د. عبد الوهاب الروحاني - كل يوم جديد تطلع شمسه يفاجئنا العالم بإنتاجات علمية جديدة ومذهلة.. هذا العالم ليس عالمنا بالتأكيد، بل هو عالم النصارى، والملاحدة الكفار، سمُّوهم ما شئتم، وأطلقوا عليهم من الشتائم والنعوت ما تسعفكم به الذاكرة..
العلماء الصينيون ينجحون في علاج مريض مصاب بالسكري من المستوى الثاني (الأخطر في أمراض السكري) عن طريق عملية زرع الخلايا المبتكرة المنتجة للأنسولين في البنكرياس، وكانت النتيجة أن المريض تعافى وتوقف عن استخدام أدوية الأنسولين التي لازمته لأكثر من 25 عاماً..
حينما أقرأ هذا النوع من جديد العالم المنتج وابتكاراته أتساءل دوماً:
• لماذا هؤلاء ينتجون ونحن نتقاتل وندمر؟!
• لماذا هم مشغولون بحاضرهم ومستقبل أجيالهم، ونحن مشغولون بالتاريخ وببعضنا؟!
هؤلاء مشغولون بحاضرهم.. يبحثون بعمق فيما يفيد مجتمعاتهم والعالم من حولهم.. تفيض أنشطتهم وأخبارهم هذه الأيام بأبرز الابتكارات في علوم الطب والفضاء، وخيال الذكاء الاصطناعي، الذي أصبحوا به مقتدرين على قراءة العقول واستعراض ما تفكر فيه بنبرة صوت، أو بعين كاميرا أو بزرع شريحة، بينما نحن مشغولون بفتاوى ابن القيّم وابن تيمية، أو الإمام زيد والهادي وصفوان وأبو بصير الأزدي، أو أحاديث البخاري وابن حزم..
بين العلم والترهات!
هؤلاء "النصارى والكفار" يكتشفون كل يوم عِلماً جديداً من علوم الأرض والسماء، ونحن نكتشف مشجرات وبصاير وأنساب.. يبحثون في أسرار الكون وعلوم الفضاء، ونحن نبحث في أسرار وخصوصيات الناس..
يبحثون في العلاجات الجينية التي تُعتبر من أهم وأحدث الابتكارات في علاج الأمراض المستعصية، ونحن نبحث في الروحانيات وكتب المنجّمين.. هم يبحثون في الطاقة المتجددة، ونحن في اليمن بالذات عُدنا للبحث عن الفانوس و"البرموص" و"القازة" وسائل الكيروسين..
هم ينقّبون في "الحوسبة الكمومية" كأبرز اختراع مُرتقَب للسرعة الهائلة في معالجة البيانات، ونحن في أحسن الاحوال نبحث فيما كُتب قبل 1400 عام مضت.. ننقّب في التاريخ.. نزيد وننقص فيه بما يشبع حاجتنا في "الشطح والنطح" والكذب على أنفسنا وأبنائنا.. نغرق في ترهات وسفاسف الأمور، ونتجاهل واقعنا الذي ينزف، ونضيع مستقبل أجيالنا ومجتمعاتنا..
هؤلاء ينتجون كل يوم وسيلة جديدة وتقنية حديثة في الاتصال لتقريب المسافات بين الناس وتوضيح الصور وتذويب الفوارق.. ونحن عما يفرّق جمعنا، نبحث في أصول الناس وأعراقهم وجهاتهم وجيناتهم..
يشيّدون المتاحف والمكتبات العملاقة في مدنهم وقُراهم، ونحن نحرق الكتب ونهرّب الآثار.. يبنون الجسور العملاقة والطرقات المعلقة، ونحن نقطع الطرق ونمنع حركة الناس ونقتل الحياة..
للأسف، نحن ننتج لمجتمعاتنا الحروب ونخلق المجاعات، ونثير الفتن، ونحارب العلم، ونهجر العلماء، ونبيع ونشتري في أوطاننا لخلافات سياسية أو دينية فرعية لا علاقة لها بدين ولا بمذهب أو مُعتقَد..
هذا هو حالنا، وذلك هو حالهم.. نعم، نحن عرب ومسلمون، ولنا إرث عظيم من القِيَم والأخلاق الحميدة، ولنا تاريخ مجيد، وحضارة أسهمت بشكل لافت في صناعة الحضارة المعاصرة.. لكنها كانت وماتت، وانقطع اتصالنا بها كما انقطع اتصالنا بالحضارة المعاصِرة، ولم يبقَ لنا من تاريخنا وأمجادنا إلا الذكرى والبكاء على الأطلال.
|