طه العامري - ثمة اعتقاد يقيني لدى واشنطن وحليفها الصهيوني بضرورة وأهمية تجريد دول المنطقة من كل ممكنات القوة المادية والمعنوية والأمنية والعسكرية وحتى الثقافية والفكرية والعلمية، نعم يجب أن تتجرد دول المنطقة والإقليم من كل هذه المقومات حتى تتمكن قوات الاحتلال الصهيوني من البقاء مهيمنة في فلسطين ومسيطرة على دول المنطقة التي يجب أن تخضع لهيمنة الكيان الصهيوني وهيمنة واشنطن وأن لا يكون هناك صوت يرتفع في المنطقة العربية ومحيطها سوى الصوت الصهيوني وصوت أمريكا، وأن على دول وأنظمة وشعوب المنطقة وتخومها التسليم بهذا المنطق وعدم معارضته، بل على الجميع القبول به وإلا عليهم تحمل تبعات إغضاب الكيان الصهيوني وحليفه الأمريكي..؟!
وترى أمريكا وكيانها الصهيوني اللقيط أن هذه المطالب (مشروعة) وعلى دول وأنظمة المنطقة القبول بها طواعية ( وهم صاغرين)..؟!
وعلى شعوب المنطقة بدورها ونخبها وفعالياتها التسليم بهذا المنطق والقبول به حتى يقال عنها إنها شعوب متحضرة وديمقراطية ومسالمة، وكل من يعارض هذا المنطق نظاما كان أو دولة أو شعب فيصنف في قائمة الإرهاب وبالتالي يجب محاصرة هذا الشعب وفرض عقوبات على نخبة وفعالياته و بالتالي يصبح واجبا إسقاط نظامه وإشاعة الفوضى في أوساط الشعب وتمزيق نسيجه الاجتماعي وإدخاله في دائرة احتراب ذاتي مدمر لكل القدرات المادية والمعنوية والأخلاقية..!
منذ رحيل الزعيم جمال عبد الناصر وضرب مشروعه، ركزت الإمبريالية الصهيونية على مصر فعلمت على تحييدها وإخراجها من معادلة الصراع الوجودي مع العدو الصهيوني وقوى الاستعمار، وتم تكبيل مصر باتفاقية ( كامب ديفيد) ولم تكتفي قوى الهيمنة الصهيونية بالاتفاقية بل عملت على تأسيس نخبة سياسية مصرية تدين بالولاء والطاعة حتى التقديس ل(كمب ديفيد) الذي لم يعد مجرد مسمى لإتفاقية حملت أسم المكان الذي ابرمت فيه الاتفاقية _ المؤامرة، بل تشكلت ترويكا سياسية تحمل ذات الأسم، ترويكا تتغير اسمائها لكن تبقى أفعالها ثابتة ومواقفها.
تم على إثر ذلك التخطيط للتخلص من بقية القدرات العربية، فتم تدمير قدرات العراق والثورة الفلسطينية، ثم قدرات الجزائر في (سنوات العشرية) وقدرات الصومال وأخيرا تم تدمير قدرات ليبيا، وسوريا، واليمن، والسودان، وسوريا، ومقاومة لبنان، والمقاومة في فلسطين، وتم وصم كل أشكال المقاومة بأوصاف (الإرهاب) ولأنها كذلك يجب التخلص منها، ويجب التخلص من كل قوي مهما كانت وأيا كانت تعادي الكيان الصهيوني يجب تدميرها ويجب على كل العالم أن يساهم بادانتها ويشارك في تصفيتها..؟
بأسم التخلص من ( أنظمة الديكتاتوريات العربية) تم تدمير الجيوش العربية السالفة الذكر، فيما وصفت المقاومة بوصف ( الإرهاب) وكل من يساعدها ويدعمها هو إرهابي ينتمي لمحور الشر يجب محاصرته وفرض العقوبات عليه وعلى شعبه والعمل بكل الوسائل لإسقاطه وافتعال الأزمات الداخلية له كما هو الحال مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تواجه اليوم مؤامرات لا حصر لها، مؤامرات تطال مختلف المناحي الحياتية للشعب الإيراني، لا لشيء فقط على خلفية موقفه من الكيان الصهيوني ودعمه للمقاومة، اليمن ممثلة بحكومة صنعاء تواجه ذات المخططات الصهيونية الأمريكية والسبب موقفها من الكيان و دعمها للحقوق المشروعة للشعب العربي في فلسطين وإسنادها للمقاومة.
