حاوره/ رئيس التحرير - تحدَّث لـ "الميثاق" بروح عروبية مقاومة، وأطلنا من خلال رؤاه الثاقبة أمام مختلف معطيات الراهن العربي المزري ذات العلاقة بالعدوان الصهيوني على شعبينا في فلسطين ولبنان وبدرجة عالية من التشخيص المقتدر
والتحديد الدقيق لمتطلبات الخروج من أتون الضياع العربي الذي بدأت تأثيراته السلبية البالغة تظهر على كافة جوانب الحياة العربية..
إنه المفكر والصحفي القدير فيصل جلول، والذي يبدي مع صحيفتنا تعاوناً مثمراً..
وإلى حصيلة هذا الحوار الذي لا يخلو من الروعة والموقف السديد المستوعِب تحديات الراهن..
* كمتابع حصيف للموقف اليمني المسانِد للشعبين الفلسطيني واللبناني، نسألكم في البدء عن تقييمكم لهذا الموقف خاصة في ظل ما يواجهه اليمن في الوقت الراهن من ضغوط كبيرة تستهدف ثنيه عن موقفه هذا؟
- لقد تمكن اليمن بوسائله المتواضعة من تعطيل الملاحة في البحر الأحمر، ومن مواجهة حاملات الطائرات الأهم والأقوى في العالم.. تستند الحكومة اليمنية في موقفها هذا إلى إجماع اليمنيين على تقديس القضية الفلسطينية.. لن تجد يمنياً واحداً يتنكر للحق الفلسطيني.. ولا ننسى أن المؤتمر الشعبي العام كان قد استضاف كل الفصائل الفلسطينية بعد خروجها من بيروت عام 1982م، من فتح إلى حماس إلى كل الفصائل الأخرى؛ وكان معظم القادة الفلسطينيون يتجولون
بوثائق سفر يمنية، ويتدربون في معسكرات يمنية.. وقد خَصَّ الرئيس الراحل علي عبدالله صالح، ياسر عرفات بقصر خاص، وكان عرفات يتصرف في صنعاء بوصفها عاصمته المؤقتة، وكان مسؤول حماس خالد مشعل يتردد على صنعاء بوصفه الأقرب إلى حركته بعد دمشق قبل "الربيع العربي"، وقد دعاني ذات يوم القائد ياسر عرفات إلى العشاء في قصره بصنعاء، وعلى المائدة دعا الطباخ وسأله من أنت فقال لنا إنه طباخ دار الرئاسة..
هذا الإجماع اليمني على القضية الفلسطينية يشكل حاضنة مهمة للموقف اليمني اليوم من الملاحة في البحر الأحمر..
أنا واثق بأن الموقف اليمني الداعم لفلسطين اليوم هو استمرار متقدم للعلاقات اليمنية الفلسطينية التي اعتبرها اليمنيون مصيرية..
وأنا واثق بأن انتصار القضية الفلسطينية سيكون ممهوراً بالدور اليمني العظيم.. ولا بد من توجيه التحية في هذا المقام للأبطال اليمنيين الذين يجوبون البحار دفاعاً عن فلسطين..
يبقى أن أغتنم هذه المناسبة لتوجيه التعازي للشيخ يحيى الراعي؛
والتحية للشيخ صادق أبو راس الذي جعل وحدة اليمنيين على رأس أولويات مؤتمرهم الشعبي العام..
* هناك -حسب قراءات محللين ومفكرين- سيناريو جديد قد بدأ تنفيذه، وبالطبع كلٌّ له تصوُّره.. ما الذي يراه المحلل السياسي والصحفي الكبير فيصل جلول من سيناريو تؤكده معطيات الراهن؟
- الإجابة عن هذا السؤال تستدعي وصف ما يدور الآن.. نحن إزاء صراع حاسم بين محور المقاومة وإسرائيل.. الصراع يدور حول جبهتي لبنان وفلسطين المدعومتين من اليمن والعراق وسوريا إلى حدٍّ ما ومن إيران.. بالمقابل تتلقى إسرائيل دعماً واسعاً من الولايات المتحدة وألمانيا وعدد قليل من الدول الأوروبية..
