موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


الحديدة.. إصابة طفل بانفجار في الدريهمي - وحدة الصف الوطني.. الحصن المنيع لمواجهة المشاريع الاستعمارية - 43846 شهيداً منذ بدء العدوان على غزة - 6364 مهاجر أفريقي وصلوا اليمن في شهر - الرئيس/ علي ناصر يعزّي بوفاة النائب البرلماني الدكتور عبدالباري دغيش - تدشين خطة الانتشار الإسعافي على الطرق السريعة - النواب يجدد الثقة بالإجماع لهيئة رئاسته لفترة قادمة - صنعاء: انطلاق حملة للتبرع لمرضى الثلاسيميا - ارتفاع عدد شهداء غزة إلى 43 ألفاً و799 - مع غزة ولبنان.. مسيرة مليونية بصنعاء -
قضايا
السبت, 19-أبريل-2008
الميثاق نت -           عرض - محمود الحداد -


احتفت صحيفة الجزيرة السعودية بالشاعر والناقد اليمني الدكتور عبد العزيز المقالح الاثنين الماضي بإصدارها في الملحق الثقافي العدد243ملفا خاصا عن المقالح مبدعا وناقدا وباحثا
وفي الملف الذي أعدته الكاتبة و الأديبة فوزية محمد الجلال تحت عنوان "المقالح ..إرث الحزن والغربة " قال الدكتور إبراهيم بن عبد الرحمن التركي مدير تحرير الصحيفة للشؤون الثقافية في تقديمه للملف أن في هذا العدد من المجلة الثقافية قدمنا الدكتور المقالح مُبدعاً وباحثاً وناقداً كعادتنا مع الرموز المحلية والعربية الذين يستحقون الاحتفاء بما قدموه من عطاءات وفق المعايير الفنية والإبداعية.
وأردف قائلا :أن قراءة المقالح تحتاجُ إلى اقتدار؛ فهو من المبدعين الذين يتجاوزون النمط فيصلون بين الخيوط والخطوط، ويفرقون بين الجامد والمشتق، وتحسبه قريباً فإذا هو ناء، ثم ينأى فتكاد تجاوره وتحاوره.
ما يمكن أن نقوله أن هذا العدد من الثقافية جاء زاخرا بدراسات وقراءات شتى قدمها نخبة من الشعراء والأدباء والنقاد والأكاديميين العرب ممن خبروا المقالح وعاشوه وقرؤوه ،قيمة وذاكرة إبداعية .إضافة على أن هناك من تجمعه مع المقالح ذكريات قديمة ،وقد رأوا في هذه المناسبة فرصة للكشف عنها .
.ولأهمية ما يحتويه هذا الملف الذي أخرجته صحيفة الجزيرة السعودية بثوب قشيب من الإخراج ،كان لابد من هيئة تحرير إلا أن تستعرض بإيجاز معظم مكوناته.
ذكريات عنه ومعه
البداية كانت مع الكاتب والناقد المصري جابر عصفور في ذكرياته مع وعن المقالح ، حيث نكأ ذكريات لم تئدها السنون وقداستعرض فيها بدايات اللقاء بالمقالح وحيثياته و معرفته به حتى صارا يتبادلان الزيارات بين حين وآخر ،وما يتذكره أن منزل المقالح في القاهرة صار مزارا عربيا لكل المثقفين العرب المقيمين في القاهرة ،
و مضيفا أنه كما كان يفعل في القاهرة، فعل في صنعاء التي فتحها للمثقفين العرب من كل مكان. وأذكر أنه عندما كان رئيساً لجامعة صنعاء لم يترك واحداً من أصدقائه الدارسين إلا ودعاه إلى جامعة صنعاء، كي يتيح للطلاب والطالبات الاطلاع على آفاق المعرفة الواسعة. ولم يكن من الغريب - والأمر كذلك - أن تجد الجزائري إلى جانب السوري والمصري واللبناني، وبقية الجنسيات من ذوي الخبرات التي استقدمها إلى جامعة صنعاء ليزيدوها توهجاً في العلم. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد حدث أن طُرِد عدد من إخواننا من الجامعة الأردنية، ففتح لهم عبد العزيز جامعة صنعاء، وكان منهم صديقنا المشترك كمال أبو ديب، وأصدقاء آخرون، منهم صديق عزيز، كانت لنا أيام جميلة معاً، لقبه الشوبكي، ونسيت اسمه الأول، مع أني قابلته في عمان منذ أشهر معدودة، بعد سنوات كثيرة من عودته إلى الجامعة الأردنية.