وفق المنطق الصهيوني الأمريكي الاستعماري فإن كل دول وشعوب المنطقة يجب أن يخضعوا بالمطلق ودون تردد للمنطق الصهيوني المدعوم أمريكيا وأن لا يتعرضوا لسلوكيات العدو الصهيوني يقتل، يحتل، يهجر، يدمر، يدنس المقدسات، يعمل على تهويد البشر والجغرافية والمقدسات فهذا حق للصهاينة وحق مكفول من (الله) وبأمر الله يخوض الصهاينة حرب إبادة ضد الأمة العربية والإسلامية، وبأمر الله يجب أن لا تكون هناك قوة عربية أو إسلامية تفوق قوة الكيان الصهيوني، بل جريمة بحق الله وعيسى، وموسى، وسليمان، ان تكون هناك قوة تقاوم (شعب الله المختار) الذي عاد إلى أرضه..؟!
قديما واجهت الأمة (تسع حملات صليبية) جاء فيها أوروبا بجيوشها رافعة راية الصليب بذريعة إستعادة ( أرض يسوع) من ( البرابرة العرب المسلمين) لكنهم اخفقوا وتذكروا أن ( يسوع عربي) وان كل أديان السماء ظهرت في أرض العرب، وأن من حمل رسالة (يسوع) للغرب هم العرب وتعرضوا للقتل والمطاردة والصلب بالجملة لكل من اعتنق رسالة التوحيد الذي جاء بها عيسى عليه السلام، فكانت الحيلة التي نجحت حتى اليوم هي الاستعانة ب( اليهودية الصهيونية) وهو التيار الذي ابتكرته قوى الاستعمار واتخذت منه رأس حربة ووكيلا لها في المنطقة لحماية مصالحها واتخذت من الأساطير الدينية شعارا لخداع الشعوب وتظليل الرأي العام بما في ذلك (اليهود) أنفسهم، لذا نرى أن هناك تيار واسع من اليهود وأحبارهم يعارضون فكرة وجود (إسرائيل) ويجردونها من كل القيم الدينية ويعتبرونها عصابة صهيونية ابتكرها الاستعمار لخدمة مصالحه..!
من المقاومة في فلسطين إلى مقاومة لبنان إلى مقاومة اليمن وصولا إلى إيران هذا الامتداد المعادي للصهاينة يجب تصفيته والتخلص منه وتجريده من كل مقومات القوة مهما كانت متواضعة، ونرى العالم كله الذي أدان المقاومة في فلسطين على أحداث معركة الطوفان لم يرى هذا العالم الصهاينة يحتلون فلسطين منذ أكثر من 76 عاما، لم يراهم يعربدون في أرجاء المنطقة يقتلون ويدمرون، يحتلون عواصم، ويرتكبون جرائمهم أمام أنظار العالم دون أن تتحرك مشاعر هذا العالم حتى لدوافع قانونية واخلاقية، من احتلال الصهاينة لفلسطين، مرورا بعدوانهم عام 1967م واحتلال أراضي عربية وبكل وقاحة اعتبار هذه الأراضي أراضي صهيونية والعالم صامت وكأن هذه الأراضي فعلا أراضي صهيونية مكتسبة..؟!
اليوم مطلوب من الكل الركوع للصهاينة وأمريكا ومن لا يقبل فهو إرهابي ومن محور الشر ويجب محاصرته وتدميره وتصفيته..؟
يقف العالم اليوم متأملا للعربدة الصهيونية على الجغرافية العربية الإسلامية، دون حتى إدانة خجولة لهذه العربدة ينقل جرائمه من غزة إلى الضفة ومن جنوب لبنان إلى سوريا واليمن ويهدد ايران والعالم ( بن ستين كلب) يقف متفرجا، طيب لو ان دولة عربية تقوم بذات العربدة التي يمارسها كيان الاحتلال فإن قيامة العالم ستقوم وسوف يحشد هذا العالم جيوشه ويقرع طبول الحرب ضدها وهذا حدث مع العراق في احتلال الكويت الذي لم نؤيده ولكننا نتسائل لو كان الكيان هو من أقدم على ذلك فهل ستقرع طبول الحرب ضده؟!
طيب أليس من حق أي دولة بناء قوتها للدفاع عن نفسها من أعدائها؟ أم أن هذا الحق في هذه المنطقة فقط مكفول للكيان الصهيوني ولا يجوز لأحد غيره امتلاك أدوات القوة للدفاع عن النفس؟!
أليس الكيان الصهيوني كيان احتلال بشهادة العالم؟ وطالما هناك احتلال من الطبيعي أن تكون هناك مقاومة؟ فلماذا لا يجوز مقاومة الاحتلال الصهيوني الذي لم يحترم طرق السلام وتنكر لها، ولا يريد من أصحاب الأرض مقاومته؟!
|