لقد دخل هذا الصراع عامه الثاني وما زال محور المقاومة صامداً بل بدأ يحقق في لبنان بعض الإنجازات المهمة بعد الخسائر الكبيرة التي لحقت به جراء اغتيال أو استشهاد قادته الكبار..
سيرتسم سيناريو المستقبل استناداً إلى نتائج القتال.. إذا خسرت إسرائيل هذه الحرب سيكون العالم العربي والشرق الأوسط بلون هذه الخسارة..
في ضوء المعطيات الراهنة الراجح عندي أن الانتصار قد يكون لمحور المقاومة.. يبقى حجم هذا الانتصار وهذا من الصعب تحديده قبل انتهاء المعركة..
* أيضاً كيف تقيّمون مواقف العديد من الأنظمة العربية إزاء ما يجري من عدوان سافر في غزة ولبنان، وهل هذه المواقف تعكس رؤية استراتيجية؟
-مواقف الأنظمة العربية لا تنم عن رؤية استراتيجية فهي والجامعة العربية تراهن على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية.. مشكلة هذه الدول تكمن في كونها لا تناور في علاقاتها مع واشنطن؛ ولديها فرصة عبر الاتفاق السعودي الإيراني بإشراف الصين أن تبتعد عن أمريكا، وأن تستفيد من هزيمة إسرائيل النسبية أو المطلقة المحتمَلة، وتخفف عن نفسها الضغط الأمريكي المطلق، لكنها مع الأسف لا تفعل؛ لذا سيملي عليها المنتصر شروطه.. ما يؤسَف له أن نتنياهو يطلب من هذه الدول أن تلتزم الصمت ولا تحرّك قضية الدولتين فتنصاع ويختفي صوتها وتنتظر صاغرة..
إذا انتصر نتنياهو وهذا مستبعَد ستكون الدول العربية ما عدا الجزائر صاغرة لا تلوي على شيء، وإنْ ربح تيار المقاومة ستستخدم أمريكا هذه الدول كأكياس الرمل؛ وبالتالي ستخسر في الحالتين..
* هذا يعني أن هناك مخاطر ستحدق بهذه الأنظمة جراء مواقفها هذه.. من وجهة نظركم ما الذي قد تناله بمواقف باهتة كهذه؟
-المخاطر ستكون أكبر على هذه الدول وليس على المقاومين، فهي في حالتي انتصار المحور أو تراجعه ستدفع ثمناً باهظاً؛ ستخسر مع حليفها الأمريكي إنْ خسر، ولن تربح مع محور المقاومة إنْ ربح..
* أيضاً ما الذي يمكن أن يوقف نتنياهو عن صناعة القتل بصورة واسعة في ظل هذا التساهل العربي الرسمي؟
-مع الأسف الشديد يدفع أهالي غزة ثمناً باهظاً لهذه الحرب الوحشية التي تشنها إسرائيل منذ أكثر من عام.. والآن دخل لبنان على الخط منذ أواخر سبتمبر الماضي.. لا شيء يوقف نتنياهو عن ممارسة هذه السياسة الوحشية سوى الميدان.. لقد بدأ يخسر في لبنان.. تحتفظ إسرائيل بخمس فرق عسكرية على الحدود مع لبنان من دون أن نتمكن خلال شهر من احتلال 3 كلم والتعمق الثابت بألف متر، ناهيك عن تعرُّض مدن إسرائيل لضربات يومية بمئات الصواريخ والمُسيَّرات.. لقد خسرت إسرائيل خلال شهر على الجبهة اللبنانية ألف قتيل وجريح، ووصلت إحدى المُسيَّرات إلى غرفة نوم نتنياهو وإلى طاولة عشاء فرقة النخبة المعروفة باسم غولاني، وهذا يحصل للمرة الأولى في الصراع العربي الإسرائيلي..
