الميثاق نت - عبدالرحمن الشيباني: - عابرون يذرعون الطُرق ذهابا وإيابا في أزقة صنعاء وارصفتها وليلها البارد الذي لا يرحم ، غير ان اولئك المارة لا يكترثون لتلك الوجوه الكالحة والقلوب المعذبة، التي يتقاسمها الوجع والبرد والفاقة علي الارصفة والزوايا التي باتت مسكنا لهم، نازحون و مُشردون ومختلون عقليا فاقموا المأساة بتلك الاجساد المُتعبة الذي يأخذ من منها برد الشتاء قسطا وافراً ليبقوا بتلك الصورة المحزنة، في احتضان ارجلهم وأيدهم وكأنهم بذلك سيمنعون عنهم درأ البرودة الشديدة ، لكن الضيف الثقيل يأبى إلا أن يكون زائراً ثقيلاً عليهم ، لا خيار لهم فيما يواجهونه في الوقت الذي لا يكترث احد لما يجري لهم وهذا هو المؤلم في الأمر.
يعتقد الكثيرين ان الفقر والعوز والتفكك الأسري احدى أهم العوامل، التي تجعل من هؤلاء البسطاء من الناس يتوزعون على أرصفة الشوارع والحارات ،وتعيش بهكذا وضع مأساوي الذي يُدمي القلب، دون الاكتراث لحالهم من قبل الجهات الرسمية والجمعيات الخيرية التي من المُفترض أن تكون في جانبهم والتخفيف عنهم من خلال توزيع البطانيات والملابس الشتوية لهم ، هذه الفئة من الناس مازالت بحاجة ماسة إلى الالتفات لها، من خلال تلمس أوضاعهم الصعبة خُصوصا ونحن في فصل الشتاء الذي يكون شديد البرودة ، الحقيقة إن الجميع معنّي بهذه القضية الإنسانية التي تستحق الوقوف أمامها بمسؤولية،
انتظار الفرج
علي مقربة من أحد الجوامع ينام صامد عبده بجانب زملائه بطانيات خفيفة مهترئة تعتليها بعض الكراتين بصحبة بعض أصدقاء جمعتهم المعاناة ويعيشون نفس الظروف التي جعلت من صامد ينام بهكذا وضع والذي جاء من السعودية هاربا بعدما فشل في الوصول إليها عائدا إلى بلاده لكنه لم يتوقع ان يكون بهكذا وضع كما قال لـ الميثاق " صامد قال أيضا وهو يجمع بعض مقتنياته البسيطة أنه مُتعب ويكتفي بوجبة أو وجبتين من الطعام يأتي بها من احد المطاعم وقد فقد الأمل في أن يجد ان يجد عملاً يقتات منه، بدلا من الانتظار ما يجود به أصحاب المطاعم له ولزملائة ،الذين كما قال كل واحداً منهم لديه قصة مُشابهة لقصته، جمعهم هذا الرصيف وأردف صامد وهو في العقد الثالث من عمرة " الناس ما تُشوفنا والبرد اتعبنا محد فاضي لنا، كل واحد يقوم من هنا تاعب يروح يدور له لقمة، تُروح تشتي تشتغل مافيش او يشتوا وساطة، هولا اللي جمبي من الحديدة وتعز وعبس نازحين، يدوروا في الشوارع يشتوا يشغلوا ويرجعوا الي هنا ، يقولوا مابش عمل.. وين نروح " بهذة الكلمات يُنهي صدقي حديثة لكنه وضع الجميع أمام امتحان صعب في أن يفي المجتمع بمسؤوليته الأخلاقية والدينية تجاه هذه الشريحة من الناس ومن جار عليه الزمن والحرب التي أثمرت كل هذا الوجع والألم، الي الحد الذي قضت حتى على أحلام الناس في أن يعيشوا حياة كريمة ،وحتى تلك الاحلام أصبحت للبعض معدومة وفي حكم النسيان، إلا من قطعة عيش تسد الرمق ، ولحاف بسيط يغطي تلك الأجساد المنهكة النحيلة
