د/محمد علي بركات - تناولت بعض المشكلات التي تواجه المواطنين اليمنيين ومعاناتهم المستمرة في التعامل مع بعض البنوك الوطنية في مقالين أحدهما نشر بصحيفة الثورة منذ فترة عن الأمية في البنوك الوطنية .. والمقال الآخر نشر بصحيفة الميثاق حول تعثر صرف أموال المواطنين متضمناً كشف العراقيل ومعوقات الصرف وتعرضهم للامتهان والتعامل مع البسطاء بعدمية ودون مهنية ..
وما سأتناوله هنا هو استكمال لتلك المواضيع المحزنة ، وربما يكون الأهم في سلسلة الأخطاء وسوء الإدارة في بعض تلك البنوك ، والأنكى أن يتزعم هذه ( الهوشلية ) من يفترض أنهم القدوة الحسنة قولا وعملا في حسن المعاملة الذي يشكل أهم عنصر في فن الإدارة بل وركيزته الأساسية .. ولن يفاجأ القارئ عندما يعلم بأنهم كبار المسئولين من فراعين البنوك الذين صنعوا لأنفسهم أبراجاً اسمنتية عليها حرس غلاظ شداد يقفون حائلا بينهم وبين عامة الناس عدا من حالفهم الحظ من الأحباب والأصحاب الذين يسعدون بمقابلة الباب العالي أمام أعين المنتظرين من الرعية .. وذلك ليمارس فراعين البنوك في أبراجهم هواية التعالي على عباد الله والتخفي المستمر والتهرب من أداء أعمالهم كما يجب وكما هو متعارف عليه في بنوك العالم ، ويوكلون الأمر إلى ملك الثرثرة منهم واشطرهم في الجدال العقيم بسوء نية .. لتولي مهمة مقارعة المتعاملين البسطاء مع تلك البنوك المنحوسة الذين يطالبون بصرف أموالهم لحاجتهم الماسة لها إما للمعيشة أو للعلاج وهي احتياجات ضرورية .. وخاصة في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي يعاني منها الشعب جراء العدوان والحصار وانقطاع الرواتب وانتشار البطالة في البلاد بمعدلات عالية ..
وهكذا يقوم ملك الثرثرة بمهمته مسخراً موهبته الفذة في استخدام مختلف الأساليب لتهدئة المظاليم إما بالوعود غير المجدية أو بالعذر المعتاد أن البنك المركزي هو من يمنع صرف أموال المواطنين .. وكل ذلك بالطبع منعاً لإحراج كبار الفراعين .. المتخفين عن عيون عامة الناس عدا علية القوم من ذوي النفوذ والمقربين .. لينعموا براحة البال في صوامع الاسترخاء التي تتميز بوجود الأبواب الخلفية لتيسير دخولهم وخروجهم بعيداً عن عيون الحاسدين .. والحاسدين في نظر مرضى النفوس هم المواطنين المغلوبين على أمرهم الذين ينتظرون في بوابات البنوك كالسائلين بل ويتعرضون أحياناً للأذى من قبل حرس الشرف وهم يرجون مقابلة أحد الفراعين للبت في طلباتهم المشروعة أو حل مشاكلهم التي لا صلاحية لأحد من الأتباع لحلها وليس أمامهم إلا اللجوء إلى رب العالمين .. ولا شك أن ذلك نتيجة للمركزية المفرطة وعدم منح الصلاحية لأحد لتيسير معاملات الناس وحل التعقيدات التي يواجهونها في كل وقت وحين ..
وحتى بعد تنظيم الحكومة أمر صرف مبالغ زهيدة شهرياً من أموال صغار المودعين ، تم ابتكار أساليب جديدة لامتهانهم وإذلالهم بدلا من تنفيذ هذه العملية بسلاسة بل وتم الإمعان في تجريد المعنيين ومدراء الفروع من مسؤولياتهم وبعض الصلاحيات .. المحزن حقاً أن نجد مدراء الفروع ونوابهم يعيشون حالة إحباط يرثى لها لشعورهم بالعجز عن اتخاذ أي إجراء بسيط لتيسير أمر ما لمصلحة البنك والمواطن معاً بعذر أن ذلك (ممنوع عليهم) إلا بالرفع للفراعين للموافقة خلال أسبوع وربما أكثر وذلك إهدار للوقت وعرقلة للمصالح في عصر اختصار الزمن والمسافات ..!!
فما هذا الهوس والأنانية والتسلط حيث لم يتكرم الفراعين لا بالنزول من أبراجهم والتعامل مع الناس لإنجاز أمورهم وصرف أموالهم دون عراقيل وتسويفات .. ولا سمحوا بترك تلك المهام والصلاحيات للمعنيين ومدراء الفروع دون ممارسة المركزية المقيتة التي ثبت فشل التعامل بها في العالم لما تسببه من تداعيات وعراقيل لأي إنجاز في مختلف المجالات ..
وليت شعري متى ترتقي تلك البنوك في تعاملاتها وتواكب عصر التطور الإداري والمالي المتسارع في تعاملات ونشاطات البنوك العربية والأجنبية ..؟!
ومتى تتولى الكوادر المؤهلة من ذوي الكفاءة العلمية الإدارية والمالية والأخلاقية إدارة شؤون تلك البنوك الوطنية..؟ حيث يجب أن تتاح الفرص للدماء الجديدة ممن يتميزون بالنشاط والحيوية والخبرة المهنية .. ويسعون للإطلاع المستمر على التطور المعرفي التخصصي في البنوك والمصارف الشرقية والغربية .. إضافة إلى الاستفادة من الخبرات المتراكمة لدى من سبقوهم في إدارة البنوك ، فسنة الحياة توارث الأجيال للعمل والخبرات لمواكبة كل تطور في جميع الشؤون الحياتية ..
ولو حدثت المعجزة وتحققت هذه الأمنيات لتغير كل شيء في هذه البنوك العتيقة نحو الأفضل وعلى وجه الخصوص حسن الإدارة وتوزيع المهام والصلاحيات للاختصاصيّين دون مركزية .. ثم حسن التعامل مع جميع المتعاملين مع البنوك والمصارف دون تمييز ودون تعرض أحد للظلم أو المهانة ، ليتوج كل ذلك بالإسهام في خدمة الاقتصاد الوطني بفاعلية .. وتلك هي القضية.
drbarakato @gmail.com
|