أحمد الشاوش - في الساعة السادسة إلا ربع من مساء يوم الأربعاء الخامس من رمضان، وقبل إطلاق مدفع رمضان وارتفاع أذان المغرب، تحوَّل أحد سائقي باصات الأجرة في خط الحصبة المطار بصنعاء، إلى وحش مفترس ومدفع آخر جعفر بالركاب وطعفر المارة بعد أن صاح وانطلق من كرسي السياقة كالثور الهائج مهاجماً أحد الركاب الهادئين الذي صعد إلى الباص مع جونية رومي تابعة له بشكل نظامي طرحها بجواره وصرخ عليه السائق بصوت عالٍ وشتمه أمام الناس بحجة أن الكيس سد جزءاً قليلاً من المدخل رغم أن الراكب طلع وفقاً لنداء السائق ومندوب الفرزة ووضع كيسه بأمان الله دون ان يرد عليه الراكب بأي كلمة أو عيب..
وفي حالة هيجان وغضب غير مبرر سارع السائق إلى سحب الكيس ورجمه على الأرض حتى اشتطت وتناثرت منه بعض حبيبات الرومي أمام الناس في موقف صادم وخارج عن الأخلاق والقِيَم الدينية والإنسانية والذوق العام، كما تفوَّه بكلمات بذيئة.. وسبحان الذي زيَّن الراكب بالسكينة التي فوَّتت موقفاً لا تُحسَب عواقبه..
لم يكتفِ السائق بذلك بل صرخ في وجه امرأة وابنها بصوت مرتفع ادخلي وابنك إلى داخل بلا قلة أدب للإفساح لمرأة أخرى رغم أنه كان بالإمكان أن يستخدم كلمة لو سمحت أو لو سمحتِ اقربي أو ابعدي شوية؛ ولكن فاقد الشيء لا يعطيه، وكأن السائق قليل الذوق خبير في شئون التربية أو مسئول سجن مركزي !!
وفي لحظة هدوء وتوازن تساءل الراكب الذي تعرَّض للشتيمة والأذى: أين مندوب الفرزة.. أين مندوب المرور أشتكي بالسائق الذي أهان كرامتي وشرفي.. ورغم وجود مندوب الفرزة إلا أن المجاملة كانت لسان حال الواقع اليمني رغم أنه متواجد وشاهد كل شيء والكاميرا بجوار الفرزة موثقة ومسجلة كل شيء، لكن المندوب تجاهل الشكوى وكأنه موظف مع سائق الباص، ومقابل المائة الريال الجباية تُهدَر كرامة الناس دون أن يُضبَط صاحب الباص أو يبلغ به للمرور، وما كان من المواطن المنكوب والمظلوم إلا أن رفع يديه بحرقة وصوت مرتفع يكاد يهز عرش الرحمن.. اللهم انتقم من صاحب الباص الذي أهان كرامتي وشرفي ومن كل ساكت عن الحق.. وأخذ أدواته وركب الباص الثاني بعد أن قال له مندوب الفرزة خلاص يا رجال طلّع الكيس حقك وواصل المشوار.. فردَّ عليه قسماً ما أركب مع سائق عديم الأخلاق والقِيَم وركب الباص الذي بعده في الفرزة!!؟
هذه صورة من صور الفوضى والبلطجة والغرور والطغيان والفساد والإفساد في الأرض، ومخالفة صريحة للقوانين ولوائح المرور والذوق العام بعد أن تحوَّل البعض من سائقي الأجرة إلى وحوش مسعورة، رغم أنهم يبحثون عما يسد جوعهم..
لا ندري هل السائق في خدمة الركاب أم أن المواطن الراكب في خدمة السائق.. هل امتلاك السائق وسيلة نقل أو استئجارها من شخص يجعله يقل أدبه ويمارس مايشاء، أم أن هناك ضوابط لأمثال هؤلاء المتهورين والصعاليك؟
كيف تُمنَح ملكية سيارات الأجرة ورخص القيادة.. هل لكل من هبَّ ودبَّ للمعاقين والصعاليك والمسجَّلين خطراً وقليلي الذوق والأدب وعاكسي الخطوط؟!
