استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني - الأسبوع المنصرم احتفى أدباء اليمن ومثقفوه بالذكرى الثانية لفقيد الأدب والفكر العربي الشاعر عبدالعزيز المقالح..
وأقيمت الفعالية تحت شعار “الذكرى والذاكرة”، في قاعة مركز الدراسات والبحوث اليمني في صنعاء، بحضور مشاركة واسعة لأدباء وكُتاب ومثقفين يمنيين امتلأت بهم القاعة، جاؤوا لتخليد فقيد اليمن وشاعرها؛ معبّرين عن امتنانهم وتقديرهم لمسيرته الأدبية والفكرية التي شكلت جزءاً أصيلاً من تاريخ اليمن الحديث..
خلال الفعالية ألقيت العديد من الكلمات تحدثت عن مناقب الفقيد وإسهاماته المتنوعة.. الكلمات كانت تفيض بالحزن والوفاء، معبّرةً عن الحب العميق والمتجدد لشخصية المقالح الفذة، الذي أجمع الناس على محبته واحترام قلمه المبدع ووطنيته الصادقة طوال رحلته التي امتدت أكثر من أربعة عقود مثلت مدرسة يمنية مختلفة إبداعاً وبحثاً ودرساً أكاديمياً ونضالاً وطنياً، وقبل ذلك علاقته الصادقة بثلاثية الكتابة والحرية والوطن -بحسب تعبير الأستاذ أحمد الأغبري..
"الميثاق" استطلعت آراء العديد من الأدباء والمثقفين على هامش الاحتفالية الثانية لرحيل شاعرنا الكبير؛ وخرجت بهذه الحصيلة..
استطلاع/ عبدالرحمن الشيباني
المقالح الإنسان
د. محمد ناصر حميد -رئيس قسم اللغة العربية بجامعة صنعاء- يقول: 62 كتاباً إحصاء يقتصر على الفكر المكتوب، ولكن ماذا عسانا أن نتحدث عن المقالح الذي كان فكراً يمشي على الأرض، وهو يسير ويقدم للذات ذاتاً ما كان يستطيع أن يخلقها غير المقالح.. نحن نتحدث عن رجل الذات من أجل أن تجري وراءه الذات، ومن هذا المنطلق فإنه كان رجلاً وطنياً وثقافياً وأديباً وناقداً امتلك القدرة على أن يكون كل ما سبق وأكبر.. أقول هنا كل واحد من الناس يستطيع أن يكون شاعراً وأديباً لكن المقالح تفوَّق عليهم وتفرَّد في أن يكون إنساناً..
شاغل الخُلد
الأستاذ/ عبدالرحمن العلفي -مدير مركز "منارات"- تحدث قائلاً: الدكتور عبدالعزيز المقالح من هذه التربة اليمنية، من اليمن الذي كان حاضراً فيها؛ كان الوطن شاغل خلده، لذلك كان أيقونة الثورة والوحدة، وكان النبض الصادق لكل اليمنيين بمختلف مشاربهم الفكرية، وبمختلف مدارسهم الثقافية وانتماءاتهم السياسية.. لقد مثّل الوُجدان الجمعي لحاضر الوطن وعنوان عزته وسعادته وآماله في التنمية والاستقرار والعدالة..
إرث كبير
أما الدكتورة/ آمال عبدالعزيز المقالح، فقالت: في الذكرى الثانية لرحيل الوالد صعب أن توصف هذه اللحظة التي أنا أقف أمامك، لأنني فقدت شخصاً عزيزاً عليَّ، فهو شخصية لا تُنسى بالنسبة لمحبيه ولأهلي ولكل من كان حوله.. لقد ترك لنا من المبادئ والقِيَم والإرث الجميل ما نفخر به، وندعو الأجيال القادمة إلى أن تنهل من هذا الإرث الإبداعي الجميل، نقول ذلك ونحن نرى من حولنا ما لا يسر، ما يستدعي قراءة الأحداث بوعي والعمل على حل ما علق وما استجد، خصوصاً ونحن نرى حالة اقتصادية صعبة يعاني منها الناس.. قد يتبادر للذهن كيف يمكن أن نقرأ ونكتب ونحن في خِضَم هذه المآسي؟.. لكن يجب هنا أن لا نترك الكتاب والإبداع الجميل والكتابة وأن نُقاوم أوجاعنا.. نحث الأجيال القادمة على أن تقاوم وتستمر وتعاود القراءة لنكتشف أخطاءنا.. لنكتشف حياة جديدة يسودها الود والوئام والسلام، وخصوصاً الشباب الذين أرجو أن يعودوا لقراءة ما سطَّره أدباء ومفكرو اليمن، بمن فيهم المقالح..
