بقلم/ افتتاحية الثورة -
سبق وأن حذر فخامة الرئيس علي عبدالله صالح قبل أيام قليلة من أية سلوكيات أو ممارسات تغذي نوازع الأحقاد وثقافة الكراهية بين أبناء مجتمعنا الذي عرف على الدوام بتماسكه وتلاحمه واعتزازه بهويته الوطنية وارتباطه الوثيق بقيمه وثقافته الحضارية المعززة بصدقية الانتماء والولاء الوطني ، والوعي الحقيقي بأن أي تطور أو تقدم أو إنجاز لا يمكن له أن يتحقق إلاّ على قاعدة الأمن والاستقرار وعرى الألفة والمحبة بين أبناء المجتمع.
- ومما لا شك فيه أن الأخ الرئيس بذلك التحذير أراد تنبيه جميع المكونات الاجتماعية والسياسية والحزبية وغيرها إلى مخاطر الاندفاعات غير المحسوبة التي تقود البعض بقصد أو بدون قصد ، إلى التصرف خارج نطاق المسؤولية عبر الانقياد لأهوائهم الضارة ، أكان ذلك عن طريق الخطاب المأزوم الذي يثير الفرقة وبواعث القلق والاحتقان ، ويعمل على تسميم أجواء الأمن والاستقرار أو من خلال اللجوء إلى أساليب المناكفة والمكايدات السياسية والحزبية ، واستغلال مناخات الديمقراطية في التحريض على الاعتصامات والمسيرات وأعمال النهب والتخريب وتعكير السكينة العامة والسلم الاجتماعي ، دون إدراك للعواقب الوخيمة المترتبة على مثل هذه الممارسات ، والتي يتسلل منها ذلك المرض الخبيث والمدمر والمتمثل بثقافة الكراهية إلى النفوس ، فيحجب عنها الصواب ومنطق العقل والرؤية المتبصرة وطابع الاتزان والتوازن ليحل بدلا عن كل ذلك الأوهام والهواجس وسوء الظن ونوازع التعصب التي تتولد عنها الضغائن والأحقاد بين أبناء الوطن الواحد.
- وكما يقول علماء الاجتماع فإن ثقافة الكراهية هي محصلة للغرائز السلبية وأنانية الذات التي تبرز تجلياتها في بعض المظاهر العصبية - سياسية أو اجتماعية أو ايديولوجية - وإن ما يحدث اليوم من اعتراكات داخلية في عدد من الأقطار العربية والإسلامية وغيرها هي نتاج ثقافة الكراهية التي تهلك الحرث والنسل بما تحدثه من انشقاقات داخل المجتمعات.
- إذ أنه ومتى حلت هذه الثقافة داخل أي شعب من الشعوب فإنها تصبح بمثابة قنابل موقوتة تنذر بالكوارث والمصائب.
- ولذلك فإن من الحكمة أن يتعظ أولئك الذين ينخرون في اللحمة الوطنية عبر اختلاق الأزمات وتأزيم الأوضاع الداخلية مما يجري في عدد من الساحات ، وأن يستوعبوا أن من يسعى إلى إشعال الحرائق إما بدافع الوصول إلى مصلحة حزبية أو ذاتية أو رغبة في الانتقام من الآخر ، سيكون أول من سيدفع الثمن وأول من سيصطلي بداء الكراهية التي يغذيها.
- وعليه فإذا كان تحذير الأخ الرئيس من وباء ثقافة الكراهية قد استند إلى جملة من الحقائق التي تؤمن للوطن ضمانات الاستقرار ولأبنائه شروط الحياة الكريمة ، فإنه بذلك أيضا قد فتح أعين الجميع على المفهوم الواقعي الذي يحمي مجتمعنا من كل العوارض السلبية ، الطارئة أو الاستثنائية وقدم المنهاج الذي يعصم الوطن من الانزلاق في مهاوي الخطر ، وهو ما يتطلب أن تعي أحزاب اللقاء المشترك أن التنافس الديمقراطي والحزبي لا يعني بأي حال من الأحوال الخصومة مع الوطن ، أو الانقياد والتعاطي مع الآخرين من منطلق مقولة (علي وعلى أعدائي) والتمترس وراء خطاب دعائي يثير الضغائن ويزرع الأحقاد بين أبناء الوطن ، بل إن الواجب أن نجعل المصالح العليا لليمن هي القاسم المشترك الذي لا ينبغي أن نختلف عليه ، وأن يكون هذا القاسم التزاما جماعيا ومسؤولية تحتكم إليها كل التصرفات والمواقف.
- بل إننا بحاجة إلى التطبع مع هذه الإرادة التي تغدو فيها المصالح العامة الإطار الذي يرسم حدود المصالح الخاصة ويضمن للديمقراطية ومساراتها المزيد من التألق والحيوية وديمومة التطور في السلوك والممارسة.
- ومن غير تبني هذا المنهاج وجعله ثابتا أصيلا وغيره فرعيا وجزئيا ، فإن تلك الأحزاب ستبقى مرتعا لبعض ذوي النفوس المريضة الذين لا تهمهم سوى مصالحهم الذاتية وكيفية الوصول إليها ولو بأساليب غير مشروعة.
- ومثل هذه الأصوات النشاز يجب التنبه لهم وكشف مراميهم ونواياهم وفضحهم ، حتى يعلم الناس أن هذه النوعية هم من أعمى الله أبصارهم وبصائرهم واستوطنت الكراهية قلوبهم وأحاسيسهم ، ليصبحوا أبواقا لثقافة البغضاء ودعاة للفوضى وشريعة الغاب ، حتى وإن تدثروا بلُبوس الوطنية أو رفعوا شعاراتها أو تصنعوا بها باعتبار أن الوطنية سوك وقيم تقاس من خلال الوفاء لمعانيها في الواقع العملي.
- أما الشعارات الجوفاء فستبقى مجرد هرطقات لا روح فيها ولا حياة.