استطلاع/ صفوان القرشي - كانت ثورة 14 أكتوبر المجيدة نتاج مخاض عسير من النضال والكفاح المسلح الذي خاضه الشعب اليمني لعقود طويلة ضد أعتى القوى الاستعمارية التي جثمت على عدن لقرون من الزمن، قدم خلالها قوافل من الشهداء الذين كتبوا بدمائهم تاريخاً مجيداً سيظل محفوراً في ذاكرة التاريخ تستلهم منه الأجيال عظمة شعب لا يُقهر..
وشهدت عدن قبل انطلاق الثورة تصاعد العمليات الفدائية ضد المستعمر البريطاني، كما شهدت حوالي 30 إضراباً عُمالياً في مارس 1956م، وفي يونيو من العام نفسه قام الثوار في بيحان محافظة شبوة بالهجوم على المركز الحكومي، وفي خريف عام 1956م أثارت الأحداث - التي شهدتها مصر، إثر العدوان الثلاثي على مصر من قِبَل إسرائيل وفرنسا وبريطانيا - غضب الشعب اليمني، فازدادت وتيرة العمل الوطني، ضد التواجد البريطاني في مستعمرة عدن والمحميات الشرقية (السلطنة الكثيرية والقعيطية والمهرية) والغربية، فعمل المستعمرون على زيادة التوغل في المناطق الريفية، لا سيما المحاذية لأراضي المملكة المتوكلية في ذلك الوقت..
كما كان لقيام ثورة 26 سبتمبر داعمٌ لقيام الثورة التي انطلقت شرارتها الأولى يوم 14 أكتوبر فيما كان يُسمى اليمن الجنوبي في 1963م ضد الاستعمار البريطاني، وذلك من جبال ردفان، بقيادة الشهيد راجح بن غالب لبوزة، وشنّت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرَّد على إثرها آلاف المدنيين العزل.. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة «الأرض المحروقة»، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة، إلا أن ذلك لم يُثنِ الثوار عن مواصلة كفاحهم حتى تحقق النصر وقُهِرتْ المملكة التي لا تغيب عنها الشمس..
فما الذي يقوله أبناء الشعب اليمني عن ثورتهم التي تكمل عامها الـ 61 من عمرها المديد ؟
البداية كانت مع الشيخ سعيد عبدالحبيب -عضو اللجنة الدائمة- والذي قال: كانت ثورة 14 أكتوبر 1963م نتاجاً طبيعياً لنضال مرير وطويل خاضه شعبنا اليمني ضد الاستعمار البريطاني الذي جثم على جنوبنا الغالي قرناً ونيفاً، عمل خلالها على تطويق عدن بعدد من الكنتونات تُسمى بالسلطنات والمشيخات التي كانت بمثابة النساقات الدفاعية وتشكيل جنود من تلك السلطنات لمواجهة الثوار والكشف عن الفدائيين الذين ينفذون هجمات على الجنود البريطانيين ومعسكراتهم منها سلطنة الفضلي، دثينة، العوالق العليا والسفلى، الصبيحي، يافع العليا والسفلى، الحوشبي، الكثيري، وغيرها..
وأضاف: هؤلاء عملوا كمرتزقة لصالح بريطانيا التي منحتهم حُكماً شكلياً؛ وفي المقابل كانت المقاومة الشعبية تتزايد وبشكل أكثر تنظيماً، وأعلن قيام جبهة التحرير والجبهة القومية والطلائع وغيرها من الحركات المسلحة التي واصلت الكفاح المسلح وانخرط في صفوفها المئات من المناضلين وبالذات من أبناء تعز وإب الذين شكلوا رافداً مهماً في قيام الثورة وكان لهم الدور البارز إلى جانب إخوانهم من أبناء يافع والضالع ولحج وعدن.. وهنا لا بد أن نذكر المناضل الكبير المرحوم عبدالرحمن الصريمي قائد فرقة صلاح الدين التي نفذت مئات العمليات من خطف واغتيال لضباط وجنود المستعمر، وهاجمت المعسكرات وثكنات الجيش البريطاني في مختلف مديريات عدن.. كما لعبت النقابات العمالية والطلابية دورها في الثورة من خلال الإضرابات والمظاهرات مما دفع المستعمر إلى شن حملات اعتقالات واسعة..
