|
|
|
الميثاق نت - بليغ الحطابي : - يقدر مختصون ومسئولون صحيون أن 60٪ من الأدوية الموجودة في السوق، مهربة بما يزيد عن 20 ألف صنف مهرب أو غير مسجل لدى هيئة الأدوية، تصل مخاطرها إلى الوفاة..
وتصنف الظاهرة دولياً كسلاح فتاك وعدو حقيقي يفتك بحياة المواطنين، وبالذات البسطاء الذين يُقبِلون على شراء هذه الأنواع الرخيصة..
"الميثاق" حاولت الاقتراب من هذا الملف الشائك.. فكانت هذه الحصيلة..
أطفال اللوكيميا..
ليست قضية "أطفال اللوكيميا" بمستشفى الكويت بصنعاء هي الوحيدة التي ذهبت أدراج الرياح، فلم نشهد محاكمة ولا عقاباً لأحد ممن ارتكبوا أو اتُّهموا بارتكاب الجريمة والتورط فيها.. لا من الأطباء ولا الصيادلة ولا الشركات الموردة، كما لم يظهر حتى اليوم مجرم أو متهم سوى بضع بيانات تستنكر الجريمة، أو جرائم القتل بالدواء.. واكتفى المسؤولون بتحويل القضية للقضاء، وتعويض أسر الضحايا العشرة، مع إجراءات بسيطة تخلو من التعاطف الإنساني والأخلاقي، بقيام المسؤولين بسحب الدواء المذكور، وإغلاق الصيدلية التي باعت الدواء..
هذا التذكير ليس سوى مدخل تمت الاستعانة به للولوج للحديث عن الظاهرة التي تسببت وتتسبب في قتل العشرات والمئات دونما وازع من ضمير، أو رادع من قانون.. وأسهمت في إيجاد مآسٍ كثيرة، ومعاناة كارثية على المواطن والوطن على المرضى..
حيث يقول مختصون: قد ساعد غياب القوانين والإجراءات العقابية الرادعة في انتشار الظاهرة بشكل مخيف، وتزايد عدد المتضررين من تلك السموم التي تدخل البلاد، كما تضاعفت خسائر البلد والتي تتجاوز مليارات الدولارات، بحسب تقديرات مختصين..
العدو الفتاك..
تصنف الأدوية المهربة أو مجهولة المصدر سلاحاً فتاكاً وعدواً حقيقياً يفتك بحياة المواطنين عند تعاطيها، ولها آثار خطيرة على صحة المرضى الذين يتناولونها،
بحسب طبيب اختصاصي في علم الأدوية..
ويضيف: أن الأدوية المهربة إما أنها لا تحتوي على المادة الفعالة، بالإضافة إلى أنها غير مضمونة الصلاحية المكتوبة عليها، إلى جانب ما يشوبها من سوء التخزين وتعرضها لعوامل التعرية كالحرارة والرطوبة أثناء النقل والتهريب..
ويشير إلى أن ظروف التخزين والنقل الخاطئة تؤدي إلى تلف هذه الأدوية وتفاعل المواد الكيميائية، حيث لا تتم مراعاة حساسية المواد بأنواعها المختلفة، فتُلحِق ضرراً بصحة المرضى؛ فالمهرب ليس سوى سمسار لا يهمه سوى جني المال وليس بتلك الدرجة العالية من المعرفة حتى يراعي تلك الظروف لحماية وحفظ الدواء..
ويتابع حديثه قائلاً: “إن هناك أمراضاً تحتاج أدويتهم إلى عناية خاصة مثل الذبحة القلبية والسرطان والكبد والفشل الكلوي، وعند التداوي بأدوية لا تحتوي على كميات صحيحة من المواد الطبية الفعالة يؤدي إلى فشل المعالجة وتفاقم الحالة الصحية لدى المرضى مما قد يؤدي إلى وفاة المريض”..
ويحذّر طبيب آخر من مخاطر تناول المضادات الحيوية المزورة، كونها تحتوي على تراكيز أقل من التراكيز العلاجية المفروضة، أو تحتوي على سُمّية أو شوائب تؤدي غالباً إلى الفشل الكلوي وأمراض الجهاز المناعي والجهاز الهضمي والسرطان، وقد تؤدي إلى الوفاة..
