موقع المؤتمر نت



موقع مايو نيوز



موقع معهد الميثاق


المبادرات التنموية البديل الذي كشف عورة الدولة - صنعاء تحذّر من سياسة العقاب الجماعي - إعلام العدو: 42 مليار دولار تكلفة الحرب على غزة - صنعاء: افتتاح معرض "من أرض البن إلى أرض الزيتون" - كسرت هيمنة الشركات الامريكية .. "ديبسيك" الصينية تهز الاسواق - مشافي غزة تستقبل 48 شهيدًا في 48 ساعة - الخارجية تُدين محاولات امريكا تهجير الفلسطينيين في قطاع غزة - بدء فعاليات المؤتمر العلمي السادس لجامعة 21 سبتمبر - نائب رئيس المؤتمر يعزي بوفاة الدكتورة وهيبة فارع - نحو مليوني فلسطيني في غزة بلا مأوى -
مقالات
الميثاق نت -

الإثنين, 03-فبراير-2025
وجدي الأهدل -
سأحكي هنا عن علاقتي بناقد عجيب، أعتقد أن معظم الأدباء يصادفون أمثاله بين وقت وآخر لا محالة.. الأمر يشبه الزكام الذي لا منجى من الإصابة به مرة واحدة في العام على الأقل!
كنت ألتقي بصديقي الناقد في المقهى، وأسمع منه آراءه في الشعر والقصة والرواية، وتعليقاته على الروايات العالمية التي قرأها.. كان لديه اعتقاد راسخ بأنه ناقد عليم بأصول النقد – مع أنه لم يدرس الأدب أكاديمياً – ومن جهة أخرى هو لا يأبه لبهرج هذا العالم، ولذا يبدو زاهدًا في النشر..

كان يُشيد بالأدب العالمي، ومترفّعاً عن قراءة الأدب المحلي الذي يراه لا يستحق أن يصرف عليه وقته الضيق الحافل بالأعباء!

كان يتعامل معي كجنرال يعطي تعليماته لجندي مراسلة يعمل تحت أمرته.. لا شك أن أي كاتب يحتاج إلى سماع الملاحظات والأخذ بما يراه نافعاً، إلا أنه في حالة صاحبنا -الذي لم يقرأ لي حرفاً حتى تلك اللحظة – كان يضع نفسه في موقع الأستاذ ويصب على رأسي سيلاً من النصائح، ويحاول فرض نفسه معلمًا بوصفي أديباً فاشلاً، ومن باب عمل الخير وطلباً للأجر من الله كان يتفضل بتعليمي..

في أحد الأيام تطرق النقاش إلى الروايات المحلية، وكان لصديقي الناقد رأي حاد، فأحرجه أحدهم عندما قال له إنه يحكم قبل أن يقرأ!

ونحن نتأهب للانصراف طلب الناقد أن أعيره عدداً من الروايات المحلية، وفي اليوم التالي أحضرت له ما هو متوافر منها في مكتبتي.. وبعد مضي فترة من الزمن، أعاد لي جميع الروايات، ووجهه يحمل تكشيرة مريعة.. سألته عن رأيه، فأعطاني جواباً حاسماً: “لم ينجح أحد”.. وأخذ يُعدد عيوب الروايات الواحدة تلو الأخرى بلهجة واثقة يُحسد عليها، ثم خلص إلى أن رأيه السابق في الروايات المحلية كان في محله، وأن زميلنا الذي استفزه لقراءتها لا يفقه شيئًا في الأدب..
ثم التفت إليّ مؤنّباً كيف أنني لم أعطه رواياتي ولو من باب الإعارة ليطّلع على مستواي في الكتابة..

لا أنكر أنني لم أستحسن طلبه، وهو الذي قام بإعدام خمس عشرة رواية يمنية رمياً بالرصاص دون رحمة، ولم ينتظر حتى تجف دماؤها، أو على الأقل أن يؤجل طلبه إلى أن أنسى المجزرة التي ارتكبها!

أعرته رواية واحدة على مضض، أحسبها أفضل ما كتبت، وهيأتُ نفسي لعلقة نقدية ساخنة على يد صديقي الناقد..

بعد يومين، أعاد لي الرواية ببرود، وكان ينظر إليّ بامتعاض! ثم قال لي: “ما هذه الرواية لقد قرأتها بسرعة!”.. حسبتُ كلامه مديحًا، لكنه استدرك قائلًا: “لقد قرأتها في جلسة واحدة.. وهذا يعني أنها رواية خفيفة.. سطحية.. ليست جادة.. الرواية الجادة ثقيلة.. لا تستطيع الإتيان عليها في جلسة واحدة”! ثم خلص إلى أن روايتي لم تشبع جوعه..

