عبد السلام الدباء - في أعماق النفس البشرية، يتداخل مفهوم الوطن والحرية كخيوط متشابكة لا تنفصل، فالوطن هو الحضن الذي يحتضن الروح، وهو الأرض التي تحتفظ ذراتها بذكرياتنا، وهو السماء التي تمدنا بالتفاؤل والأمان بامتداد أفقها.. هو البيت الكبير الذي يمنحنا شعور الانتماء والطمأنينة، بما يحويه من تاريخ عريق وتراث متأصل في وجدان الأجيال.
الوطن هو تلك الرقعة الجغرافية التي نشأنا فيها، واستنشقنا هواءها، وتعلمنا في مدارسها، واستظلينا تحت سمائها، هو ذلك المكان الذي تتلاقى فيه الأجيال لتصنع قصصها وتنسج حكاياتها بين أحيائه وبيوته، وجباله ووديانها.
لكن.. ماذا عن الحرية؟
اليست الحرية هي تلك الشعلة التي تسكن القلب وتمنحه الحياة، والحرية اليست هي الحق الأصيل لكل إنسان، وهي التجسيد الواقعي لقدرة الانسان على أن يختار، وأن يقرر، وأن يخط طريقه بيده دون قيود، وهي الفضاء الذي تتفتح فيه الطموحات، وتتبلور فيه الأحلام، وتنبعث فيه الإنسانية في أبهى صورها.
على مر التاريخ، أثبتت العلاقة بين الوطن والحرية أنها علاقة تكاملية، فلا قيمة للوطن دون حرية تحفظ كرامة أبنائه، ولا وجود للحرية دون وطن يحتضنها ويوفر لها الأمن والاستقرار، لكن حين تتعارض القيمتان، يُطرح السؤال الأبدي: أيهما أثمن؟
إذا نظرنا إلى الأزمات والحروب، نجد أن التضحية بالحرية أحيانًا قد تكون السبيل الوحيد لحماية الوطن، وفي المقابل هناك من يضحون بوطنهم إذا شعروا بأن حريتهم أصبحت مقيدة، لأنهم يؤمنون بأن الحرية هي جوهر الحياة.
الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال ليست مطلقة، فهي قد تتغير بحسب الظروف، ففي أوقات الرخاء قد تبدو الحرية هي الأثمن، حيث يصبح الوطن مستقرًا ومتاحًا للجميع، أما في أوقات الشدة، فإن الوطن يتحول إلى القلعة التي يستميت الجميع في الدفاع عنها، حتى لو على حساب حرياتهم الشخصية.
إذن، لا يجب أن نضع الوطن والحرية في معادلة تضاد.. فالقيمة الحقيقية تكمن في الموازنة بينهما، لأن الوطن دون حرية يصبح قيدًا، والحرية دون وطن تفقد معناها، وفي النهاية فإن الوطن هو الأرض، والحرية هي الروح، وكلاهما معًا يشكلان كيان الإنسان وهويته.
_
* مستشار وزارة الشباب والرياضة |