علي عمر الصيعري -
ونحن نحتفي بالذكرى الـ 51 لتأسيس أول تجربة ديمقراطية قامت على أُسس انتخابية قانونية، واعتمدت طريقة الانتخابات الحرّة المباشرة في 72 أبريل من العام 3991م، حريٌّ بنا أن نعود بذاكرتنا إلى الأيام الأولى التي بدأت تتخلّق فيها هذه الانطلاقة التي وصفها المؤرخ الفرنسي الشهير «شارل سان - برو» بأنها: (تشكّل بالفعل ثورة حقيقية هادئة لليمن......) «العربية السعيدة - الطبعة الأولى 9991م - ص911».
فهذا اليوم المجيد لن يوفّيه حقه ما يدبج عنه من مقالات إنشائية تتغنّى به وتمتدحه، بل يتطلب منّا التذكير المتواصل بأهم المقدّمات والخطوات والمواقف والإرهاصات الأولى لولادته، لننقش في ذاكرة جيل الوحدة والأجيال القادمة عظمة هذه التجربة التي أنصفها المفكّر «إيريس جلوزماير» بالقول: (بلغة الحرية تُعتبر اليمن متفرّدة في العالم العربي) «التحوّل الديمقراطي في اليمن - أحمد عبدالله الصوفي وآخرون - ص5».
كانت البداية كما أوضحها محقق الوحدة والمؤسس الأول للديمقراطية فخامة الأخ الرئيس المعلّم/ علي عبدالله صالح - حفظه الله - في حديث له مع «شارل - برو» بالقول: (يجب أن تقوم علاقة وثيقة بين الوحدة من جهة والديمقراطية والعصرنة من جهة ثانية، والخيار الذي قمنا به هو خيار إجمالي: تحقيق الوحدة الوطنية وتوطيدها يسيران جنباً إلى جنب مع تعميق الديمقراطية الذي جعل من اليمنيين المواطنين الأحرار لبلد موحّد ومتضامن، لذلك انخرطنا منذ اليوم الثاني للاستفتاء في إطلاق العملية الديمقراطية) «المصدر السابق - العربية السعيدة - ص911».
إذ أن أول خطوة نجح في تحقيقها فخامة الأخ/ الرئيس بروح التوافق والاعتدال وإيمانه العميق بأهمية الحوار هي إنجاز الاستفتاء الشعبي على الدستور في 51 مايو 1991م بعد سلسلة من الحوارات مع الأوساط الدينية المحافظة والحزب الاشتراكي اليمني، خاصة حول المادة (3) من الدستور، وقد تم هذا بتصويت 3.89% من الناخبين بـ (نعم)، على الرغم مما كانت تمرّ به اليمن من أزمة اقتصادية واجتماعية بدأت من أغسطس عام 0991م إلى أبريل 1991م، على إثر عودة مليون مغترب يمني كانوا في دول الجزيرة والخليج العربي، ومع ذلك أثبت اليمنيون أن الوحدة والدستور وسيادة وطنهم الحرّ أقوى من كل التحديات.
ثم أذنت الخطوة الثانية لانطلاقة العملية الديمقراطية والتي استهدفت التشريع لقانون مؤطر للعمل الحزبي السياسي إلى صورته التعددية، وفي ضوء مشروع الاتجاهات الأساسية التي وضعتها «لجنة التنظيم السياسي الموحد» في 5 مايو 0991م قدّم إلى مجلس النواب في ديسمبر 0991م لمناقشته وإقراره، وفي 61 أكتوبر من العام 1991م صدر تحت مسمى «قانون الأحزاب والتنظيمات السياسية» رقم (66) لسنة 1991م. (لمزيد من التفاصيل راجع كتاب: التعددية السياسية في اليمن - نشوان محمد السميري - طبعة أولى 1002م).
أما الخطوة الثالثة فقد تمثّلت في الإعداد لوضع أول مشروع قانون انتخابي ذي خصوصية يمنية، وكانت الحكومة آنذاك قد استكملت مسوّدة هذا المشروع تحت مسمّى «قانون الانتخابات العامة» وحددت منتصف فبراير 2991م لتقديمه إلى مجلس النواب لإقراره.