وفيما يخص الأعمال الإبداعية التي أصدرها المقالح إلى اليوم، في سياق الشعر العربي، يقول الناقد المصري جابر عصفور :يظل لإنجاز عبد العزيز تميزه ورياديته وتنوع نتاجه. أضف إلى ذلك أن كل هذا الإبداع لا يخلو من معنى المواجهة الجسورة لكل شروط الضرورة، والسعي الإبداعي الذي لا يهدأ لاستبداع الأفق المفتوح للإبداع بكل ما ينتسب إلى الضرورة. ومن المؤكد أن الجسارة الإبداعية لعبد العزيز قد تسببت له في عدد من المشكلات الصعبة مع ذوي الأفكار المتخلفة الذين يسارعون إلى تكفير الآخرين، إذا اختلفوا معهم في الرأي، أو حاولوا الثورة إبداعاً على الجمود وعلى التقاليد البالية وعلى الموروثات. ولذلك فشعر عبد العزيز المقالح شعر مقاومة بامتياز، سواء في محيطه اليمني المحدود، أو محيطه العربي الأوسع، ولا شك أن عدم انكفاء عبد العزيز المقالح على المدار المغلق لتاريخ وطنه وقضاياه فحسب، قد فتح أمامه الأفق الرحب ليغدو شعره عنصراً تكوينياً أساسياً من الشعر العربي المعاصر، سواء في تحرر آفاقه أو حرصه على التجريب
اسم يحمل أرضه
ويقول د.عبد الله الغذامي في مساهمته التي تحمل عنوان "أسم يحمل أرضه" أن المقالح يكتب بمحبة، عن الناس والأشياء والأوطان ويجري قلمه منساباً في الفكر والسياسة والنقد مثلما يطير مع الشعر،فلا يكل ولا يسترخي لأن ذلك القلم يستمد حبره من قوارير المحبة في قلوب الجميع،
وأضاف الغذامي أن في إبداع عبد العزيز المقالح تجتمع عوامل مركبة فهو مبدع في لفظه مثلما هو مبدع في تخطيطه وتصوراته، وهو يحمل صفة نادرة يندر وجودها بين الشعراء، إذ من المسلم به في سير الشعراء أنهم أنانيون وكلانيون ونرجسيون ومغلقون على أنفسهم وكثيراً ما يكون شعور الشاعر مبنياً على أنه القطب الكوني الأوحد، وهي السمة التي نسميها بالشعرنة والفحولية المطلقة، ولكنك مع عبد العزيز المقالح ستجد شاعراً عملاقاً ومبدعاً شعرياً فذاً ومع ذلك ستجد رجلاً إنسانياً فذاً في إنسانيته وفي تقسيم محبته بين الجميع حتى ليكتب عن الشعراء الآخرين كباراً وصغاراً من دون غيرة ولا تعال ولا تقليل، ولم يقل إني وكل شاعر من البشر - شيطانه أنثى وشيطاني ذكر، وإن حفظ المتنبي وقدره لكنه لم يصب بمرضه ولا بدائه الشعراني.
المقالح: شاعراً وأديباً عربياً
وكذلك الحال فالسفير اليمني في الرياض محمد علي الأحول آلى على نفسه إلا أن يدلي بدلوه عن المقالح فيقول أن المتابع لحياة ونشاط شاعرنا الكبير د. عبد العزيز المقالح يلاحظ أن أخلاق وطبائع القرية اليمنية قد تركت أثرا كبيرا في سيرته وحياته. ولا غرو في ذلك فقد ولد الشاعر المقالح عام 1937م في محافظة أب قرية المقالح منطقة الشعر وفي وادي بناء تحديدا الذي تغنى باسمه وأطرب كثير من الشعراء والفنانين لحقوله الخضراء وشلالاته البديعة التي تشتهر بهطول الأمطار الموسمية بكميات كبيرة خلال العام وتسمى اللواء الأخضر لجمال طبيعتها ولتنوع زراعة منتجاتها وكذلك لكثرة شلالات المياه والوديان الخلابة، كما أن حياة المواطن اليمني البسيطة في هذه المنطقة حددت مسارا واضحا في حياة عبدالعزيز المقالح، تمثلت في أشعاره وكتاباته المتنوعة سواء الأدبية أو السياسية والتي تلامس نبض ومعاناة الفلاحين والبسطاء في اليمن، كما أن لها أثرا في جانب آخر هو جانب النضال من أجل الحرية والانعتاق والانطلاقة لآفاق جديدة ورحبة تمثلت في تهيئة المواطن والمجتمع لعهد جديد هو عهد الثورة التي فتحت أبواب اليمن واسعة على العالم العربي والعالم الآخر. ولعل كتاب الدكتور عبد العزيز المقالح من الأنين إلى الثورة الذي سجل نضال الحركة الوطنية في اليمن شماله وجنوبه دليل آخر لرؤياه للتحرر من النفوذ الخارجي والعزلة السياسية والثقافية والعمل من أجل إعادة وحدة تراب اليمن الواحد، كما أن إصداراته المتعددة في مجال الفكر والأدب والشعر قد ساهمت جميعها إلى حد كبير في إحداث ثورة ثقافية واسعة.
