جميل مفرِّح - لن أقضي أجمل سنين حياتي في ترقُّب نوبل، كما فعل درويش ومات قبل أن يدرك ذلك، أو كما يفعل أدونيس، الذي لم ييأس بعد.. أنا فقط أطارد بروق الهذيان، وأقص أثر النعاس.. النعاس الذي صار أكثر جموحاً من كاتب مسرف في التعاطي، وحيد الليالي على مشارف القرن الخمسين..
العاشرة صباحاً مسنة أكثر مما يجب، وأنا لا تليق بأحلامي أنثى مصابة بالشيخوخة المبكرة وموبوءة بالنسيان.. الزهايمريات التي مررت بهن كثيرات جداً، ورصيدي من الخذلان كافٍ لأن أعيش دهراً طويلاً متكئاً على منسأتي كسليمان..
النساء هدايا السماء عندما لا يكن زوجات، وأشياء زائدة عن الحاجة حين لا يكن حبيبات.. ومع ذلك لا يزال لدي عدد من الصديقات، اللاتي لم يرغبن أن يكن من هؤلاء ولا أولئك.. من أجل هؤلاء فقط كان ولا يزال على السماء أن تعيد النظر في نسبة الماء واليابسة..
وما شأن الماء واليابسة..؟!
لا أدري..!!؛ شيء ما خَطَرَ ببالي قبل أن أتوقف عن الهذيان لإشعال سيجارتي التاسعة عشرة، ثم لم أستطع أن أتذكره عندما استأنفت الكتابة..!!، هكذا تجري الأحوال في الغالب، فتغدو مطية للاعتياد..
أجمل امرأة عرفتها في حياتي، غضبت مني حين وصفتها، في نَصٍّ ما، بالأنثى، ونفتني تماماً من عالمها عندما أضفت بأنها فاتنة.. وأكثر أصدقائي حميمية حاول الانتحار في مائدة فاخرة بحسكة سمك، لأنني وصفته بالرجل الطيب..!!
لا أدري أحياناً ما إذا جئت في غير وقتي، أم أن بعض من أحبهم هم الذين جاءوا في وقت لا يناسبهم..!!؛ هناك خطأ ما، غير أني لست معنياً بإصلاح أخطاء الآخرين، وليس لدي سعةٌ من الاحتمال لأناقش أخطاء الطبيعة والمشيئة..
لا أدري ما الذي جرَّني قبل عام من الآن إلى جدل لا إتان لي فيه ولا حمير.. جدل حول حوار الثقافات وجدل الأديان، وجدتُ نفسي في نهايته ملعوناً ومهدداً باجتزاز رأسي من على كتفي..!!
وأنا في الحقيقة فقير، لا أستطيع أن أمتلك رأساً أخرى، أستعيض بها عن هذه الدحية، التي أستخدمها في كل تفاصيل حياتي.. على الأقل لئلا أتخلى عن مخدتي التي اشتريتها في سن السابعة عشرة، ولا تزال أثيرة ومليئة بالأفكار والمفاجآت..!!
أخاف على هذا الهذيان اللذيذ، من الإعلانات المتوحشة للعقارات ومكائن الحلاقة الخاصة بالأماكن الحساسة.. لا أشك في أن ثمة علاقة يراها المعلنون بين الكتابة وعرض البضائع الكاسدة.. ولا بد من وجود رابط وثيق بين بعض الكتابة والمكائن الخاصة بالمناطق الحساسة..!!
على سبيل المثال حين أكدح في السياسة لأعيش، أو أكتب عن الأصدقاء السيئين لمجرد ركل الغياب في مؤخرته، سرعان ما أشعر وكأن الكتابة تأتي من تلك المناطق، لذلك أوصد دونها حواسي حتى تعبر إلى الجهة الأخرى من رغباتي، ثم أتظاهر بأني لم أرتكبها أو أشعر بها...
لا أسمح لأحد بأن يعاتبني أو يلقي بوجهات نظر مخالفة لمجرد المخالفة تجاه شيء كهذا الهذيان.. إنه لي لوحدي، ولا ألزم أحداً به، حد أن يصل إلى هذه الخاتمة التي ربما تنم عن توحُّش غير معتاد، أو غير لائق بكاتب وشاعر له العديد من المؤلفات وتثلج صدره المجاملة العابرة..!!
|