تواضعٌ جَمّ
الأستاذ/ عبدالباري طاهر -نقيب الصحفيين اليمنيين السابق- يقول: هذه المناسبة كانت مهمة كوفاء لشخصية إنسانية لعبت دوراً عظيماً في الحياة الثقافية والوطنية وبناء المؤسسات ومنها مركز الدراسات والبحوث اليمني.. لقد كان المقالح مُتعدد المواهب والإمكانيات والقدرات، وأثرى المكتبة اليمنية بالعديد من الكتب وقدم عشرات الأدباء والشعراء، والذين تخرجوا على يديه.. ولعل من أنبل صفاته الإنسانية سلوكه وأخلاقه وتواضعه الجَمّ الذي كان محط اعجاب كل الناس الذين يأتون إليه، لذلك كانت علاقته جيدة مع كل الناس..
روح اليمن
هدى أبلان -الأمين العام المساعد لاتحاد الأدباء والكُتاب اليمنيين- قالت: في هذه الاحتفالية النوعية التي يحضرنا فيها الدكتور المقالح بتاريخه العظيم والطويل والرائد في إبداعه الإنساني والأكاديمي والوطني، يتأكد لنا أنه قد أعطى للوطن خلاصة عمره، واحتوى الكثير من المبدعين، وقدم اليمن للعالم ثقافةً وإبداعاً وفكراً من الطراز الفريد.. اليوم من كل اليمن ومن كل الأطياف والأطراف السياسية المتفاوتة تتفق وتتلاقى على شخصية ومكانة هذا الرجل ودوره التنويري.. هذا الرجل كان في مساره الصحيح؛ وأشهد أن طريقه كان الحق، طريق السلام والتعايش والاستقرار.. الدكتور المقالح روحه تحمي اليمنيين وتدعوهم للحوار.. أخيراً أقول إن الشعب اليمني يستحق حياة أفضل أمناً واستقراراً ومعيشةً..
العظماء لا يموتون
الأديب/ محيي الدين علي سعيد، نوَّه قائلاً: عندما نتحدث عن المقالح فإننا نتحدث عن تاريخ، أشير هنا إلى الجانب التعليمي والأكاديمي الذي كان المقالح أحد الذين من أسسوا التعليم في اليمن، من خلال تأسيس كلية التربية التي توسعت إلى كليات ثم جامعة.. لقد تعرفتُ على فقيدنا الكبير في العام 1987م عندما التحقتُ بجامعة صنعاء حينها تقدمت بشكوى جماعية مثلتُ الطلاب فيها، وبالرغم من أنني طالب إلا أنه استقبلني بتواضع منصتاً لشكوانا، وعمل على حلها فوراً، ثم بدأت مرحلة أخرى للتعرف على شاعرنا الكبير عندما قرأتُ أول كتاب له، والذي استطاع أن يؤثر بي بشكل عميق وهو "عمالقة عند مطلع القرن".. أنا أعتبر الدكتور المقالح هو حجر الزاوية في التعليم المعاصر وكذلك في النقد الأدبي، لكن لي رأياً خاصاً هنا أن المقالح كان أكبر في النقد الأدبي، ولكن المنصب السياسي أخذه عنه، لكنه أيضاً استطاع أن يكون شاعراً مجيداً وناقداً ومؤسسة للتعليم الجامعي كما أسلفت.. لقد كان أباً للجميع، لذلك نرى هذا الاصطفاء الكبير به بالرغم من رحيله "العظماء لا يموتون"، حتى الذين كانوا يختلفون معه..