كينونة التفرد والاختلاف
أما الدكتور عبد الواسع الحميري – اليمن- فله قراءته الخاصة عن المقالح الذي قال عنه أنه استطاع من بين كثيرٍ من المبدعين، أن يؤسس كينونة الاختلاف والتفرد، ليس فقط على مستوى كونه الشعري أو الإبداعي الخاص، وإنما على مستوى كونه الاجتماعي والثقافي على السواء، فكان بحق هذا الكائن-الإنسان المختلف على كل مستويات كينونته - حيواته الخاصة والعامة، أو لنقل: هذا الكائن الرمز الذي نذر حياته الخاصة والعامة لبناء كينونته الرمزية المفتوحة على قيم الخير والحب والجمال، ما مكنه من فرض تألق حضوره الاجتماعي والثقافي والشعري أو الإبداعي محلياً وعربياً وعالمياً.
من دوائر الساعة السليمانية إلى أبجدية الروح
وفي نظر الكاتب ثابت العقاب –الرياض-فالقصيدة عند شاعرنا المقالح ليست تهويماً في متاهات الغموض، بل هي انثيال من حضارات متعاقبة؛ ففيها من جمال السهول وكبرياء الجبال، كما أنها تعبير عما تفيض به الذات الملتحمة بكل ما هو فطري ومقدس.
وهي التعبير الفني الأعمق تأثيراً والأكثر نفاذاً إلى الروح، ولها طقوس وألوان وظلال وإيحاء وحواجز وأمكنة وأزمنة وتصريح وتلميح ومواجهة وغياب وانزياح وتراسل تقترب وتبتعد.. لذلك فالنص بحاجة إلى فك رموزه وقراءة طلاسمه من ذوي الاختصاص بروية لا بعجالة وسطحية أو اجتزاء.
الفتوحات الشعرية الأولى
أما الدكتور عبد المطلب جبر –جامعة عدن- يرى أن النقد الأدبي عندما يلتفت- يمنياً وعربياً- إلى نصوص المقالح في ديوان (مارب يتكلم) 1931 وإلى ديوانه (لابد من من صنعاء) 1971 كان مؤشراً لافتاً إلى حداثة النص الشعري ومعاصرته ومواكبته لتطور القصيدة العربية حتى تلك السنوات. وقد أشارت الدراسات النقدية إلى أن المقالح بهذه النصوص قد رسخ القصيدة الجديدة في أدب اليمن الحديث الذي لم يعد تحطيماً للبناء العروضي التجريدي الموروث ولكنه استيعاب لتقنيات القصيدة الجديدة إيقاعاً وبناء.. وكان ذلك مغايرة وخروجا عن رأي الشاعرة الرائدة الناقدة نازك الملائكة التي لم تر في القصيدة الجديدة إلا أسلوباً (في ترتيب تفاعيل الخليل) أو (ظاهرة عروضية).