إذا استمرت خسائر إسرائيل على هذا الحال لن يطول الوقت حتى تطلب وقف إطلاق النار.. أما في غزة المحاصَرة فسيكون الوضع أصعب بكثير رغم البطولات التي يسطّرها الغزاويون باللحم الحي.. والسؤال المطروح في هذه الحال: هل تنفصل الجبهتان اللبنانية والغزاوية في مسارين؟.. الجواب يأتينا من جبهات القتال حصراً..
*هناك من يشير إلى أن من أهم ارتدادات العدوان الإسرائيلي إمكانية اندلاع الحرب الأهلية من جديد وهو ما سوف يخدم اسرائيل.. ما تعليقكم؟!
-تقع الحرب الأهلية في لبنان عندما يخسر الطرف المقاوم؛ وحتى الآن ما زالت المقاومة صلبة وناجحة رغم الخسائر.. نتنياهو يدفع أصدقاء إسرائيل القديمة في لبنان بهذا الاتجاه.. السفيرة الأمريكية في بيروت أعطت إشارة الانطلاق بعد اغتيال الشهيد السيد حسن نصر الله، عندما قالت إنها تريد لبنان من دون حزب الله، لكن من حُسْن الحظ أن الأمور ذهبت في الاتجاه المعاكس، وقد اختفى صوت السفيرة بعد صمود المقاتلين في الجنوب..
لا أخفيكم القول إن المخاطر ما زالت واردة خصوصاً بعد انتشار حاضنة المقاومة في كل أنحاء لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق.. ومن حُسْن الحظ في هذا المجال أن فرنسا وقفت ضد الحرب الداخلية وهي تضغط باتجاه وقف إطلاق النار.. يبقى الضامن الأكبر سواعد المقاومين في الجنوب وانهيار الغطرسة الإسرائيلية..
* أيضاً هناك تحليلات تذهب إلى القول باستحالة مواجهة إسرائيل من قِبَل حزب أو جماعة، وأن ذلك يمثل انتصاراً حقيقياً.. ما تعليقكم؟
-لقد هُزمت الأنظمة العربية والجيوش الرسمية في أيام قليلة عام 1948م
و 1967م، ولم يؤدّ انتصار الأنظمة في 1973م إلى حل القضية الفلسطينية.. لو كانت الأنظمة العربية قد انتصرت من قبل كان بوسعنا القول إن الحزب والحركة لا يحمل انتصاراً ولا يفيد القضية.. الصورة الآن أن الأنظمة تُهزم في أيام؛ والحركة والحزب تقاتل منذ سنة أقوى دولة في الشرق الأوسط والقوة الأكبر في العالم، وهذا فخر للمقاتلين ولحواضنهم الشعبية ولأصدقائهم وحلفائهم العرب والمسلمين..
*هناك حراك يُدار في الوسط اللبناني بهدف انتخاب رئيس توافقي للبنان واعتبار ذلك أولوية قصوى.. ما مواصفات أي رئيس جديد للبنان ويتفق مع المعطيات السياسية الراهنة؟
-مشكلة الرئاسة في لبنان سابقة على الحرب.. المشكلة تتلخص في كون فريق من اللبنانيين يريد رئيساً للجمهورية مناهضاً للمقاومة، وهذا مستمر منذ أكثر من سنتين.. المقاومة بدورها تريد رئيساً يحمي ظهرها كما عبَّر عن ذلك السيد حسن نصر الله.. إذاً المشكلة متصلة بمواجهة إسرائيل أو الانصياع لإرادتها وإرادة الولايات المتحدة.. أنا أرى أن صورة الرئيس القادم ترتسم في القتال على حدود لبنان الجنوبية؛ إذا ربحت المقاومة هذه المعركة سيكون الرئيس على صورة هذا الانتصار.. في كل الحالات لا يمكن أن يقبل القسم الأكبر من اللبنانيين برئيس يميل لإسرائيل هذا من المستحيلات في لبنان.. أما عن الإسراع في انتخاب الرئيس فهذا مهم للغاية، لكن في لبنان مع الأسف الشديد ليست الأولوية لكل ما هو مهم خصوصاً أن التدخلات الخارجية تلعب دوراً كبيراً في رسم سُلَّم الأولويات..