واختتم بالقول: كما لعبت المرأة دورها النضالي البارز من خلال انخراطها في مقاومة الاستعمار وحملت السلاح لطرد المستعمر.. وهنا نتذكر المناضلة كعدة وخولة شرف.. كما عملت المرأة كخط إمداد للمناضلين ونقل المعلومات والأسلحة وتوزيع المنشورات؛ وهكذا شاركت جميع شرائح الشعب في ثورة 14 أكتوبر وطرد الاستعمار.. ويجب أن نشير إلى الزخم الثوري الذي تكوَّن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر والدعم المصري لثورتي سبتمبر وأكتوبر.. والملفت هنا أن اكتوبر يُعتبر شهر الانتصارات بدءاً من ثورة 14 أكتوبر ضد الاستعمار البريطاني، مروراً بحرب العبور 6 أكتوبر 1972م، وصولاً إلى طوفان الاقصى في الـ 7 من أكتوبر 2023م، وهذا يدل على أن حركات التحرر مستمرة؛ والدفاع عن مكاسب الثورات مسؤولية الأجيال التي يجب أن نغرس في نفوسهم الهوية الوطنية ومسؤولية الدفاع عن الوطن والثورة والوحدة..
الرحمة لشهداء اليمن وفلسطين ولبنان.. ولا عزاء للمتخاذلين والمطبّعين أذناب الاستعمار ومرتزقته..
لِنَكُنْ أحراراً
أما الدكتور نبراس طه -أوسلو ، بولندا- فقد تحدث قائلاً: ثورة 14 أكتوبر هي ذكرى عزيزة على قلوب اليمنيين، ففي مثل هذا اليوم من العام 1963م انفجرت براكين الثورة في جنوب اليمن في وجه المستعمر البريطاني، وانطلقت رصاصة الثورة من جبال ردفان بقيادة الشهيد راجح غالب لبوزة، لتمتد إلى كل المدن في الجنوب وتتحول إلى نار تلتهم الجنود البريطانيين الذين عجزوا رغم كل القوة التي استخدموها بما في ذلك الطائرات الحربية عن إخماد الثورة والقضاء على الثوار الذين كانت عزائمهم وإرادتهم وإيمانهم بعدالة قضيتهم أقوى من طائرات المستعمر ودباباته والذي لم يجد له من محيص أمام ضربات الثوار من أبناء اليمن إلا أن يحمل عصاه ويرحل ذليلاً منهزماً ولعنات الشعب تطارده إلى غير رجعة..
وأضاف: نحن اليوم نحتفل بالذكرى الـ 61 لثورة 14 أكتوبر المجيدة ونسترجع معها ذكرى أولئك الأبطال الذين كان لهم شرف طرد المستعمر البريطاني بعد قرون من الاحتلال للأرض اليمنية، ونستلهم من تضحياتهم الدروس والعِبَر، إلا أن هذه الذكرى تأتي واليمن يعيش أوضاعاً تتشابه إلى حد كبير ما كان يعيشه أيام الاستعمار وبالذات في المحافظات الجنوبية التي تخضع لإدارة المستعمر البريطاني من خلال أدواتها المتمثلة بالإمارات والسعودية والميليشيات المسلحة التي تعمل على إبقاء الوضع في حالة من عدم الاستقرار وتبنّي دعوات الانفصال من قِبَل ما يُسمى المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً أو بالأصح بريطانيا، فمنذ أن غادرت بريطانيا عدن وهي تحلم بالعودة مرة أخرى. ولم تُخفِ هذا الأمر الذي يعبّر عنه العديد من ساستها الذين يؤكدون اهتمام حكومتهم بعدن مستعمرتهم السابقة لما لها من موقع استراتيجي مهم..