قصيدة الحزن
الناقدة العراقية الدكتورة وجدان الصائغ قالت أن الحزن أكسير القصيدة وهذا ما ذهبت إلى تأكيده في دراستها عن الحزن في شعر المقالح ديوان (بلقيس وقصائد لمياه الأحزان ) حيث قالت عن هذه القصائد أنها نجحت في أن تكون بيانا ثقافيا يعكس فجيعة الإنسان المعاصر- أنى كان - الذي يقف عاجزاً أمام مشاهد الدم التي تضرج اليومي والمعاش وثقافة الدمار التي تتسلل شئنا أم أبينا إلى الثقافي والفكري؟! ويضيء في الوقت نفسه تراجيديا المثقف العربي الذي وجد نفسه محشوراً في خضم عارم من التحديات وحركة عينيه الحائرة وهي ترقب الهوة الفاجعة بين ما هو كائن على الأرض من نفي وتشريد وتجويع وإبادة وبين ما يفترض أن يكون من سلام وأمان ونقاء، وارتعاشة أنامله التي لم تجد سوى الكتابة منقذاً من دهاليز الحزن التي ضربها حوله الراهن الملبد بنصال الفتك ووجوه العتمة.
المقالح يخرج من ساعته السليمانية
وأشار الدكتور عبد الله الفيفي إلى أن المقالح : نصير الشباب والتجديد، لا تعتوره عوامل التعرية الثقافية التي تحول دون المزامنة، ومواكبة الإيقاعات المتجدّدة.
وفي كل قراءة فيما يكتب المقالح - من كُتُب، ومقدمات أعمال، أو تعليقات- تلمس حِرْفِيّة مَن يستنطق النصوص بشاعريّة نقديّة، توظّف المعطى النصوصي لسبر آفاق المعطى المعرفي، الكامن وراء الظواهر، في لعبة ذكية، ترتفع بالقراءة إلى الأهم والأبقى من مجرد الترويج لنصّ، وإن كان الرجل مبشّرًا بارعًا بالجَمال، مدشّنًا عريقًا للتحديث الرصين.
مسيرة يمانية رائدة
فيما يراه الكاتب زيد بن علي الفضيل-جدة- امتدادا جوهريا لعبق مخزون ذلك التراكم الثقافي الذي تزخر به اليمن من الأسماء اللامعة في شتى فنون المعرفة ، واختزل في ثنايا وجدانه الإبداعي كثيرا من سمات توجههم المعرفي، القابل بوجود الآخر، المنفتح على آفاق الحوار، الرافض لكل ملامح العنف والإقصاء الفكري، الداعي إلى نشر قيم التفاهم والتسامح، لهذا جاءت شخصيته مكتنزة بأريج قيم تلك التسامح إزاء كل من تطاول عليه بالإقصاء والتكفير جهلا وعدوانا، داعيا كل من هاجمه إلى التروي وتغليب حسن النية امتثالا لأمر الله جل وعلا في محكم كتابه الآمر نهيا باجتناب بعض الظن، مبينا عمق خطورة النظر بسوء النية إلى مختلف الأعمال الفنية الإبداعية لكون ذلك لا يأتي إلا بالكوارث بحسب رأيه المعلن دائما.
صنعانية... كان الزمن ظمآن
وأعترف الكاتب عبدالله ثابت –جدة- أن زميلا له أطلعه على ورقة مكتوبا فيها شعر وتحته اسم المقالح و عندما قرأتها غشّاني بشعورين نقيضين، أولهما كان كمسحة أمانٍ سريعة النفاذ إلى النفس، والآخر كان شيئاً أشبه ما يكون بشحنة كهربائية هائلة، اندفعت بكامل سخونتها على قلبٍ غافل.. وقد كان مكتوبا على الورقة المقطع الآتي:
إلهي
سأعترف الآن إنِّي خدعت العصافير،
إنِّي هجوت الحدائق،
إنِّي اختصمت مع الشمس،
إنِّي اتخذت طريقي إلى البحر منفرداً،
وانتظرت الزمان الجميل،
فما كان إلا السراب،
وما كان إلا الخراب،
ولكنني انصعت للشك،
كابرت،
بعثرت نصف الجنون،
ونصف الضمير،
فأدركني دمّل الوقت،
شاهدت نعشي،
خالطت أشياء لا تقبل التسمية!..
