د.محمد علي بركات - ينتهج الإعلام العربي الخاص والعام ممارسات غير مسئولة في ظل المتغيرات الراهنة الإعلامية والسياسية الدولية.. تؤكد عدم قدرة هذا الإعلام على الخروج من الدائرة السلطوية المغلَقة التي حاصر نفسه بداخلها بصورة جلية.. ولهذا كان من الطبيعي وقوعه في فخّ التضليل والوهم، والابتعاد عن الشفافية والحقيقة والوعي، وكذا تحوير الوقائع، وتحويل الهزائم المتعددة إلى انتصارات وهمية.. وبالتالي فإن الإعلام العربي في معظمه ليس جديراً بحَمْل مسئولية إحداث تغيير جوهري في عُمق البنية المعرفية الاجتماعية العربية والإسلامية لأنه يعتمد على تجييش المشاعر المتدفقة والعواطف الملتهبة، ويقوم على الكذب الصارخ والتضليل السافر.. بل ويُمعِن في استغباء المتلقّين بشكل واضح ومستمر.. كما حصر اهتماماتهم بقضايا وأمور بعيدة تماماً عن الحكمة والمنطق والعقل، وعن بناء أسس التفكير السليم الذي يمكن من خلاله بناء مستقبل مزدهر ..
وربما يظل للإعلام السياسي في ظل الأنظمة الديمقراطية التعددية دورٌ في دعم شئون حقوق الإنسان وخدمة حرية التفكير والنقد وقِيَم التعددية.. وتكريس معاني الوعي والمسئولية والحوار والانفتاح والاعتراف بالآخر، وكذا إبراز التنمية السياسية والاجتماعية الحقيقية.. أما الإعلام العربي سواءً الرسمي أو الخاص فهو يعيش مأزقاً خطيراً، حيث يحاصَر بالضوابط والقيود السياسية، والخطوط الحمراء والسوداء، إضافةً إلى الدوافع الذاتية التي تراعي توازنات مختلفة.. ليصبح أي حوار فكري أو سياسي أو نقاش اجتماعي خروجاً على القانون أو العُرف؛ ووفقاً لهذا التصور يتم حجب أي حديث أو حوار خارج المألوف والعُرف، حتى لو كان الهدف منه تصحيح الأخطاء أو تغيير توازنات تخل بالنظام العام، أو توجيه مواقع منحرفة..
إن الإعلام بسياساته الزائفة تلك كان يرتكز على مقومات وأسس ومظاهر عامة في إطار حركته المحلية والدولية.. ولا حرج لدى المسئولين عن الإعلام العربي الخاص والعام في تبنّي تقديم ثقافة جماهيرية سطحية.. يتم تشكيلها من الفن الهابط – إذا جاز تسميته فناً – والموسيقى الصاخبة والمبتذَلة الجنونية.. والأدب الركيك الغرائزي الذي ليس له أهداف حياتية سامية.. فالغاية هي إخفاء الحقائق وتزييف وعي الناس وتخدير العقول، وتسطيح الأهداف والتطلعات، وتعميم ثقافة الخنوع والاستسلام بتلك الصورة المزرية.. وذلك يعني بناء الإنسان المختزل ذي الاتجاه الواحد، ويسري الأمر على المجتمع، حيث يحكم أبناءه التفكير المبرمَج وفق ما رسم لهم مسبقاً من خطط وتوجهات، وتظل عقولهم أسيرة للمفاهيم والرؤى التي زرعت فيها والأفكار العقيمة غير المجدية..
يُضاف إلى ما سبق استمرار التغطية الإعلامية على مواقع الخلل والفساد والإفساد وعناصرها الحاصلة في كافة مواقع المجتمع وهياكله السياسية والاقتصادية والاجتماعية.. والكارثة أن تظل الحقيقة غائبة في كل ذلك، ويستمر أسلوب الحجر والوعي وفق سياسة التعمية.. وتلك هي القضية.
|