يحيى العراسي - من أول شخطة في سِجِل التاريخ اليمني حتى المبادرة الخليجية في عرض دقيق ومهيب حتى الاحداث الاخيرة في اليمن..
شريت وقرأت مجلد "الكافي من تاريخ اليمن قديمه وأوسطه وحديثه" الذي ألَّفه وأصدره الاستاذ مطهر تقي ويحتوي على 664 صفحة وتضمَّن في طيات فصوله تسجيلاً مهماً جداً في تاريخ اليمن منذ ما ذكره اليونانيون والرومانيون قبل عشرات القرون قبل الميلاد وأبرز من أرخ من العرب واليمانيين منذ فجر التاريخ؛ مبيّناً طبيعة مسار التاريخ والعلاقات البينية والمختلفة التي كانت تجري وبصورة حثيثة ودقيقة، ولم يترك لا شاردة ولا واردة إلا وأحصاها وسجلها وأوردها وصولاً إلى كل الاعتمالات السياسية ومؤثراتها الاجتماعية والاقتصادية والإدارية والعسكرية من مختلف الجوانب والأبعاد؛ وحتى المبادرة الخليجية وكيفية صياغتها وإخراجها، ومَنْ هم رجالها.. وقد استهل "الكافي" تناوله عن علاقات اليمنيين بالبعثة المحمدية ومناصرة الرسول الأعظم خاتم الأنبياء محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)؛ متطرقاً إلى العلاقات البينية والقرب والنسب بين اليمانية من الأوس والخزرج مع الهاشميين وبيانها بصورة ربما تكون نادرة جداً؛ وما جرى خلال قيام دولة الإسلام المحمدية حتى أحداث سقيفة بني ساعدة، موضحاً مجريات تلك اللحظات وكيفية المبايعة الأولى لخليفة رسول الله أبو بكر الصديق رضي الله عنه بطريقة لم تكن متداولة؛ ثم انتقل بعد ذلك إلى عهد الخلفاء الراشدين مع إبراز أهم مجرياته من فتوحات وتشكلات إلى قيام الدولة الأموية ومن بعدها العباسية متناولاً طبيعة المرحلة وتطوراتها..
ولأول مرة بالنسبة لي شخصياً أقرأ وأعرف أن الأمراء العباسيين كلاً منهم كان يرسل خاله أميراً وحاكماً على اليمن، وبذلك كان دخول أمراء بني العباس كحكام على اليمن هم من خلخل وأرخى البنية اليمنية حينها من مختلف الجوانب والمصالح ما سهل لقيام دول عدة في اليمن وفي مقدمتها الدولة الرسولية وبعدها الصليحية والطاهرية واليعفرية وما تزامن مع دخول الإمام الهادي يحيى ابن الحسين الرسي إلى مدينة صعدة عام 284ه والتي تسلسلت في ثلاث مراحل وصولاً إلى الإمام محمد البدر وقيام ثورة الـ26 من سبتمبر 1962م.. وأظهر الاستاذ مطهر تقي في كتابه "الكافي" طبيعة تلك الصراعات بين الأئمة بمختلف مكوناتها والطموحات التي صاحبت ذلك في إنشاء رقعات دول من الأرض اليمنية بصورة موفقة وموثقة من حيث الزمن والمكان وانتقل السرد التاريخي بعد الثورة بتفاصيل رائعة ومعلومات تاريخية قيّمة حتى الوصول إلى الثاني والعشرين من مايو وقيام الجمهورية اليمنية بإعادة وحدة الوطن اليمني، مستعرضاً الخطوات الوحدوية ومنجزات لجان الوحدة واللقاءات بين قيادات الشطرين بصورة ملفتة..
بعد قيام دولة الوحدة رصد الأستاذ مطهر مجريات الأحداث والحوادث وما اقتنفها من توترات واعتكافات والتفافات ونكوص وتدخلات خارجية قريبة وبعيدة بصورة مفصلة ومؤرخة ودقيقة بكل حيثياتها ومجرياتها وتفاعلاتها والانتصار للوحدة وسقوط المؤامرات رغم قوتها ومداهمتها بقوة، ولكن النصر كان حليف الشعب اليمني وحقه في الوحدة والأمن والاستقرار.. وصولاً إلى المبادرة الخليجية والأحداث الأخيرة التي جرت في اليمن..
لا ريب أن هذا المؤلف الكبير مرجعية تاريخية وأكاديمية مهم جداً للأجيال القادمة ومفخرة وطنية رائعة من إنجاز مطهر تقي الذي عُرِف من خلال تربُّعه في صدارة وزارة الإعلام بقدرات هائلة وانسجام قوي لعدة مراحل خصوصاً في ظل تولّي الفقيد الأستاذ حسن أحمد اللوزي رحمه الله، والثقة الكبيرة بينهما في وزارة الإعلام حتى تَـنفَّذ عليها فارطو الأنانية وقليلو الخبرة.
|