ولم يمض على تلك اللحظة الخاطفة سوى بضعة أشهر إلا وأنا في اليمن، ببيت المقالح نفسه، دون أية نوايا سابقة لأكون هناك، ولو أن أحداً قال لي قبلها بيوم إنك غداً ستبيت في ذاك المكان ما صدقته، حيث لا أذكر إلا أنني فجأةً حزمت حقيبةً صغيرة، وقفزت في السيارة، ماضياً بخوفٍ صغير وفرحٍ صغير نحو اليمن، وعصر اليوم التالي كنت هناك،
و أذكر أنني دخلت مقيل المقالح وجلست كما لو أنني أعرف أين هو مكاني أنا بالذات. لقد كنت أتصرف بطمأنينة بالغة، كأنني ترددت على نفس المكان ألف مرة قبل ذلك الحين.. وحيناً آخر كنت أتصرف كما لو أنني نذرت أن أفتش في الأرض عن قائل الكلمات التي مسّتني، وطافت بي لأقاصي الشك واليقين معاً.. معاً، في تلك القصاصة. وحيناً كان يغمرني سكونٌ إنسانيٌ خالصٌ وأصيل، وكأن نبرته وهو ينطق ب(إني اختصمت مع الشمس. إني اتخذت طريقي إلى البحر منفرداً) جذبتني وأخذت تختصر الأيام حتى أجلستني فجأةً في بيته، ليس بيني وبينه سوى بضعة أقدام.. وهو متكئٌ على يساره، ساكناً وهادئاً بوقار جليل قبالي، كأنه للتوّ فرغ من صلاة.. ولطالما تخيلت أنني سأرى رجلاً شديد الصمت، يشي وجهه بعذابات نفسه وتأملاتها.. وهكذا كان!
أتذكر كيف راودتني رغبةٌ كامنةٌ في البكاء هناك، وودت لو أني كنت أملك من الجرأة ما أستطيع به أن أقول إنني أريد أن أمشي إلى البحر منفرداً..
تجليات الروح
ويجزم د. عادل الشجاع من اليمن إن المقالح يعد أحد أبرز شعراء الحداثة العربية منذ الستينات وحتى وقتنا الراهن، ولعل خصوصيته الشعرية تنبع من امتلاكه مشروعاً شعرياً واكب معظم التغيرات والتحولات الاجتماعية والسياسية والثقافية والإبداعية على مدى أربعة عقود. لقد استطاع أن يستوعب كافة تلك التغيرات والتحولات دون أن تسلبه خصوصيته.
كونه يحتفي باللغة إلى حد الافتتان بها، مما يجعل دراسته مغامرة تستحق التجريب، حيث إن الحضور الطاغي للغة يستحضر معه دائماً إمكانية شديدة الخصوصية للتأويل والاختلاف والتنوع الدلالي.
وأضاف في دراسته عن المقالح: أن الكتابة لديه فعل روحي حي من أفعال التخلق الذاتي، حيث لا يشعر الإنسان بروحه إلا من خلال وجوده في العالم المادي.. ولذلك فالمقالح مهموم بتفجير وتثوير الواقع من خلال رؤية جدليته، يتوسط فيها وعي النص بين الإنسان والعالم.. وتصبح اللغة فعلاً من أفعال الروح التي تكتب نصها كي تتحرر من الاستلاب والتشيؤ.
فالاهتمام بالجانب الروحي داخل النص الشعري للمقالح لا يقتصر على الانشغال بهموم الواقع المباشر، بقدر ما يطرح بعداً كونياً لحركة وجود الإنسان داخل العالم.
وينتهز الشجاع صدور هذا الملف عن المقالح لإطلاق دعوة قوية إلى تكريم هذا الشاعر العظيم بما يليق به، وهو حي يرزق، بدلاً من أن ننتظر، كما نفعل دائماً، رحيله عنا كي نتذكر عظمته. إن المقالح ثروة قومية لا ينبغي التغاضي عنها أو التعامل معها بما لا يليق بعظماء الشعراء في مجتمع ما. نحن أمة تحفظ من تراثها الغث، فليكن هذه المرة أن نحيي تراثا نبيلاً بحق. إنني أدعو اليمن بلد الشاعر والمؤسسات العربية أن تحتفي بهذا الشاعر وتكرمه وإطلاق مؤسسة ثقافية وجائزة علمية باسمه وإعلان منتدى المقالح وظيفته الأساسية أن يكون منتدى للباحثين والدارسين والشعراء والعمل على ترجمة أعماله إلى لغات أجنبية.
كذلك أتوجه بالدعوة لأصحاب المال العرب أن يقوموا بعمل مشرف لهم يخلد ذكرهم، وهو أن يتبرعوا بالمال لمؤسسة ثقافية باسم المقالح.