واختتم بالقول: نحن اليوم وعلى ضوء المتغيرات التي أفرزها طوفان الأقصى وما كشف عنه من سياسة أمريكية وغربية تتبنى بكل وضوح السياسة الإسرائيلية الصهيونية والتي عنوانها الأبرز العداء المطلَق للعرب والمسلمين بكل مذاهبهم وطوائفهم ودولهم، ولن يغير من هذه السياسة المتجذرة التمسح بأقدام أمريكا وبريطانيا وفرنسا والتطبيع مع دولة الكيان المتوحش المجرم، الأمر الذي يحتّم علينا رؤية الحقيقة التي نحاول تجاهلها إزاء ما يُحاك لنا كعرب ومسلمين من مؤامرات ومخططات تستهدف منطقتنا ودولنا وشعوبنا دون استثناء؛ وفي حال تغافلنا عن هذه الحقيقة وتركنا أمريكا وإسرائيل تدمر غزة ولبنان وربما امتدت يدها إلى إيران، سنجد أنفسنا مثل فئران وقعت في المصيدة..
وما يقوم به الجيش اليمني من إسناد لغزة ولبنان يندرج أيضاً من رؤيته حقيقة ما يجري وما يخطط لمنطقتنا وشعوبنا.. فيا أيها اليمنيون حافظوا على وطنكم ووحدتكم ولا تخذلوا شهداء ثوراتكم.. كونوا أعزة أقوياء أحراراً، فنحن في عالم لا يحترم إلا الأقوياء..
المجد والخلود لشهداء سبتمبر وأكتوبر وكل شهداء اليمن الذين قضوا من أجل عزة اليمن ووحدته واستقلاله..
الوجه الآخر للاستعمار
من جانبها الدكتورة شريفة هلال المقطري -هولندا- قالت: الاحتفال بالثورة ليس فقط إيقاداً للشعلة ورفع الأعلام وبث الأناشيد الوطنية، ولا هو إقامة المهرجانات وإلقاء الخطابات، ولكنه قبل هذا وذاك الوقوف والتأمل ومعرفة الدوافع وراء قيام هذه الثورة وما تحقق من أهدافها بعد هذه السنوات، والأهم أن نبحث عن المناضلين من استُشهد منهم في فجر الثورة ومن مات بعد ذلك ومن لا يزال على قيد الحياة نتلمس أحوالهم والأوضاع التي تعيشها أسرهم نشعرهم بأن تضحياتهم لم تذهب هباءً، وأن الوطن والشعب يقدٌر لهم ذلك وينظر لهم بكل إجلال؛ فكم هو معيب أن تتشرد أسرة شهيد لعدم وجود منزل يأويها، وكم مجحف أن نرى أرملة مناضل تذوق الأمرَّين وهي تتسلم راتب زوجها المناضل 8 آلاف ريال من مكتب شهداء ومناضلي الثورة، أو 30 ألف ريال كأغلى أجر حصل عليه جزاء ما قدمه لوطنه وشعبه..
وأضافت: لا أقول ذلك من باب المزاح ولكنها حقيقة مُرَّة لا يعرفها إلا أسر شهداء ومناضلي ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وجدي واحد منهم، ومع ذلك ندرك أن ما قاموا به كان بدافع ديني ووطني وليس من أجل المغانم والمناصب، ويكفيهم أن يُنصَفوا ويبقوا في ذاكرة الأجيال كرعيل أول من المناضلين الذين هزموا بريطانيا العظمى وطردوها من وطنهم وحرروا شعبهم من المستعمر البغيض، وأن نحافظ على أهداف ومبادئ ثورتهم ولا نفرٌط بها، وأن ندرك أن اليمن محط أنظار الطامعين، فكم هو محزن أن نرى دولة مثل الإمارات تتحكم بجزء من يمن الحضارة والتاريخ والثورات، ويُرفع عَلَمها في عدن التي تحتفل اليوم بالذكرى الـ 61 لثورة 14 أكتوبر التي طردت الاستعمار البريطاني ومرغته بالتراب..