قلت له إنني أعطيته رواية ولم أعطه رطلاً من اللحم!؛ فرك أنفه مغتاظاً وقال إن روايتي تشبه الوجبات السريعة، وهو يريد رواية تشبه الوليمة فيها ما لذ وطاب من المأكولات.. قلت له إنني كاتب روائي ولست نادلًا في مطعم. فقد صديقي الناقد أعصابه، وقال إنني أكتب روايات ميتة، وأن صفحات أعمالي الروائية تخلو من نبض الحياة. قلت له إن الحياة والموت بيد القارئ، وأنه هو تحديدًا قارئ خياله ميت، ونصحته بالكف عن قراءة الأعمال الأدبية، وأن يتجه إلى قراءة الأعمال الفلسفية والنظرية التي لا تحتاج إلى خيال وتفاعل وجداني.. جُنَّ جنون صديقي الناقد وقال إنني وكيل للغرب، أكتب روايات مُفصّلة بمقاييس القارئ الغربي لكي تجد طريقها للترجمة إلى اللغات الأجنبية، وأنني أتحامل على شعبي وأظهرهم في مظهر رَثّ لكي يصفق لي الأوروبيون والأمريكان!

قلت له لنفترض أنني كتبت روايات تظهرنا بمظهر بطولي، فهل هذا كافٍ لكي نصبح دولة عظمى، ونحتل مقعداً في مجلس الأمن بجوار الدول دائمة العضوية؟؟.. هل تظن أن كتاباتي الأدبية هي التي جرجرت البلاد إلى أسفل سافلين في قوائم التنمية البشرية؟؟ إنني أحمل قلماً، ولست أحمل عصا موسى..

قال صديقي الناقد وعيناه توشكان على الخروج من محجريهما: “واجبك الوطني يفرض عليك إظهار المحاسن والتحدث بإيجابية عن بلدك”.. قلت له إنني لا أدير وكالة سياحية، ولستُ طبيب تجميل لأقوم بتجميل الواقع.. أوضحتُ له أنني أنتمي إلى عشيرة الكُتّاب الملتزمين، ولا أنتمي إلى عشيرة الكُـتّاب المُتزلفين، وأنني أفهم الكتابة بوصفها نقدًا ورصدًا للظواهر الاجتماعية، وليست مدحًا ونفاقًا للتغطية على الأخطاء السياسية..

قال صديقي الناقد بصوت متشنج: “ما أنت إلا مجرد واشٍ صغير”.. قلت له: “ماذا تقصد؟”.. قال: “أنت في نظري مجرد مخبر دولي يكتب تقارير على شكل روايات عن قومه للغرب”.. كانت كلمة “الغرب” في فمه كاللبانة، لا يمل من تدويرها بين أضراسه، فقلت له إن الغرب فيه أمم عظيمة، تتوالد فيها باستمرار أجيال بعد أجيال من الأدباء والعلماء والمفكرين والباحثين والدارسين، وسلسلة متوالية من العباقرة في شتى المجالات، ولذا هم ليسوا بحاجة لواحد مسكين مثلي لكي يُخبرهم بحقائق لا يعرفونها، أو يُسرّب إليهم الأسرار التكنولوجية السرية التي نمتلكها!

شعر بالاستفزاز ولم يعد قادراً على الاستقرار في جلسته.. تحدثتُ أن الأدب له مهمة إنسانية، له عدالته الخاصة، ولديه القدرة على الإنصاف، وطرقه الخفية في الاقتصاص، وتمرير الحقيقة التي يكاد يغتالها الرصاص.. قلت له إنه بكلامه هذا قد وضع علامة استفهام حول نفسه، فلا أحد يفكر في أدباء وطنه بهذه الطريقة إلا إذا كان ممن له خبرة وممارسات في هذا الجانب! هب صديقي الناقد واقفاً وقد احمرّت أُذناه: “هل تقصد أنني مخبر؟؟”.. سحب مسدسه وأراد فتح زر الأمان، ولكن الأصدقاء أمسكوا به ومنعوه من القيام بأي تصرف أحمق..

رغم أن الخلاف في الرأي بيننا قد اتسع، فإنني ما زلتُ أرحّب بالنقاش مع صديقي الناقد حول الأدب والأدباء، ولكن شريطة ألا يُحضِر معه أية أسلحة في المرات القادمة.

أضف تعليقاً على هذا الخبر
ارسل هذا الخبر
تعليق
إرسل الخبر
إطبع الخبر
معجب بهذا الخبر
انشر في فيسبوك
انشر في تويتر
المزيد من "مقالات"

عناوين أخرى

الافتتاحية
30 نوفمبر.. عنوان الكرامة والوحدة
بقلم/ صادق بن أمين أبو راس- رئيس المؤتمر الشعبي العام

حوارات
جريمة الرئاسة
مقالات
الجائفي والتعليم .. أشرف المعارك الوطنية (2-2)
د.عبدالوهاب الروحاني

حكايات وتحديات ذوو الاحتياجات الخاصة: شركاء في بناء المجتمع
د. منى المحاقري*

أنبوب مجهول لنهب خيرات الوطن
فتحي بن لزرق

بين أصوليتين..!
د.عبدالرحمن الصعفاني

خطة ترامب لتفريغ غزة: تهجير قسري أم حل للأزمة؟
عبدالله صالح الحاج

اليمن وحتمية عودة الوعي..
طه العامري

ملاحظات حول مقال الروحاني الموسوم (جار الله عمر) (2-2)
أحمد مسعد القردعي

سلامات صديق العمر.. يحيى دويد
د. طه حسين الهمداني

تَمَخَّض الجبل فولد نصف راتب مشوه!!
مطهر تقي

لأول مرة
عبدالرحمن بجاش

والدعوة عامة
علي أحمد مثنى

جميع حقوق النشر محفوظة 2006-2025 لـ(الميثاق نت)