تزوير علامات..
فقد وصل الأمر بحسب حديث عبدالسلام محمود -صيدلي- إلى قيام مصانع محلية بتزوير الأدوية والعلامات التجارية لشركات عالمية في لحج وذمار وحضرموت..
واستدرك: «لكن الأخطر في الأمر هو الكشف عن وجود معامل محلية لتعبئة الأدوية المزورة وطباعة أغلفة لأدوية عالمية وبيعها في السوق، حتى الآن اثنان من هذه المعامل أو المصانع تم كشفها بصنعاء فقط»..
ولا يستبعد أحد المواطنين (نحتفظ باسمه) أن من يقف خلفها مسؤولون في الدولة وقيادات كبيرة بمشاركة عدد من تجار وأصحاب شركات الأدوية..
تجربة مريرة..
(أحمد)، اسم مستعار، يتحدث من واقع تجربته الشخصية ومعاناته التي تتجدد كل شهر، نتيجة البحث عن دواء زوجته المصابة بالسرطان.. حيث يقول:" أعاني شهرياً من صعوبة توفير أدوية خاصة بمرض زوجتي، التي تحتاجها بشدة لعدة سنوات من أجل التعافي من مرضها المتمثل في سرطان الثدي الذي بدأ ينتشر في العمود والحوض..
ويضيف: وفي سبيل ذلك أتجرع المُرّ حتى أتمكن من الحصول عليها، وإذا وجدتها فإنها باهظة الثمن جداً تُثقل كاهلي، كما تُثقل كاهل كل مصاب بهذا المرض ومن يستخدم هذا العلاج كونه علاجاً فعالاً ويعطي نتائج ممتازة بحسب اتصالات أجرتها "الميثاق" مع عدد من أطباء مركز الأورام في صنعاء..
إن هذا الدواء فعال، وهو إنتاج شركة فايزر الأمريكية، لكن لديها مصانع في دول عربية كمصر على سبيل المثال؛ وهذا الدواء يصل قيمته إلى ما يزيد عن (800) دولار..
غلاء فاحش..
في جانب آخر من الملف ينتقد مواطن في صنعاء واقع الغلاء في أسعار الأدوية كنتيجة طبيعية للحصار المفروض على البلاد وما يترتب عليه من إيقاف للسفن عرض البحر لأشهر طويلة؛ وهو ما قد يتسبب أيضاً في تراجع فاعلية الدواء، وقبل ذلك زيادة كلفته، وبالتالي ارتفاع سعره..
ويدفع المواطن اليمني فواتير كثيرة بفعل هذه الحرب، فأغلب اليمنيين لا يستطيعون في واقع الأمر شراء الأدوية لمرضاهم، نتيجة غلائها الفادح في السوق، وهذه نتيجة طبيعية لمنع دخول الأدوية بطريقة سلسة، وإيقاف السفن عرض البحر لأشهر طويلة ترتفع معها التكلفة، وفي ذات الوقت قد تفسد الأدوية، ولكن حتى بعد أن يُفرج عنها فإن مختلف الأطراف يفرضون ضرائب وجمارك إضافية عليها، ما يجعل الفقراء يحلمون مجرد حلم في التطبب والحصول على الدواء، خاصةً أولئك المصابين بأمراض مزمنة..
أسباب..
ومن محافظة عدن يرى الصيدلي وسيم محمد، أن من بين أسباب زيادة الأدوية المهرّبة التدهور الكبير في قيمة العملة اليمنية الذي جعل الشركات الأوروبية التي تصنّع الأصناف الأصلية والفعّالة تتوقف عن التصدير إلى اليمن في ظل عدم القدرة الشرائية للمواطنين؛ كما أن هذه الشركات تحرص على سمعتها التجارية التي قد تتأثر بعدم ضمان سلامة النقل والتخزين نتيجة الأوضاع السائدة في اليمن، وفي مقدمها انقطاع الكهرباء..
تجار حرب الأدوية..