ثلاثية نقدية في المنظور الفكري للمقالح
وفي دراسة للناقد العراقي د. حاتم الصكر المقيم في اليمن بعنوان (ثلاثية نقدية في المنظور الفكري للمقالح) يشير إلى أن الباحث يحس عندما يقترب من تجربة المقالح النقدية التي سارت متطورةً باطراد على مدى عطائه الأدبي - إلى جنب تجربته الشعرية، أنها لم تأخذ منها بريقها أو تعيش على هامشها... فهو من بين قلة من الشعراء النقاد ما زالت إسهاماتهم النقدية ذات حضور وتفاعل وتأثير، تتابع الجديد والمستجد في الأشكال والأساليب الشعرية، وتخوض في قضايا النقد وتبدلات آفاقه ومناهجه، وترصد النتاج الشعري وتحلله.

وبحسب رأي الصكر فإن المقالح بدا في جهده النقدي في السنوات العشر الأخيرة متأثراً إلى حد ما بمناهج القراءة والتلقي وتركيزها على عملية تقبل (واستقبال) النص كجزء من عملية قراءة فاعلة تعيد ترميم النصوص وبناءها، رغم أنه يتحفظ صراحة على نظرية التلقي التي - في نظره - (جعلت من الناقد مجرد متلقٍ لا أكثر، صحيح أنه متلقٍ واعٍٍ في تعامله مع النص المقروء إلا أنه في نهاية الأمر قارئ ما يكاد يقترب في قراءته من نص يثير استجابته، حتى يسارع إلى رصد هذه الاستجابة وتسجيلها في نصّ نقدي، وتلك هي رؤية النقد الأدبي القديم بعينها مع تحوير في العبارة، وإسهاب في التفاصيل التجريدية).
الشاعر والناقد
الدكتور محمد بن عبدالله منور- الرياض - كشف عن مأخذ وحيد محسوب على المقالح و هو: حجبه هو ورفيقاه عبدالله البردوني ومحمد محمود الزبيري لما سواهم من الجيل الأدبي اليمني، وذلك بسبب سطوع شموسهم الأدبية حتى غطت على كواكب الشعر والأدب في اليمن بحيث بات الناظر في الأدب اليمني المعاصر لا يرى فيه شخصية بارزة شامخة سوى قامات المقالح والزبيري والبردوني فينشغل بهم عمن سواهم من الطاقات الأدبية والشعرية والنقدية التي عاصرتهم أو جاءت بعدهم، و قال منور أن الذنب ليس للمقالح ورفيقيه ذنب في ذلك الاختزال الأدبي لليمن في أشخاصهم، ، بل الذنب ذنب الناظرين والباحثين في الأدب اليمني المعاصر الذي ينبهر بشخصية المقالح المبهرة فعلاً فيقف عندها طويلاً ويدع ما سواها من أدباء اليمن.
وأردف قائلاً: فهل يجوز لنا القول بأنه من أجل إحياء الجيل الأدبي الذي جاء بعد المقالح أن نقتل في أنفسنا شخصية المقالح الأدبية حتى نتيح الفرصة لمن سواه من الجيل الأدبي اليمني الجديد بالبروز والظهور والحياة؟!
تجربة نقدية نادرة
و يقول د. أحمد المنصوري –جامعة صنعاء –في دراسة له أن التجربة النقدية للمقالح نادرة فكما أنه يؤمن بأن الشعر ينبغي أن يجمع بين المتعة والفائدة هو أيضا يجعل النقد ذا هدف في تنمية الوعي الإنساني والقومي والوطني، ويكشف عن القيم وجوانب الأصالة، لذلك نجد أن القضايا القومية والوطنية والإنسانية تلمح في مشروعه النقدي فتبدو شخصية الناقد ممتزجة برجل الأخلاق والقيم والسياسة والانتماء.
ومثلما هو باذخ التواضع حضاري التعامل هادئ متوازن في شخصه، هو كذلك في أطروحاته النقدية التي تسير على النهج نفسه من التوازن والهدوء وعدم الشطح أو الضجيج، ونقده بالجملة نقد منطقي وواع لا توهيم فيه ولاتعميم ولا طلاسم، وأسلوبه لا لبس فيه ولا تعقيد أو مبالغة.
وكما هو عظيم في تواضعه فهو عظيم في شعره و نقده.