جرعة أمل
لا يحتاج النازحون سوي كميات بسيطة من دفئ القلوب قبل دفئ الأجساد، والإحساس بهم وجرعات الأمل للالتحاق بالحياة الطبيعية التي تتوافق مع إنسانيتهم المنزوعة كُرهاً منهم ، الوجوه التي رأيناها كان الزمن والحرمان قد رسم خطوطه وتعاريجه على الملامح لم يستثني أحد ، كما اسلفنا الحرب كانت قد عملت مفاعيلها، البعض منهم كما قالوا كنا في احسن حال ، يلتحق محمد علي بأفواج المشردين وتحت وقع الحاجة يفترش الكراتين بجانب سور جامعة صنعاء ويقول إن هناك من يأتي إليه ويتبادل معه بعض الكلمات ثم يذهب على أمل العودة لكنه لا يعود محمد يعاني بعض الكسور في رجلة ومع قدوم فصل الشتاء يزداد الوجع والالم وهذا يعيقه أثناء السير لجمع قوارير المياه من أماكن مختلفة ،احمد حسن لا يقل بؤسا عن زميلة الآخر ويقول انه جاء من محافظة اب للعلاج لكنه لا يملك ثمن الدواء أو الإقامة في فندق وكل ما كان بحوزته أنفقها للعلاج الآن هو ينام على قارعة الطريق حسن قال لـ الميثاق لا أحد يلتفت لنا وكأننا حشرات ويتساءل السنا مسلمين ؟ بعت كل شئ من اجل العلاج، ولم اعد امتلك شيئا سوي الرصيف الذي يمكن ان يحتويني
حُلم مختلف
لقد أصبح الرصيف والأزقة هو آخر أحلامهم يتمسكون به هؤلاء ويتبادلون معه برد الشتاء وحر الصيف وتقلبات الأمزجة للبعض ممن يمرون من أمامها ، لا أحد ُيسدي معروفاً في بعض كلمات حانية أو بعض لقيمات او كسوة، حتى وان كانت مُستخدمة تقيهم من البرد ، بل ان بعضهم ينام علي مقربة من الملابس الشتوية المشنوقة على سيخ من الحديد ومعروضة للبيع فهم لا يستطيعون التقاطها لدفء الجسد حتى وإن كانت أسعارها رخيصة ، لقد رخص الإنسان فكيف بالملابس؟ ومن ضمن الحالات التي وجدناها كانت للأخ مهدي ناصر ناصر بضرورة ينام تحت أحد الكباري كغيره من المئات من المشردين ،عندما اقتربنا منه بهدوء انتفض كأنه أصيب بلسعة ما على جسده أثناء الحديث معه ادركنا ان الرجل قواه العقلية قد خارت بعض الشيء، من خلال الكلمات والعبارات الغير مفهومة واستدعاء الماضي والتعبير عنه بطريقة غير منطقية ، هناك الكثير من أمثال ناصر يتوزعون على عواصم المحافظات وليس فقط في صنعاء ، أنها حالات إنسانية تصيب القلب في الصميم، أين خطباء المساجد والدعاة؟ لماذا لا يقومون بدورهم؟ وهيئة الزكاة ورجال الخير يجب أن يكون لهم دور!! طبعا ما شاهدناها هي عينة بسيطة من الحالات والنماذج التي تمتلئ بها ذاكرتنا من صور مرعبة، هناك المئات ، بل والآلاف منها التي تضع خدها علي الرصيف لتنام ثم لتسبح في المجهول الذي لا يصلها لشاطئ الأمان الذي كان باستطاعتنا التحرك لكي ،نبقي لهم بصيص أمل في الوصول .
