د. محمد عبدالولي السماوي - مثَّلت ثورة السادس والعشرين من شهر سبتمبر المجيد عام 1962م لليمنيين ولادة أمل؛ فاختلفت بذلك عن كثيرٍ من الثورات التي وُلدت من اليأس.. ولقد استطاع الثوار -على الرغم من عمق الإحساس بالظلم- تحويله إلى أمل في التغيير وفي إمكانية تفجير ثورة تحققت، وأشرقت شمس الحرية على اليمن الحبيب، وطُويت عهود الظلام والتخلف والاستبداد..
وبخلاف ثورة 1948م والتي ارتبطت بمطالب وأهداف محدودة، انتهت إلى تغيير النظام من الملكي الشمولي إلى نظام الملكي الدستوري، فما كان أسوأ من البدايات هي النهايات والتي صوَّرها شاعر اليمن الكبير وفيلسوفها الشاعر عبدالله البردوني تعليقاً على ضعف الإدارة وسوء التخطيط والتي جعلت الإمام أحمد يفتك بثوارها قتلاً وتنكيلاً.. وأوجزها بقوله:
والإبادة الذين بالأمس ثاروا
أيقظوا حولنا الذئاب وناموا
حين قلنا قاموا بثورة شعب
قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا
ربما أحسنوا البدايات لكن
هل يحسون كيف ساء الختام
إن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر كانت أكثر شمولية وأقوى إرادة وأكثر تخطيطاً، واختلفت في صورتها في الحفاظ على صورتها الناصعة للثورة ووحدة وتلاحم القوى السياسية والشعبية، وهي أسباب حققت لها النجاح بل ومثلت مصدر إلهام ودافع وداعم كبير للثورة في الجنوب للتحرر من الاستعمار البريطاني البغيض والتي تحققت بعد عام من الثورة في الشمال بانطلاق ثورة الرابع عشر من شهر أكتوبر العظيم عام1963م..
وقد تعرضت الثورة اليمنية مثلها مثل الكثير من الثورات التحررية لوسائل ومحاولات الاغتيال من القوى المناوِئة والمضادة من الداخل مدعومة من قوى خارجية لإعادة النظام الملكي وإجهاض الجمهورية الناشئة، فكانت محاولة المملكة العربية السعودية والرجعية والاستعمار البريطاني البغيض لما تبقَّى من القوى المؤيّدة للنظام الإمامي الملكي والسلاطيني، والتي استمرت لسنوات وباءت بالفشل، وانتصرت الثورة والجمهورية بفضل الله ثم بفضل القوى الثورية والجماهيرية وقوى التحرر العربي المصري والسوري.. وما أن تنجح الثورة في إجهاض محاولة النيل منها حتى تجد نفسها في مواجهة وسيلة أخرى من سيطرة للعسكريين إلى انقلاب أبيض، إلى اغتيالات وانقلابات؛ وعلى الرغم من قدرة الثورة اليمنية على هدم النظام الملكي إلا أنها واجهت صعوبات جَمَّة في معركة البناء والتنمية الشاملة خلال مراحل محاولة اغتيالها، والحفاظ على مكتسباتها في الوحدة اليمنية المباركة والتنمية الشاملة وبناء جيش وطني قوي ونهج ديمقراطي حر وغيرها من المنجزات الكثيرة التي تحققت بفضل الثورة والجمهورية في جميع مجالات الحياة، والحفاظ عليها من تعرُّضها لمعاول الهدم..
وعلى الرغم من ذلك إلا أنها تظل أم الثورات اليمنية لما تحمله وتمتلكه من قِيَم ومبادئ وأهداف وحلم لكل مواطن وثائر وحر في يمننا الغالي.
|