د. محمد علي بركات - الرحمة قيمة سامية من القِيَم الإنسانية التي يحضّ عليها الإسلام في القرآن الكريم في العديد من الآيات القرآنية الكريمة.. وكذا في الأحاديث النبوية الشريفة للمصطفى عليه صلوات الله وتسليمه.. والرحمة من أنبل وأسمى صفات المؤمن الحق، وقد سمَّى الله عز وجل نفسه بالرحمن الرحيم لما تحمله هذه الصفة من معانٍ ودلالات عظيمة.. ولأسباب عِدة تغيب هذه الصفة الرفيعة لدى كثير من بني البشر أهمها وأسوأها الطمع والجشع، وغياب خشية الله سبحانه، وانعدام الضمير الإنساني وضعف العقيدة الدينية.. وكذلك تناسي مبدأ التراحم والتعاطف، وروابط الأخوة الإسلامية والإنسانية.. وهو المبدأ الذي جسَّده نبي الرحمة (صلى الله عليه وعلى آله وسَلَّم) في الحديث الشريف بقوله: (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحُـمَّى والسهر).. كل ذلك يدفع أولئك لتحقيق أطماعهم ومآربهم باستخدام مختلف الطرق غير المشروعة، وأوضح دليل على ذلك ما يحدث إما خلال المواسم والأعياد والمناسبات الدينية، أو أثناء الحروب والأزمات من عبث وارتفاع جنوني في أسعار المواد الغذائية والمتاجرة غير المشروعة بأقوات الناس ومتطلبات المعيشة الضرورية دون أي مبرر.. إضافةً إلى ما يُرتكب من مخالفات صارخة قد تعرّض حياة المواطنين لأخطار صحية أو لأضرار مادية.. حيث يتم إغراق الأسواق بسلع غذائية إما سيئة التخزين أو منتهية الصلاحية.. ويقوم محترفو الغش بتمديد تواريخ صلاحيتها خِداعاً للمستهلِكين الأبرياء الذين يقعون ضحية عملية الغش والتصرفات غير السوية.. كما يسارع عدد من كبار التجار - مستغلين ظروف الناس – باحتكار السلع الغذائية الأساسية وغير الأساسية.. وعندها يزيد الطلب على تلك السلع فترتفع أسعارها بشكل كبير مما يثقل كاهل المواطنين وعلى وجه الخصوص الفقراء ومحدودي الدخل الذين يعانون نغص العيش ويعيشون واقعاً مريراً باستمرار.. وذلك جراء ما يتعرضون له من ظلم أرباب الجشع والابتزاز دون أدنى رحمة أو شعور بآلامهم وهمومهم، ولهذا لم يتمكنوا من العيش في سلام واستقرار.. المحزن حقاً أن يسرح كبار المستغلين ويمرحون بكل صلف وغرور على مرأى ومسمع من الجهات المعنية بالدفاع عن استقرار حياة المواطن المغلوب على أمره، وكأن الأمر لا يعنيها لا من قريب ولا من بعيد، وتلك سلبية متكررة.. وذلك يخالف مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية التي تحرّم الظلم والفساد، وتحثُّ على تحقيق العدالة والتمسك بالمبادئ الأخلاقية السامية.. وفي خِضَم هذه الظروف والأحوال التعيسة، يبدو أن القوانين واللوائح المتعلقة بتلك الشؤون مغيَّبة، ولن تفلح أي عملية للإصلاحات في أي مجال إذا تم التعامل مع تلك القوانين وفق واحد من اختيارات ثلاثة: إما تقاعس المعنيين عن تنفيذها، أو جهل أولئك بها، أو تسخيرها لتحقيق رغبات ذاتية..
وحتى تمضي عملية الإصلاح والتغيير الإيجابي في مسارها الصائب، وتتجاوز البلاد مخاطر تلك الفوضى العاتية أو (الهوشلية).. سواءً (هوشلية الأسعار) أو (هوشلية الإجراءات الحكومية)، لا بد أن يدرك المعنيون خطورة وتَـبِـعات ما يتعرض له عامة الشعب من معاناة ومنغصات، وعدم استقرار في الحياة المعيشية.. والحرص على التعامل مع هذه المشكلات بالغة الأهمية بحكمة وروية، وبضمائر حية نقية، بما يضمن تحقيق العدالة الاجتماعية.. والعمل دون هوادة على وضع حد للتلاعب بأقوات الشعب، وإيقاف المتلاعبين و المحتكرين للسلع الغذائية كل عند حَـدّه.. والمبادرة باتخاذ إجراءات حاسمة حِيال ذلك وخطوات جادة.. ولا بد أن يدرك كبار التجار أن القناعة والربح الحلال المعقول كنز لا يفنى، وأن كل كبير وكل غني فوقه الأكبر والأغنى مالك المُلك الذي يعطي المُلك لمن يشاء وينزع المُلك عمن يشاء من عباده.. ندعو الله جل شأنه أن يقتدي الجميع بحديث المصطفى عليه الصلاة والسلام خير البشرية (الراحمون يرحمهم الرحمن) حتى يسود التراحم والمودة بين الناس ويزول حب الذات والطمع والجشع والأنانية المفرَطة التي تولّد البغضاء والحقد والكراهية.. وتلك هي القضية.
|