أيقونة وطنية
الشاعر/ محمد عبدالسلام منصور، قال:
الدكتور المقالح منذ نعومة أظفاره كان الوطن مغروساً في أعماقه ووجدانه غرساً ثابتاً لا يتزعزع، ثم أثمر هذا الغرس ثمراته عملية فكرية وإبداعية، فهو قد هيَّأ نفسه مُنذ الطفولة للاهتمام بالفكر والأدب، وتنظيم وقته تنظيماً دقيقاً لما يعد نفسه له؛ وقد ذكرتُ هذا في بحث لي عنه أثناء تكريمه في سلطنة عُمان، كنا أنني أشرتُ إلى ذلك في كلمتي التي ألقيتها في هذه الذكرى.. لقد ارتبطت مزاياه وسلوكياته العلمية والفكرية بوجدان الناس، وجعلته أيقونة للثقافة الحديثة في اليمن، وهذه الأيقونة علقها الشعب في العقل الجمعي على حائط التاريخ اليمني؛ وقد خدم اللغة العربية كوعاء للثقافة والأدب والإبداع عموماً، كما خدم الإنسانية بما أسهم به من فكر نيّر، كيف لا وهو من التنويريين في الوطن العربي.. كان يمنياً وعربياً خالصاً، ثم إنسانياً نعم هكذا كان..
رجل المرحلة
الأستاذ/ جميل الأصبحي -مثقف- تحدث قائلاً: كان الدكتور عبدالعزيز قامة فكرية كبيرة، وكانت اليمن على رأس اهتماماته، كيف لا وهو الوطني الجسور والعربي الذي لم يغفل عن قضايا أمته العربية أيضاً.. أنتج الفقيد الكثير من المؤلفات الشعرية والأدبية والفكرية التي زخرت بها المكتبة اليمنية وكذلك العربية.. اليوم ونحن في ذِكراه الثانية نقول لروحك السلام أيها الكبير، لروحك الخلود، لقد فقدناك إنساناً كما فقدتك الساحة الأدبية والثقافة اليمنية والعربية كذلك، فقدناك رجلاً تربوياً مثقفاً لا يُشق لك غُبار، رجل المرحلة كل وكل المراحل.. لا يمكن هنا أن نفي عبدالعزيز المقالح حقه، ولكن نقول نَمْ قرير العين أيها المارد اليمني العظيم.
رمز وعلم
الأستاذ/ أحمد العزعزي (مثقف): للدكتور المقالح أكثر من 55 كتاباً في الشعر والأدب والثقافة والنقد والفكر، وهي ثروته التي لا تقدر بثمن ،وعلينا أن نواصل ما انتهى عند الرجل من إبداع خلاق، الإنسان ليس بما يملكه من مال بل من إبداع وسلوك وأخلاق، والتي كان المقالح يجمعها ولذلك كانت قيمته كبيرة يمنيا وعربيا ، لاغرابة هنا أن تحيي بعض العواصم العربية ذكرى ميلاده أو ذكرى رحيله المُفجع لأن فقدانه لا يقتصر على اليمن، بل كل الكُتاب والمفكرين والمثقفين والأدباء والشعراء العرب افتقدوه، فكم هي الكتابات التي قرأناها بحقه عند رحيله من أصدقائه ومحبيه العرب، التي تناولت مناقبه وسيرته الإبداعية طيلة العقود التي كتب فيها، المقالح هو رمزٌ ومَعْلَمٌ من معالم اليمن التي ستبقى في الذاكرة كما هي قصائده التي ما زلنا نحفظها عن ظهر قلب..
الصمت عار الخوف عار
الصمت عار
الخوف عار
من نحن ...
عُشاق النهار
نبكي.. نحب
نخاصم الأشباح
نحيا في انتظار
سنظل نحفر في الجدار ..
إما فتحنا ثغرة للنور
أو متنا على وجه الجدار
لا يأس تدركه معاولنا
ولا ملل انكسار
إن أجدبت سحب الخريف
وفات في الصيف القطار
سحب الربيع ربيعنا
حُبلى بأمطار كثار
ولنا مع الجدل العقيم
محاولات واختبار
وغداً يكون الانتصار
وغداً يكون الانتصار
الشاعر/ جازم سيف
غابة*
المبدعون
لا يموتون
بل ينمون
شيئاً فشيئا
الشاعر
عبدالعزيز المقالح
(كان بذرة
ثم نبتة
ثم شجرة
إلى أن أصبح غابة)
* اقتباس من قصيدة الشاعر عبدالكريم الرازحي التي ألقاها في الاحتفال بذكرى رحيل الشاعر عبدالعزيز المقالح
*
|