عبدالله صالح الحاج - في تصريح مثير للجدل، جدد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب تأييده لخطة تهدف إلى تفريغ غزة من سكانها عبر نقلهم إلى مصر والأردن، رغم الرفض العلني المتكرر من القاهرة وعمّان. استخدام عبارات مثل "تطهير غزة" يُشير إلى نبرة خطابية خطيرة، قد تُفسَّر على أنها دعم لسياسات التهجير القسري، الذي يُعتبر جريمة حرب وفق القانون الدولي.
موقف مصر والأردن الرسمي: مصر أعلنت مرارًا رفضها أي نقل للفلسطينيين إلى سيناء، معتبرة أن ذلك يُهدد الأمن القومي المصري ويُساهم في تصفية القضية الفلسطينية. القاهرة تُصر على أن الحل يجب أن يكون ضمن الأراضي الفلسطينية. من جهته، يرفض الملك عبدالله الثاني أي توطين للاجئين فلسطينيين على أراضيه، مؤكدًا أن ذلك يُضعف حق العودة ويحوّل الأردن إلى "وطن بديل"، وهو أمر ترفضه المملكة منذ عقود. تجاهل هذه المواقف من قبل ترامب قد يعكس محاولة للضغط السياسي أو استغلال الأزمات الإقليمية لتمرير أجندة متطرفة.
الانعكاسات القانونية: التهجير القسري لسكان غزة (أو تشجيعهم على النزوح تحت الضغط) ينتهك المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، التي تحظر على القوة المحتلة نقل سكان الأراضي المحتلة. كما قد يُصنَّف كشكل من أشكال التطهير العرقي إذا ثبت أنه ممنهج. أي طرف يشارك في التخطيط أو التمويل أو التنفيذ قد يتعرض لمقاضاة أمام المحاكم الدولية، مثل محكمة الجنايات الدولية التي تتحقق بالفعل في انتهاكات محتملة في الأراضي الفلسطينية.
الدوافع المحتملة وراء التصريح: تخفيف الضغط على إسرائيل عبر تصوير "نقل الفلسطينيين" كحل لأزمة غزة، بدلًا من الضغط لوقف الاستيطان أو فتح مفاوضات تستند إلى حل الدولتين. التصعيد العسكري الأخير (2023-2024) خلق وضعًا إنسانيًّا كارثيًّا، وقد تُستخدم هذه المعاناة كذريعة لدفع السكان إلى الهروب نحو الحدود المصرية. بتحميل الدول العربية عبء اللاجئين، بدلًا من الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي كمصدر رئيسي للأزمة، يسعى ترامب لترسيخ سردية "غزة مشكلة عربية".
تداعيات محتملة: رفض مصر والأردن القاطع قد يُفجّر أزمة دبلوماسية مع الولايات المتحدة، ويُعزز الشكوك حول الدور الأمريكي كوسيط "غير نزيه". مثل هذه الخطط تُغذي الرواية الفلسطينية بأن "التهجير" جزء من مشروع صهيوني تاريخي، مما قد يدفع نحو موجة جديدة من العنف. قبول الأردن أو مصر للاجئين قد يُثير احتجاجات شعبية فيهما، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة.
هل يمكن تنفيذ الخطة عمليًّا؟: مصر أقامت جدارًا حدوديًّا مع غزة وعززت تحصيناتها العسكرية في سيناء لمنع أي تدفق قسري. الأردن يربطه بغزة حدود غير مباشرة (عبر الضفة الغربية المحتلة)، مما يجعل النقل الجماعي شبه مستحيل دون موافقة إسرائيلية مصرية أردنية مشتركة. ستواجه الخطة إدانة واسعة من الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وحتى دول عربية تقليدية الحليفة لواشنطن، مثل السعودية.
لماذا يُصر ترامب على هذه الرواية؟: قد يكون الهدف تعبئة القاعدة الانتخابية اليمينية في الولايات المتحدة، التي تُؤيد بشدة الحكومة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو. عبر جعل القضية الفلسطينية "مشكلة لاجئين" عابرة للحدود، بدلًا من التركيز على إنهاء الاحتلال، يسعى ترامب لإضعاف حل الدولتين. محاولة فرض سردية مفادها أن الفلسطينيين "غير مرتبطين بأرضهم"، تمهيدًا لضم إسرائيل الكامل لغزة والضفة الغربية.
خلاصة الوضع: التهجير القسري للفلسطينيين ليس خيارًا واقعيًّا أو أخلاقيًّا، لكن استمرار التصريحات الأمريكية الداعمة له يُعطي غطاءً لسياسات إسرائيل التصعيدية، مثل التمدد الاستيطاني أو الحروب المتكررة على غزة. رغم الضجيج الإعلامي، فإن تنفيذ الخطة يتطلب تحالفات إقليمية ودولية غير موجودة حاليًّا، لكن مجرد تداول الفكرة يُعد انتهاكًا صارخًا للحقوق الفلسطينية ويُعرض الولايات المتحدة للمساءلة القانونية والأخلاقية.
|