وانطلاقاً من استشعار المؤتمر الشعبي العام لمسئوليته التاريخية تجاه أول تجربة ديمقراطية سيشهدها يمن الوحدة، بادر إلى الدعوة لندوة موسعة تحت شعار «من أجل قانون انتخابات يجسد الديمقراطية في الجمهورية اليمنية» رأس لجنتها التحضيرية الفقيد الراحل الدكتور/ أحمد علي البشاري - طيّب الله ثراه - حينما كان رئيس فرع المؤتمر بجامعة صنعاء.
وقد شارك في هذه الندوة الكبيرة ( 352) شخصية من رجال الفكر والسياسة ومن الأحزاب والباحثين والكُتّاب والأساتذة والمتخصصين والقضاة والإعلاميين والعسكريين والمدنيين.
انعقدت هذه الندوة خلال الفترة من 61 - 71 فبراير عام 2991م في قاعة «نادي ضبّاط الشرطة» وما بدأت أولى جلسات مجلس النواب عصر يوم 71 فبراير إلا وتوصيات الندوة موزعة على هيئة رئاسة المجلس وأعضاء اللجنة الموسعة والموكل إليها دراسة مشروع القانون، وبهذا الجهد والمسئولية الجماعية صدر قانون الانتحابات رقم (14) لسنة 2991م. (لمزيد من المعلومات من الندوة راجع كتاب: النظم الانتخابية ومستقبل الديمقراطية في الجمهورية اليمنية - إصدار المؤتمر الشعبي العام - فرع جامعة صنعاء 2991م).
ثم جاءت الخطوة الرابعة وهي تشكيل اللجنة العليا للانتخابات فصدر قرار تشكيلها في 81 أغسطس عام 2991م من أجل التحضير والإعداد للانتحابات النيابية التي كان مقرراً إجراؤها في 22 نوفمبر 29م، وهو توقيت نهاية الفترة الانتقالية، إلا أن «حركات البيض» والتي كان بدأها في صيف 29م وزاد منها في بداية نوفمبر من ذات العام، صعّب من إجراء الانتخابات وضيّق وقتها، الأمر الذي اضطرت الحكومة معه للإعلان عن إرجاء الانتخابات إلى 72 أبريل عام 3991م.
شهدت الساحة اليمنية تأزمات واحتقانات سياسية في تلك الفترة تداركها الأخ/ الرئيس بحكمته وصبره واعتماده على الحوار، إلى أن أوصل اللجنة العُليا إلى برّ الأمان، ومعها تحت إجراءات التقسيم الإداري وتحديد مقاعد البرلمان بـ 103 مقعد، وتسجيل الناخبين وتشكيل اللجان الإشرافية والفرعية.
وفي صبيحة يوم ربيعي بهيج أطلّ علينا يوم السابع والعشرين من أبريل من العام 3991م عندما فُتحت مراكز الاقتراع ونُصبت صناديق الاقتراع وتدافع الناخبون بأعداد كبيرة ليسجّلوا في تاريخ وطنهم يوماً خالداً مشرّفاً هو أول أيام الديمقراطية، وقد استحقت اللجنة العُليا تحية الجميع على جهودها المبذولة.
وبحسب «شارل - برو» فإن أكثر الناس من القادة قلقاً على هذا الميلاد الديمقراطي هو فخامة الرئيس/ علي عبدالله صالح، فقد صرَّح عقب نجاح الانتخابات قائلاً:
«كان رهاناً خطراً تنظيم انتخابات شاملة وحرّة وتعددية في بلدان العالم الثالث لا يملك تقليداً ديمقراطياً، استمرينا حتى اللحظـة الأخيرة نتساءل: كيف ستجري الأمور؟ وفي نهاية المطاف أعطى الشعب اليمني في هذه الانتخابات برهاناً ساطعاً على نضوجه وحسّه بالمسئوليات» (المصدر السابق - العربية السعيدة - ص721).
[email protected]