منى المحاقري - في زاوية مكتظة بمدينة جدة السعودية، جلس صقر (12 عامًا) يمد يديه الصغيرتين نحو المارة، ودمعه يُخفي وراءه قصة تهجير قسري، وفقدان للأب، ومرض للأم، ثم استغلال من قبل عصابات الاتجار بالبشر. لم تكن دموعه مجرد تعبير عن جوع جسده النحيل، بل صرخة تفضح واقعًا مأساوياً لأطفال اليمن، الذين حوّلتهم الحرب إلى سلعة في أسواق المعاناة .
بدأت رحلة صقر عندما فقد والده في قصف على مدينة تعز، لتبدأ أسرته رحلة نزوح داخل اليمن، ثم محاولة عبور الحدود إلى السعودية، أملاً في لقمة عيش. لكن الواقع كان أقسى: أم مريضة، وإخوة صغار، دفعوه لتحمّل عبء الإعالة عبر التسول. هذه القصة ليست الوحيدة ، فتقارير الأمم المتحدة تشير إلى أن *60% من اليمنيين يعيشون تحت خط الفقر*، وأن آلاف الأطفال يُهربون إلى السعودية سنويًا للعمل القسري أو التسول .
لم يكن صقر يعلم أن رحلته ستنتهي باستغلال من "ابن بلده"، الذي أجبره على التسول لصالحه، وهدّده بالضرب إن لم يُحقق مبالغ يومية. كشف فيديو نشره ناشط سعودي على مواقع التواصل الاجتماعي تفاصيل هذه المعاناة، حيث ظهر صقر مُنهارًا وهو يروي كيف تُدار شبكات منظمة لتهريب الأطفال اليمنيين عبر الحدود اليمنية السعودية .
وفقًا لتقارير حقوقية، تُعد السعودية وجهة لأكثر من *10,000 طفل يمني*، يُهربون سنويًا، بعضهم يُجبر على التسول، وآخرون يُستغلون جنسيًا أو في أعمال خطرة. ورغم الجهود اليمنية والسعودية لمكافحة هذه الظاهرة، إلا أن الترحيل السريع للأطفال دون ضمانات آمنة لعودتهم يجعلهم فريسة متكررة للعصابات المستغلة .
وبالفعل تم لقبض على المُستغل لصقر، لكن الحكاية تكشف إشكالية أعمق: فالقوانين السعودية تجرّم التسول وتُسرع بترحيل الأطفال، لكنها لا توفر حماية كافية لضحايا الاتجار. فمراكز الاستقبال للأطفال المتسولين تُقدم خدمات أساسية، لكنها تُرحّل الأطفال خلال أيام، غالبًا دون ضمان عدم عودتهم للاستغلال .
من جهة أخرى، تفتقر اليمن – بسبب الأوضاع الاقتصادية الصعبة – إلى بنية تحتية لحماية الأطفال، مما يجعل عودتهم إلى بيئة الفقر ،حلقة مفرغة. كما لايوجد تشريعات لدينا وقوانين رادعة لعمليات تهريب وتشغيل الأطفال خارج اليمن .
تقول منظمة "إنقاذ الطفولة":"الصراع في اليمن أفقد الأطفال كل شئ"
أحدث فيديو صقر زلزالًا على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تفاعل ملايين اليمنيين مع هاشتاغ #الطفل اليمني صقر، وسارعوا لتقديم الدعم المادي والمعنوي. وتدخلت شخصيات سعودية ، لتغطية مصاريف علاج والدته، بينما قدم رجال أعمال يمنيون منزلاً وسيارة لعائلته .
لكن التعاطف والحماس الجماهيري لا يكفي. فقصة صقر تطرح تساؤلات عن دور المجتمع الدولي في وقف العدوان على اليمن ورفع الحصار الجائر على موارده الاقتصادية الذي تسبب في أزمة إنسانية خلّفت أكثر من 24 مليونًا بحاجة للمساعدة الإنسانية- وفقا للأمم المتحدة- وأجبرت الأطفال على أن يكونوا وقودًا لها، سواء كمقاتلين أو متسولين وفي أحسن الأحوال عاملين في أعمال لا تتناسب مع أعمارهم متسربين بذلك من التعليم الأساسي .
إن الطفل "صقر "لم يعد مجرد طفل متسول، بل أصبح رمزًا لجيلٍ يدفع ثمن حرب لم يخترها. دموعه تُذكّر العالم بأن وقف العدوان على اليمن ليس خيارًا إنسانيًا فحسب، بل واجب أخلاقي. فهل تُغيّر قصته من مسار الأزمة اليمنية ، أم ستُضاف إلى سجل المآسي التي تُختزل في إحصاءات؟
"أريد العودة لأمي".. بهذه الكلمات البسيطة، لخّص صقر حلمًا يتطلع إليه ملايين الأطفال في اليمن. فهل تسمع المنظمات الحقوقية والجهات الحكومية والمجتمع الدولي لهذا النداء؟
|