واختتمت بالقول: نحن اليوم بحاجة لثورة وعي وثقافة وطنية تعزز روح الانتماء وتغرس في نفوس الشباب حب اليمن الوطن الكبير ليرفضوا هذا الوجود الإماراتي السعودي الذي هو الوجه الآخر للاستعمار مهما كانت المبررات التي يروّجها سماسرة أبو ظبي والرياض ومرتزقتهم، فالحرية والاستقلال والعزة والكرامة لا يصنعها إلا أبناء الوطن بإرادتهم وعزيمتهم ونضالهم..
المجد والخلود للشهداء الذي قدموا أرواحهم فداءً من اجل اليمن ووحدته واستقلاله وسيادته وحريته..
اليمن عزيز بثورته ووحدته
*خالد المقرمي -التنظيم الوحدوي -تحدث قائلاً: إن ثورة 14 أكتوبر من أهم الثورات التي شهدها القرن الماضي وخطت بدماء الشهداء من أبناء اليمن نهاية عقود من الاستعمار، كما تكمن أهميتها كونها حرمت بريطانيا من السيطرة والتحكم بأهم المضائق والممرات الاستراتيجية في العالم والذي كان من أهم العوامل التي دفعت الاستعمار البريطاني لاحتلال عدن، وكلنا يتذكر بفخر واعتزاز الرعيل الأول من المناضلين وعلى رأسهم الشهيد راجح غالب لبوزة الذي أطلق من جبال ردفان شرارة الثورة التي وضعت حداً لهذا الاستعمار البغيض الذي ما زال يتحسر على فقدانه عدن ويحيك المؤامرات تلو المؤامرات على اليمن ليجد موطئ قدم من جديد في المدينة التي شهدت رحيله منكسراً وذليلاً قبل 61 عاماً..
وأضاف: ما زالت اليمن تحت أنظار الاستعمار وعرضةً لمؤامراته، والشواهد على ذلك حاضرة اليوم من خلال التدخلات في اليمن ومحاولة تمزيقه وتقطيع أوصاله عبر وسطاء الاستعمار وعملائه في المنطقة، ليعود من جديد بشكل آخر، وهذا ما تقوم به الإمارات والسعودية ومن خان وطنه في سبيل الحصول على المال.. ومن أجل ذلك وحتى لا تضيع تضحيات الثوار علينا أن نحافظ على ثورتنا وأهدافها وندافع عنها من أجل اليمن ووحدته واستقلاله وسلامة أراضيه..
واختتم بالقول: اليمن عزيز بوحدته وتلاحم أبنائه؛ ولا يمكن الحفاظ على الثورة ومقدراتها ما لم نستلهم من الشهداء والمناضلين الذين قدموا لوطنهم أغلى ما يملكون.. وواجبنا الحفاظ على الثورة ومنجزاتها، وأن لا ننجر إلى المخططات التي يرسمها أعداء اليمن، وأن ندرك خطورة الوضع الإقليمي والتحولات الدولية وما ستفرزه من متغيرات ستؤدي بالتأكيد إلى عالم جديد متعدد الاقطاب.. وما يشهده قطاع غزة من جرائم إبادة، والعدوان على لبنان الدولة العربية ذات السيادة إنما هو إرهاصات لمرحلة قادمة كشفت عن ضعف وعجز منقطع النظير للعرب والمسلمين وانعدام تأثيرهم على الساحة الدولية..
تغمَّد الله شهداء أكتوبر وسبتمبر وكل شهداء اليمن بواسع رحمته.. والنصر لغزة ولبنان وكل أحرار العالم. |