أحمد الكبسي* - تحلّ الذكرى الخامسة والثلاثون للوحدة اليمنية التي أُعلنت في 22 مايو 1990م، وقلوب اليمنيين معلَّقة بوطن جريح يحاول أن ينتزع صموده من بين أنقاض الحصار والدمار والنار المتصاعدة من قصف العدوان الصهيو أمريكي.. لم تكن الوحدة مجرد إعلان سياسي بل كانت تتويجاً لحُلم أبناء الشعب اليمني، نبت من رحم التاريخ وسُقِي بتضحيات الأحرار في الشمال والجنوب، لكن هذا الحُلم اليوم بات يُقاوم رياح التقسيم ومخططات الاستعمار الجديد..
منذ ما يقارب عقداً من الزمن واليمن يرزح تحت عدوان متعدد الأوجه تقوده الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا بشكل مباشر وتنفّذه أدوات إقليمية من السعودية والإمارات عبر مرتزقة محليين وفصائل وميليشيات بعيدة عن المشروع الوطني الجامع.. ليس العدوان مجرد صراع عسكري فحسب بل هو محاولة اقتلاع للهوية الوطنية وتشويه لمشروع الوحدة وتدمير ممنهَج لمقوّمات سيادة البلد..
على وَقْع هذا العدوان تتكاثر المشاريع التقسيمية كالأورام، تنمو حيث الفوضى وتتغذى على ضعف الموقف الدولي.. فالوحدة اليمنية التي لطالما كانت صمام أمان للهوية والكيان، تواجه اليوم محاولات تفكيك ممنهَجة تنفّذها قوى دولية وإقليمية عبر دعم فصائل انفصالية وترويج خطاب مناطقي تُغذّيه أدوات إعلامية مموَّلة وموجَّهة.. إنّه مخطط لا يهدف فقط إلى تقسيم الأرض بل إلى تمزيق الوجدان الوطني وخلخلة فكرة الانتماء نفسها..
وتبرز محافظة حضرموت كإحدى أبرز ساحات هذا الصراع الإقليمي المحتدم، فعلى أرضها تتقاطع مصالح الإمارات والسعودية وتتداخل الأجندة الأمريكية والبريطانية، وكلّها تطمح إلى السيطرة على الثروات النفطية والموانئ الحيوية.. وتُسجَّل زيارات متكرّرة لمسئولين غربيين إلى مناطق جنوبية تحت ستار مكافحة الإرهاب، لكنها في جوهرها محاولات لترسيخ قواعد عسكرية طويلة الأمد واستغلال الموارد لصالح الأجندة الأجنبية، لا مصلحة اليمنيين..
وفي ظل هذا المشهد المعقَّد لا يزال الحل السياسي معطَّلاً بفعل تمترس قوى الارتزاق خلف مشاريعها الصغيرة ورفضها أي مسار وطني جامع.. وفي المقابل أظهرت القيادة الوطنية في صنعاء انفتاحاً حقيقياً على السلام العادل، لكن الطرف الآخر يراهن على حماية الأجنبي ويُغذّي صراعاً مدفوعاً بعقود من التبعية والتفريط بالسيادة..
رغم هذا السواد تبقى الوحدة اليمنية كالنّبض في جسد الأمّة لا يُطفئه قصف ولا تُغرقه مؤامرات؛ فهي ليست شعاراً سياسياً بل مشروع حياة تتشبَّث به الأجيال لأنه يُمثّل الخلاص من مشاريع التقسيم والارتهان.. فالوحدة هي التعبير الأسمى عن هوية يمنية جامعة لا تقبل الانقسام مهما اشتدّ البلاء.
*المستشار الإعلامي لمجلس الوزراء
|