السؤال الذي يجول في خاطر كل مواطن: هل مندوبو الفرز الذين لا يهمهم إلا الجباية على كل دباب أو باص أو حافلة أجرة، على قَدرٍ من الأخلاق والنزاهة والأمانة والمسئولية، أم مجرد صعاليك وسوابق وبلاطجة هذا يضرب بالصميل دباب أجرة مخالفاً أو لم يُعطِهِ مائة ريال؛ وهذا يسحب ويهزوِر سائقاً آخر وكأننا في جمهورية المندوبين التي لا يحكمها عقل ولا قانون ولا قِيَم ؟!
هل قامت إدارة المرور بتعميم رقم بارز للطوارئ والشكاوى على كل باص وسيارة أجرة للاتصال في حالة حدوث أي مشكلة أو قضية سواءً ضد رجل المرور المبتز وسيئ التصرف أو أصحاب الباصات والسيارات الأجرة أو حتى السيارات الخصوصي في حالة معاكسة النساء، أو الإبلاغ عن حادث صدام وهروب سائق..؟!
هل هناك برنامج توعوي يومي أو أسبوعي للإدارة العامة للمرور وإرشادات ونصائح لرجال المرور والسائقين والركاب والمواطنين على غِرار برنامج سلامتك؟..
حادثة الأربعاء الصادمة قبل أذان المغرب في الشهر الكريم أوجعتنا وهزت كياننا عندما شاهدت وسمعت بعيني تلك الواقعة أنا وأحد أبناء الحديدة الذي أحتفظ برقمه كشاهد عيان في نفس الباص وبجوار السائق الذي تجاوز كل الحدود ..
حاولنا نقول له يا أخي اهدأ.. صَلّ على النبي.. الأذان قرب.. جرحت صومك.. وأهنت كرامة الرجل والمرأة.. الكلمة الطيبة حسنة.. فردَّ بالحرف الواحد في ثورة غضب.. الله يلعن أبوه ووالديه بلهجة بدوية قريبة من أهل البيضاء.. ينزل من باصي دون أن يُدرِك أنه مجرد سائق ومقدم خدمة بفلوس وأنه يخضع لقوانين المرور، ما لم فعليه أن يغادر الفرزة بدلاً من المشاكل..
وفي النهاية يقلك عنده قولون وسكر وهريسة وبقلاوة وقريح، في محاولة لتبرير ما ارتكبه من إثم وخطأ بحق الآخرين وتجاوزاً للوائح المرور وإقلاق السكينة.. لسنا مع الانتقام والغرامات التي تدق العظم وإنما مع القانون واللوائح وتسجيل أي سائق تعهُّداً خطياً بعدم تكرار مثل هذه التصرفات الطائشة؛ وفي حالة التكرار يُمنَع منعاً باتاً من قيادة أي وسيلة نقل أو أجرة ويتم التعميم حفاظاً على أمن واستقرار البلد وهيبة المرور وكرامة المواطن..
أخيراً.. نأمل من إدارة المرور العودة إلى مندوب فرزة الحصبة - المطار، الصامت وإلى كاميرات الرقابة التي تختزل المأساة..
كما نأمل قبل منح أي سائق أجرة أو خصوصي رخصه سياقة إقامة محاضرات في التربية والسلوك واللياقة وفن التخاطب مع الناس وتفريغ الكاميرات أولاً بأول ورصد أي إشكاليات؛ وإلزام السائقين والمندوبين ورجال المرور والضبط المروي بالأخلاق وتطبيق القانون، وعدم فتح باب السيارات والباصات والحافلات بالقوة في حالة أي مخالفة، وإنما الاكتفاء بتسجيل الرقم وقطع ورقة المخالفة حتى لو اقتضى الأمر حرمان السائق المتهور أو قليل الأدب من نزع رخصة السياقة؛ وكل مرتشٍ من رجال المرور والضبط المروري بالفصل من الخدمة.. العالم أصبح أين، واحناااا أين؟!!
|