د. طارق المنصوب -
يحدد قانوننا المدني سن الرشد للفرد اليمني العادي بثماني عشرة سنة ميلادية، حتى يتجاوز مرحلة انعدام المسئولية ونقصان الأهلية القانونية، ويضع قانون الانتخابات نفس الشرط كي يبلغ الإنسان اليمني رتبة المواطن المُؤَهَل الذي يكون من حقه أن يتمتع بأهلية كاملة لممارسة كافة الحقوق السياسية والمدنية، التي ترتبها له صفة "المواطنة"، ما لم يحكم عليه في قضية مخلة بالشرف والأمانة ولم يرد له اعتباره بحكم قضائي بات، أو تظهر عليه علامات السَّفَه أو الجنون وسوء التصرف.
وحتى يبلغ الفرد سن الأهلية القانونية والسياسية المدنية فإنه يبقى تحت ولاية ولي أمره أو وصاية أحد أقاربه، ولا يكون من حقه أن يبرم عقداً أو يقوم بأي تصرف يرتب وضعاً مالياً أو التزاماً قانونياً دون موافقة ولي أمره أو الوصي عليه، مهما أبدى من علامات النضج والرشد في تصرفاته وأقواله.
وعلى الرغم من أن تجربتنا السياسية اليمنية في ظل دولة الوحدة لم تبلغ سن الرشد - بالمعنى المشار إليه أعلاه - إلا هذا العام بتدشينها لعامها الثامن عشر، فإن الأكيد أنها تجاوزت مرحلة النشأة الأولى واعتباط البداية وبلغت سن الرشد السياسي في سن مبكرة جداً، دون أن تحتاج إلى من يمارس عليها دور الوصاية أو الرقابة أو الولاية؛ إذ أبانت في فترة مبكرة عن نضج ورشد واضحين، وتجاوزت في منجزاتها أكثر الأحلام والتوقعات طموحاً وتفاؤلاً، مقارنة بالتجارب الديمقراطية والسياسية لكثير من الشعوب والأمم المعاصرة. يشهد على ذلك كل من تابع وحلل ودرس - بحيادية وموضوعية من الأشقاء والأصدقاء - التجربة الديمقراطية والسياسية اليمنية الناشئة أو شهد واقع المنجزات السياسية والمكاسب الحقوقية الكبيرة التي تحققت لشعبنا في ظل دولة الوحدة اليمنية خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً في عمر الديمقراطيات والشعوب، والتي نقلت تجربتنا السياسية والديمقراطية إلى مصاف التجارب الدولية الرائدة والراشدة.
ولعل أحدث تلك المنجزات مما يضاف إلى الرصيد الحافل بالتطورات والإصلاحات السياسية والديمقراطية ما عرفه مجتمعنا اليمني يوم السابع عشر من مايو الجاري؛ إذ شهدت بلادنا تدشين تجربة سياسية جديدة تمخضت عن انتخاب أمين العاصمة ومحافظي المحافظات، لأول مرة في تاريخ أمتنا اليمنية الحديث والمعاصر من طرف ممثلي الشعب اليمني في المجالس المحلية، لتساهم في توسيع مجال المشاركة الشعبية في صنع القرار وتحديد الاختيارات السياسية والتنموية، وتعزيز الرقابة الشعبية على الحكم على الصعيد المحلي، تنفيذاً للوعود الانتخابية التي أعلنها مرشح المؤتمر الشعبي العام في الانتخابات الرئاسية في برنامجه الانتخابي الذي نال بموجبه موافقة الشعب اليمني وثقته لمواصلة مسيرة الحكم الراشد وتحقيق الإنجازات، ورفع سقف الآمال والطموحات الوطنية والتصدي لكافة التحديات التنموية التي تجابه مجتمعنا اليمني وتجربته الوحدوية والسياسية الرائدة على الصعيد العربي والإقليمي، والدولي.
جميع هذه الحقائق الواقعية والشواهد الماثلة للعيان لا يمكن للمعارضة اليمنية أن تحجبها أو تغيرها أو تلغيها دفعة واحدة بقرارها مقاطعة انتخابات المحافظين، ومحاولات التشكيك في جدية وأهمية ما تحقق لمجتمعنا اليمني خلال مسيرته السابقة في ظل دولة الوحدة، وسعيها الحثيث لإجهاض كل محاولات الإصلاح السياسي وتطوير التجربة السياسية اليمنية، ورغبتها في إظهار التجربة اليمنية بمظهر القاصر الذي يحتاج إلى وصاية وتدخل خارجي حتى يجتاز مرحلة التطور السياسي ويصل إلى مرتبة النضج والبلوغ، وتبني مشاريع وأجندات إصلاح خارجية مما تصوره لها أطماعها ورغباتها المريضة أنه السبيل لبلوغ الحكم والوصول إلى السلطة عبر بوابات الإنكار والتجاهل لكل ما تحقق، والإكثار من الأكاذيب وتصديقها في الوقت نفسه.
إن أي عاقل لا يمكنه إلا أن يشهد بحقيقة ما تم إنجازه في مجتمعنا اليمني، وبوصول التجربة السياسية اليمنية إلى سن الرشد منذ فترة طويلة، وأي منصف سيقول: إن الشيء الكثير تحقق لوطننا اليمني في ظل دولة الوحدة اليمنية بالرغم من التحديات والصعوبات الداخلية والخارجية التي رافقت دولة الوحدة اليمنية منذ إعادة تحققها، وبسبب نقص الموارد التي حالت دون تحقيق أكثر مما تحقق. ومع كل ذلك، فإننا نؤكد أن توسيع سقف الطموحات والأماني بتحقيق المزيد من تلك المكاسب سيظل حلماً يمانياً بامتياز للقيادة والشعب اليمني، لن تقف دونه محدودية الإمكانيات وتزايد التحديات الداخلية والدولية التي تواجه مشروع الإصلاح الوطني والسياسي اليمني في ظل دولة الوحدة المباركة. وكل مايو ووطننا اليمني الموحد قيادة وشعباً يرفلون في خير وسلم دائمين، ومن إنجاز وحدوي وحضاري إلى آخر.
*- جامعة إب