وأكتوبر"، وبالنظام الجمهوري والوحدة اليمنية والنهج الديمقراطي التعددي، ويرفض كل أشكال الغلو والتعصب والتطرف والإرهاب والنزعات المذهبية والمناطقية والانفصالية التي كانت وستظل هي المدخل والباب الرئيس الذي يدلف من خلاله أعداء اليمن ويستخدمونها لتمرير مخططاتهم ومؤامراتهم ضد اليمن وشعبه..
وختاماً.. في ذكرى ثورة التحرر ،ثورة كل اليمنيين على الاستبداد والظلم والطغيان، نشيد بكل ما يسطّره أبناء شعبنا اليمني في المناطق المحتلة من مقاومة كبيرة للمحتلين ومخططاتهم وسياساتهم بكل ما يستطيعون من أشكال المواجهة وخصوصاً في محافظات (سقطرى - المهرة) والمناطق الأخرى، لأن تضحياتهم هي امتداد لمشروع التحرر والانعتاق من الاستبداد والظلم والاحتلال والارتهان للخارج. |