خطة إنقاذ
الإحصائية الاجتماعية الاستاذة وداد ابو طالب تشير في هذا الصدد إلى أن التحرك المجتمعي ضروري إزاء هذه الشريحة من الناس، التي ألقت بهم الحياة على قارعة الطريق دون ان يكون هناك حلول حقيقية من قبل المنظمات المعنية والجمعيات، التي لم تحرك ساكنا لافتا الى ان الدور الرسمي والحكومي يجب أن يكون حاضرا في هذا الشأن، وتضيف أبو طالب" كان لدينا خطة بهذا الأمر اعددناها، مثل أن يقوم أحد التجار بحملة تبرعات من زملائه الذين يعرفهم من أجل شراء بطانيات وتوزيعها على المحتاجين وقبل ذلك يكلف أحد الموثوقين بهم بحصر الأسر المحتاجة للبطانيات بسرية تامة ثم توزيع هذة البطانيات ليلا للأسر المحتاجة بدون ذكر من قام بهذا العمل ولا من أي جهة قامت بالتبرع أيضا ،هناك جانب الدعم من خلال عمل جولة في الشوارع ليلا، والبحث عن الموجودين في الشوارع وهذا العمل طبعا يكون في فصل الشتاء، هذه الخطة يمكن القيام بها إذا ما تحرك الخّيرين في بلادنا لنجد هذه الشريحة من الناس الذين لا حول لهم ولا قوة
ترابط مجتمعي
الناشطة المُجتمعية وثيقة النقيب تعتبر أن التكافل الاجتماعي مهم جداً ودليل على ترابط المجتمع، حيث تقول النقيب "التكافل الاجتماعي من المبادئ الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمعات وتساهم في رفع مستوى الحياة الإنسانية، خاصةً في أوقات الشدة والمحن والتغيرات المناخية ،مثل أيام البرد القارس حيث تتطلب الظروف المناخية القاسية مساعدة الأفراد بعضهم لبعض، مما يبرز قيمة التضامن والتكافل بين أفراد المجتمع وتضيف "فصل الشتاء تحدٍ كبير و تأتي معه العديد من التحديات، مثل انخفاض درجات الحرارة التي تؤثر سلبًا على الفقراء والمحتاجين، وخاصةً الذين لا يمتلكون وسائل التدفئة في هذه الظروف، يصبح من المهم على الأفراد والمؤسسات أن يتكاتفوا لتقديم الدعم والمساعدة للمحتاجين والمشردين الذين لا يمتلكون منزلاً يأويهم من برودة الجو الذين يعيشون في الطرقات وتحت الجسور وفي أبـواب المحلات التجارية والذي كانت الحروب هي السبب الرئيسي بتـ شردهم وفقـــرهـــم ، يُمكن أن تتجلى مظاهر التكافل الاجتماعي في تقديم المساعدات الإنسانية، مثل توزيع الملابس الشتوية، والبطانيات، والطعام الساخن.
نشاط خيري
تُظهر مبادرات التكافل الاجتماعي روح الإنسانية لدى الأفراد، حيث يعمل الناس على تنظيم حملات لجمع التبرعات، وتوزيع المساعدات على الأسر المحتاجة. كما تلعب الجمعيات الخيرية دوراً محورياً في هذا المجال، من خلال تنظيم فعاليات لجمع التبرعات وتنسيق أنشطة التوزيع من جهة أخرى، يُعزز التكافل الاجتماعي من الروابط الأسرية والمجتمعية، حيث يتشارك الأفراد المساعدات ويظهرون تقديرهم لبعضهم البعض ، يعكس هذا السلوك القيم الرفيعة ، مثل الكرم والمودة، مما يساهم في بناء مجتمع صحي ومترابط في النهاية، وتعتبر النقيب التكافل الاجتماعي مبدأ إنساني خلاق خصوصا ايام الشدة والعوز كما هو الحال بأوقات البرد وهو تجسيدًا للقيم الإنسانية النبيلة حد وصفها، نحث المجتمع على تكاتف الجهود لتوفير الحماية والدعم للمحتاجين ،إن دعم بعضنا البعض في أوقات الصعوبات يُعزز من روح التعاون والمودة، مما يجعل المجتمع واحدًا متماسكًا يسعى لتحقيق الرفاهية للجميع، من المهم أن نستمر في تعزيز قيم التكافل والتعاون في مجتمعاتنا، ليس فقط في أيام الشدة كما أسلفت ، بل على مدار العام ،في التكافل الاجتماعي هو عنوان الإنسانية، ويعكس مدى تفاني الأفراد في مساعدة بعضهم البعض، مهما كانت الظروف.
|