بينما يكشف مندوب علمي في شركة أدوية في عدن، عن جانب من تجارة الأدوية حيث يقول: "استغل تجار أدوية الأوضاع السائدة، ونفذوا عمليات تهريب الأدوية بالتعاون مع مسؤولين في الدولة شكلوا معهم شبكة واحدة، وتضمنت العمليات إدخال أدوية بطرق غير قانونية، وعدم إخضاعها لأي إجراءات رقابة، ما ساهم في انتشار أصناف مزوّرة مجهولة المصدر، وبيع أخرى صُنّعت في اليمن وخارجه من دون التنسيق مع الشركات الأم، وبيعها في الأسواق باعتبارها مقلّدة للأصناف الحقيقية..
وهذا الأمر أكثر خطورة صحياً على غرار إدخال أدوية منتهية الصلاحية جرى إعادة تغليفها وإنزالها إلى الأسواق.. ورغم أن المستهلكين يستطيعون تمييز الأدوية المهرّبة في معظم الحالات من خلال التدقيق في أختام الوكلاء المستوردين، إلا أن الوضع الاقتصادي الصعب يجعلهم يشترونها لأن سعرها أرخص، دون الاهتمام بمخاطر استخدامها"..
أين يذهبون..؟!
كثيراً ما نقرأ في المواقع الإخبارية عن عمليات ضبط أطنان من الأدوية المزوَّرة في صنعاء وتعز وأبين ولحج وعدن وإب وغيرها، لكن في النهاية لا نسمع عن معاقبة المجرم..
يقول أحد المواطنين، رفض نشر اسمه، إنه يتم تسجيل القضية ضد مجهول بعد أخذ ملايين الريالات لتوزيعها بين مسؤولي النقاط الأمنية ومكتب الصحة وآخرين في النيابات والقضاء، ليتم في الأخير تحريز الكمية والاكتفاء بحرقها؛ بينما المجرم يبحث عن طرق احتيالية أخرى لإدخال شحنة سموم أكبر وأشد وطأةً وفتكاً بحياة الناس.. وهكذا تجري الأمور..
ويُقِر أحد الأطباء بضعف الإجراءات المتخذة لمنع دخول الأدوية المزورة، ويرجع ذلك -بحسب مسؤولين صحيين- إلى غياب التنسيق بين وزارة الصحة ووزارة الداخلية، رغم أن الأجهزة الأمنية تضبط بعض الأدوية المهربة وتتلفها..
قصور قانوني فاقم المشكلة..
يضاف إلى قصور إجراءات الرقابة على الأدوية المهربة، قصور في التشريعات القانونية المتعلقة بالأمن الصحي والدوائي، مما تسبب في تفشّي مشكلة التهريب، بحسب “د. محمد عبدالله” اختصاصي في الأمن الوقائي بوزارة الصحة.. ويرى “أن العقوبات القانونية على المهربين ومزوّري الأدوية ليست بمستوى الجريمة، ناهيك عن أن اعتماد الاستراتيجية الوطنية فيما يتعلق بتأمين الدواء لا تختلف عن استراتيجية تأمين الغذاء وتقنية المعلومات”..
ويختتم “عبدالله” بتوضيحه أن ربط مهمة الرقابة على الأدوية بعدة وزارات، منها وزارة الصناعة ووزارة الصحة ووزارة الإدارة المحلية والمجالس المحلية، قد شتَّت جهود الرقابة وحَدَّ من فاعليتها وسمح بوجود ثغرات قانونية استطاع من خلالها المخالفون النفاذ..
لوبي تعز..
ومن محافظة تعز يقول الدكتور سامي -صاحب صيدلية: على مستوى محافظة تعز "هناك لوبي -يضم مسؤولين في الدولة وقيادات عسكرية وأمنية ومهربين وتجاراً- يقود عمليات تهريب الأدوية، فضلاً عن الفوضى الأمنية في المحافظة وغيرها؛ وغياب دور الهيئة العليا للأدوية والجهات المعنية وانقسام وتشتت الأدوار يدعم العمليات التهريبية"..
ويتابع: "تنتشر الأدوية المهرّبة في الصيدليات والمستشفيات والمراكز الصحية، ولا يجري سحبها وإتلافها؛
وحين يتم عمل حملة مداهمة -وهذا نادراً ما يحدث- تنتهي بمصادرة الكمية وإغلاق الصيدلية فقط، بينما يُترك صاحب الصيدلية ومن يبيع الموت للمواطن..
