الميثاق نت - تتمتع عمران بخصوصية متفردة، تجعلها أكثر المحافظات تفرداً عند اشتداد الأزمات كتلك الحلول التي تبتكرها لفك عقد الديمقراطية، في لحظة ينتظر فيها المراهنون اندلاع المواجهات المسلحة بين تجمعات القبائل المحتشدة عند فوهة الصناديق، ومع أن عمران أحد أبرز المحافظات اليمنية تمسكاً بقيم وأعراف القبيلة، والمعقل الرئيسي لقبيلة حاشد، فهي تحرص على المشاركة الديمقراطية في كل مناسبة وبتوافق قبلي، يرضي أطراف النزاع، أما الجماهير فرضاها من رضا " الشيخ ".
صباح امس اجتمع (95%) من أعضاء المجالس المحلية في (20) مديرية، لانتخاب أول محافظ لعمران عن طريق صناديق الاقتراع، أجمع الأهالي والهيئة الناخبة على اختيار الشاب كهلان مجاهد أبو شوارب محافظاً لهم، دون الالتفات لمعايير أخرى.. إذ لم يترشح أحد أمامه من أحزاب اللقاء المشترك المعارض، أو المستقلين فلكل أجمع على اختيار ( كهلان) تقديراً لمكانته الاجتماعية، وسيرة أبيه الشيخ الراحل مجاهد أبو شوارب .
تجمعات القبائل تخلت هذه اللحظة عن السلاح احتراماً لجلالة الديمقراطية، وحرصاً على نجاح عرس هم أصحابه، تركوا السلاح في البيوت، وسياراتهم خارج بوابة المجمع الحكومي ذو الطراز الحديث، والمساحة الواسعة، لم يبدُ أحداً ممتعضاً من تشديد الحراسة في منع السلاح والهواتف النقالة، امتلأت قاعة الديمقراطية شيئاً فشيئاً بأعضاء الهيئة الناخبة فيما كانت ثلاثة صناديق فارغة تقف على ناصية المنصة، وخلفها ثلاثة مقاعد بطاولاتها، خصصت لرئيس اللجنة الإشرافية عبد الحافظ السمة، وعضوي اللجنة وفي الخلف منهم أربع "كبائن" للاقتراع السري.. اكتمل النصاب الآن فقد حضر (403) عضواً من أصل 424 عضواً هم قوام الهيئة الناخبة..
لفتني في القاعة دخول سرب طويل من الأعضاء دفعة واحدة، لحى بعضهم توحي بأنهم من حزب الإصلاح المعارض، وأبرز أحزاب تكتل اللقاء المشترك المقاطع للانتخابات.. تأكدت الآن جميعهم إصلاحيون عددهم (119) عضواً حضروا لانتخاب مرشح المؤتمر لمنصب المحافظة بتوصية شخصية من الشيخ حميد الأحمر المعارض فالمرشح قريب له، و"الأقربون أولى بالمعروف".. وعمران دائماً تقول: القبيلة أولاً.. القبيلة ليست عائقاً أمام الديمقراطية، ولا تناقضها .
بدء الاقتراع .. وهتف كل من في القاعة: نعم للشيخ، تمت المناداة بحسب المديرية.. يصعد أعضاءها ويقترعون أمام الجموع ثم يودعون بطائقهم جوف الصناديق.. وبشهامة القبيلة يقف الشيخ المرشح عند بوابة الخروج يصافحه المقترعون: ألف مبروك يا شيخ، أنت جيد ابن جيد، فيرد: " مشكورين، مجمّلين.. بيضتُ الوجِيه".
ينتهي الاقتراع ويبدأ الفرز، بحضور وسائل الإعلام ومراقبين دوليين ومندوب المرشح، رئيس اللجنة: إجمالي المقترعين (403).. من قالوا: نعم للشيخ كهلان محافظاً لعمران (401)، الأصوات الباطلة واحد صوت، من قال: لا، واحد صوت .. يلتم رجال القبائل مرة أخرى يباركون للشيخ فوزه .
ثمة أشياء كثيرة تلفت الانتباه في عمران: المحافظ الجديد عمره (40) سنة حسب سيرته الذاتية، فيما وكلاء المحافظة الثلاثة أعمارهم بين (30-37) سنة، جيل جديد من الشباب الحاصل على تعليم عالي في دول الغرب، يتولى القيادة، عليه أن يتعامل الآن مع محافظة هي مركز أكبر معقل للقبيلة، عليه منذ الآن أن يبتكر حلولاً توافقية بين المدنية والقبيلة، بين قيم الديمقراطية وأعراف القبيلة، عليه أن يقدم حلولاً أكثر واقعية لتعليم الفتاة في الأرياف، والتخفيف من السلاح داخل عاصمة المحافظة .
كان عليّ أن أتجول قليلاً بين الأهالي، أسأل عن احتياجاتهم وماذا يريدون من المحافظ الجديد؟ فأنا على موعد لحوار معه عقب إعلان نتائج الانتخابات، تنحصر طلباتهم في استكمال مشاريع طرقات عاثرة، وبناء عشوائي في قاع البون الزراعي، وغياب الكهرباء في مناطق ،وانطفاءها في أخرى، والاهتمام بالزراعة والري .
وحده محمد عطيفة – عضو المجلس المحلي في المحافظة – قال ضمن طلباته أنه يتمنى وجود المرأة في المجالس المحلية للمديريات والمحافظة، "لأنها شريك فاعل".. غير أن لا أحد قدم "التعليم" ضمن اهتماماته.. وعند السؤال لماذا ؟
لأن رجل نظيف اليد واللسان أسمه المهندس ماجد الغانم كان مسئولاً عن المشاريع والتنمية في المحافظة، وركز جلّ اهتمامه بالتعليم، وبناء المدارس في (20) مديرية يشكل مجموعها محافظة عمران .
المهندس الشاب الذي حصل على درجة البكالوريوس في الهندسة المدنية من العراق سنة 1996م، يشغل الآن رئاسة لجنة المالية والتخطيط والتنمية في محلي عمران، ويحظى بشعبية واسعة، نظراً لديناميكيته في العمل .
ما يلفت النظر في عمران هو إشادة الأهالي المتوالية تجاه محافظهم السابق؛ في المقيل أو الشارع أو أمام المحافظ الجديد، جميعهم يظهر ثناءاً كبيراً للمحافظ السابق (نعمان دويد)، وأكثر من ذلك أن أجد من يصف "الأستاذ" بـ" الرجل الذي لا يتكرر"، واللافت أكثر أن أهالي عمران يرجعون كل جميل في محافظتهم؛ من مصنع الأسمنت إلى ترتيب الشوارع إلى "حُسن إدارة الأستاذ" وأجد مفردة ( إدارة ) تتكرر مع كل ثناء.
لكن شفاء العيّ السؤال: لماذا إدارة وكيف ؟
لأن : "الأستاذ" حاصل على ماجستير في الإدارة من الولايات المتحدة الأمريكية .
|