فهو ناقد بلا ضفاف، تختفي خلف شخصيته المتواضعة الهادئة شخصية شديدة الحساسية للأشياء وهنا تبرز شخصيته الشاعرة، وشخصية شديدة الالتقاط وتقدير الأشياء وهنا تبرز الشخصية الناقدة، ومن النادر أن تلتقي شخصيتان في ذات واحدة كما هي في ذات المقالح.
لماذا يخاف المقالح من ركوب الطائرة؟
كذلك لم ينس محمد عبد الرزاق القشعمي- الرياض- تبرير عدم ركوب المقالح الطائرة قائلاً: سمعت فيما بعد أن المقالح لا يركب الطائرة وأنه مثل غيره ممن يخاف ركوبها، ولهذا فهو قليل السفر في الفترة الأخيرة.. وقد بقي هذا السؤال في ذهني لأكثر من ربع قرن حتى قابلته على هامش معرض الكتاب في صنعاء عام 2005م وفي منزل الشاعر محمد عبد السلام منصور حيث سألته هذا السؤال؟ فأجاب: بأنه قبل ثلاثين عاماً وعند توليه إدارة جامعة صنعاء كانت تأتيه دعوات من بعض الجامعات والمؤسسات المماثلة في الدول العربية وغيرها وكان يحضر بعضها.. فسمع أن البعض بدأ يلمزه بأنه يخص نفسه بالمهام والسفرات ولا يعطي غيره مثل هذه الدعوات.. فاتخذ موقفاً حاسماً بأن لا يسافر أو يلبي أي دعوة. فكان غيره من مسئولي الجامعة يمثلونها في مثل هذه المناسبات.
ويقول-الكلام للمقالح - رغم أنني عضو في كثير من المؤسسات العلمية واللجان في بعض العواصم العربية مثل (عضويته لمجمعي اللغة بالقاهرة ودمشق) إلا أنني لا أحضر اجتماعاتهم بل أرسل مشاركاتي مكتوبة، فعندما تكرر للآخرين عدم سفري أشاعوا بأنني أخاف ركوب الطائرة.


تآلفات المقالح وتناقضاته
ويكتب د.هيثم الحاج علي –جامعة حلوان –عن تآلفات المقالح وتناقضاته حيث قال أن التناقض هو أول العناصر الواضحة التي استطاع المقالح إن يؤلف - يؤالف بينها وإن بدت متنافرة، فهو المدني بحكم إقامته، القروي بحكم نشأته وهويته، وهو الواقف على نقاط التماس بين الدائرتين، لذا فهو المستطيع - عبر محاولات نفي كل منهما له ومقاومته لهذه المحاولات - أن يري ما بينهما جليًا:

ألا يمكن إزالة الجفوة القائمة بين المدينة
والقرية
وهل من تفسير معقول للصداقة اللدودة
القائمة بين ساكن المدينة
وساكن القرية؟
كتاب القرية - اللوحة الثانية والثلاثون (

ويعلق الحاج أن هذه الجفوة، وتلك الصداقة اللدودة هما الطرفان اللذان يحكمان هذه العلاقة التي يقف الشاعر على حدها الفاصل.


الوعي والقبول بالآخر
كذلك تضمن الملف لقاءا مع الشاعر الدكتور عبدالعزيز المقالح أجراه معه في صنعاء الزميل عبد المنعم الجابري وفيه أكد المقالح عدم وجود عداء بينه وبين أي من التيارات الإسلامية فكرية كانت أم سياسية سلفية أو معاصرة.
كما اعتبر السياسي في الوطن العربي هو من قاد المثقفين إلى مثل هذه الوضعية المتردية من الاحتقانات الذاتية التي قال إنها تركت على جسد الواقع العربي من جراحات وندوب لا تبرأ.. مؤكداً في الوقت نفسه أن السياسي العربي كاد يقود الأمة والتاريخ إلى حافة الهاوية لولا بقية من العقلاء والصامدين في وجه العواصف التي تهب على الصعيدين العربي والكوني.
وأضاف في سياق إجاباته على أسئلة (الثقافية) أن انتشال الواقع الثقافي العربي من حالة العزلة والخمول يمكن بمزيد من الوعي والقبول بالآخر، وبإدراك الأنظمة أن الثقافة هي الكلمة، وأن الكلمة الواعية الهادئة بمقدورها أيضاً أن تنزع الوطن كله بل الأمة كلها من حمأة الهزيمة..

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "قضايا"

عناوين أخرى

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2024 لـ(الميثاق نت)