والمستغرب -والحديث ما زال للدكتور سامي- أن الزبائن يطلبونها بشكل كبير بسبب أسعارها المتدنية مقارنةً بتلك التي تدخل البلاد بطريقة رسمية"..
ويُخبِر صيادلة "الميثاق" أن معظم الأدوية المهرّبة تأتي من دول القرن الأفريقي عبر سواحل مدينة المخا بمحافظة تعز ورأس العارة في محافظة لحج، وأيضاً من منافذ برية في محافظة المهرة كما تهرّب كميات أقل، جواً..
ووفقاً لإحصاء أجرته الهيئة العليا للأدوية في صنعاء بلغت فاتورة استيراد الأدوية في اليمن نحو 88 مليار ريال سنوياً..
نقاط تهريب..
ويشير صحيون إلى أن "المنافذ تحوَّلت، في ظل سقوط هيبة القانون وسيطرة الجماعات المنفلتة، إلى نقاط لتهريب الأدوية بسهولة ويُسْر بمجرد أن يتفق المهرّب على الأرباح مع مسؤول في الجهة التي تحصل فيها عملية التهريب، وهما لا يخافان من مصادرة الأدوية أو أي محاسبة"..
واقع مؤلم..
وقد رأت منظمة الصحة العالمية في تقرير لها، أن الدول الواقعة في مناطق النزاعات والأزمات تعاني بصورة أكبر من غيرها لعدة أسباب، منها أنها تقع ضحية ما يُعرف بسموم الصناعات الدوائية..
وأشار التقرير إلى أن واحداً على الأقل من كل عشرة عقاقير تُباع في الدول النامية، ومنها اليمن، وهو لا يتمتع بمواصفات الجودة المطلوبة ما يؤدي إلى وفاة عشرات الآلاف بينهم العديد من الأطفال..
وأضاف: "الأدوية المهربة غطَّت السوق ولا يمكن لنا أن نصل إلى العلاج الجيد"..
في هذا السياق، يشير مدير التموين الطبي للإمداد الدوائي في وزارة الصحة، إلى أضرار الأدوية المهربة، حيث يتعذر معرفة إذا ما كان الدواء حقيقياً أو أنه مصنوع من مادة أخرى..
قوانين وتشريعات حاضرة..
كما تُعد الإجراءات البيروقراطية لمنح تراخيص لوكلاء وشركات الأدوية المحلية وجهاً آخر للأزمة، فمنذ اندلاع الحرب انقسمت هيئة الأدوية إلى قسمين مستقلين بين صنعاء وعدن؛ وتصدر كل من الهيئتين ما يُسمى بالتصريح الاستثنائي الذي تستفيد منه الشركات القديمة والجديدة، ما فتح الباب أمام مستوردين جدد؛ فضلاً عن تشتُّت الأدوار وضعف الرقابة على الدواء بشكل عام..
ورغم وجود تشريعات وقوانين في الدستور اليمني لضبط عمليات التهريب، إلا أن الحرب ساهمت في تعطيل أغلب القوانين في جميع مناحي الحياة ومنها تلك المتعلقة بضبط التهريب..
ولفت إلى الحاجة لمراقبة المنافذ البرية والبحرية للحد من التهريب، وأن تقوم الجهات الصحية بدورها في تفتيش مخازن الأدوية وضبطها ومصادرتها ومعاقبة المهربين..
وبحسب القانون اليمني، يحظر الاتجار أو بيع الأدوية المهربة والمزورة، كما تحدد القوانين مهام الجهات الحكومية في مكافحة تهريب الأدوية، لكن ما حصل ويحصل على أرض الواقع، هو أن الأطراف المسؤولة لجأت إلى تبادل الاتهامات والتنصُّل عن المسؤولية الكاملة تحت ذرائع مختلفة.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تعليق |
إرسل الخبر |
إطبع الخبر |
معجب بهذا الخبر |
انشر في فيسبوك |
انشر في تويتر |
|
|
|
|