عبدالسلام الدباء * - نعيش اليوم في واقعٍ مؤلمٍ تُغيَّب فيه الإنسانية وتختفي فيه النخوة، فلا يُذكر الكرم إلا حين يصبح بلا جدوى.. كم من أناسٍ يرحلون عنّا بصمت، رغم حاجتهم الماسة إلى الدعم، وكم من قلوبٍ تعففت رغم معاناتها الصامتة! هؤلاء لا يحتاجون احياناً سوى السؤال عن أحوالهم، وتوفير احتياجاتهم الأساسية من الغذاء او الدواء او سداد الإيجارات، أو حتى شراء أبسط ما يُبقيهم على قيد الحياة، ومع ذلك نتركهم يواجهون مصيرهم وحدهم، ثم نتباكى على رحيلهم، وكأن دموعنا ستعوضهم عن الكرم الذي حُرموا منه في حياتهم.
ان السؤال الذي لا بد أن نطرحه اليوم هو : لماذا نُرجئ الكرم الى ما بعد الموت؟ ولماذا لا نُبادر بمساندة المحتاجين في حياتهم، بدلاً من إغداق الكلمات الرنانة عليهم بعد وفاتهم؟ عند رحيلهم.. تتحول تعازينا إلى احتفالات بذكراهم، نُطريهم ونروي مناقبهم، ونقيم لهم الأربعينيات، متناسين أن الكرم الحقيقي هو ذاك الذي يُعاش أثناء الحياة، لا بعد الموت.
في هذا الواقع المتردي، يجب أن تمتد أيدي الكرم لتشمل الجميع من الإعلاميين والمثقفين والفنانين والعلماء، والرياضيين والمبدعين، وكل الرجال الشرفاء الذين خدموا الوطن وبذلوا لأجله جل إبداعهم وزهرة شبابهم .. هناك الكثيرين من رجال الوطن الشرفاء الذين يُثقلهم ضيق العيش وصعوبة الظروف، ولا يجدون من يلتفت اليهم، وعلينا ان لا نغفل عنهم، فلا يمكننا أن نبني مجتمعاً متماسكاً ما لم نبدأ بالتكاتف والتعاون معهم، وان الواجب اليوم يحتم علينا ان نجعل من الكرم ثقافةً يومية، وان نسهم في صنع حياة كريمة لكل من حولنا.
يجب ان نقف اليوم بشكل صادق مع كل المحتاجين من المبدعين والإعلاميين والمثقفين والعلماء والرياضيين والمبرزين في شتي مجالات الحياة في حياتهم قبل مماتهم، وهذه دعوة نوجهها اليوم للجميع من اجل التغيير .. قبل أن يسبقنا الندم غداً، هلموا لنتفقد أحوال من حولنا، ولنُظهر كرماً حقيقياً لهم في حياتهم، كرماً يُخفف عنهم آلامهم ويُعينهم على تجاوز مصاعبهم.
علينا جميعاً ان نكون كرماء بأفعالنا قبل كلماتنا، فبهذا فقط يمكننا بناء مجتمعٍ أكثر إنسانيةً واكثر تماسكًا.
الكرم بعد الموت لا يُجدي نفعاً.. فلنغتنم الفرصة لنكرم كل الذين يستحقون الكرم وهم أحياء، ولنبدأ من الآن بتغيير أنفسنا ليصبح الكرم سلوكاً دائماً يعكس قيمنا الحقيقية، فالكرم الحقيقي هو ما نُقدمه لمن يستحقه وهو على قيد الحياة وليس ما نرويه عنهم بعد الرحيل.
* مستشار وزارة الشباب والرياضة
|