* على ضوء جهود وقف إطلاق النار يتزايد الحديث عن القرار الدولي "1701"، فيما إسرائيل تعتبره شيئاً من الماضي.. هل هذا يعني تكتيكاً جديداً لإسرائيل، وما الهدف منه؟
-ليس موقف إسرائيل خدعة، هي لا تريد هذا القرار وقد طالبت في أيام الاشتباك الأولى بانسحاب القوات الدولية من الجنوب وهي ضامنة لهذا القرار، لكن الموقف اختلف من بعد صمود المقاومة إذ أخذت إسرائيل تتحدث عن إضافات على القرار وكفت عن التحرش بالجنود الدوليين؛ وهي اليوم تتحدث عن تطبيق شامل للقرار، إذن كما ترون يتحرك الموقف من القرار سلباً أم إيجاباً بنوع الحركة على الجبهة؛ والراجح أن نتجه إلى تطبيق القرار بما يلائم لبنان أكثر من إسرائيل..
* هل ترون أن التطورات المتلاحقة في لبنان ستؤدي إلى إحداث تغييرات مهمة في المواقف الإقليمية والدولية ذات العلاقة بلبنان؟
-لبنان بلد مهم في المنطقة، هو على حدود الاتحاد الأوروبي من جهة قبرص، وليس بعيداً عن الحلف الأطلسي لجهة تركيا، وهو على حدود إسرائيل القوة العسكرية الأساسية في الشرق الأوسط، ولديه علاقات وثيقة واستراتيجية مع إيران، وتتجمع على أرضه كل صراعات المنطقة.. لذا من الطبيعي أن تهتم القوى الدولية والإقليمية عن كثب بما يدور فيه.. وكما أشرت سابقاً ستتغير مواقف الدول المعنية بالأزمة اللبنانية بالترابط مع مصير القتال على الجبهة الجنوبية، لكن في كل الحالات لن يكون هذا التغيير لمصلحة إسرائيل..
*هناك انقسام فلسطيني في ظل تطورات كارثية، حيث لم تتفق فتح وحماس على رؤية لإدارة قطاع غزة.. ما تأثير ذلك على القضية الفلسطينية في هذه اللحظات الحرجة؟
-مع الأسف الشديد ما زال الانقسام الفلسطيني قوياً وكابحاً لنصر المصالح الفلسطينية العليا.. كنا قد تفاءلنا بالاتفاق الفلسطيني برعاية صينية لكن ذلك لم ينعكس إيجاباً على أرض الواقع.. الانقسام هو العدو الأخطر للفلسطينيين وللقضية الفلسطينية، ولا نعرف متى سيستوعب الفلسطينيون أهمية هذا الدرس..
* أخيراً أستاذنا.. هل نحن اليوم على مشارف اندلاع حرب إقليمية؟
-لقد أرسلت إيران صواريخها ومُسيَّراتها إلى إسرائيل مرتين؛ ووجهت تل أبيب ضربات معينة للجمهورية الإسلامية عندما قصفت سفارتها في دمشق وقتلت إسماعيل هنية في طهران.. والعالم ينتظر الآن حجم ونوع الرد الإسرائيلي على إيران.. وعلى هذا الرد يتوقف مستقبل الصراع مع إسرائيل في المنطقة، إنْ كان رداً مدمراً لا بد أن يستدرج رداً إيرانياً مدمراً؛ وهنا قد يتدحرج الصراع ويتجاوز حدود الإقليم.. وإنْ كان رداً بسيطاً يمكن لإيران أن تستوعبه، وبالتالي يتم تخفيض الصراع..
ومع الأسف الشديد أن إسرائيل يحكمها مجرم خطير اسمه نتنياهو، ومعه يمكن توقُّع كل أنواع التطرف والمخاطر. |