كلمة الثورة -
من مصلحة القيادات الحزبية في الساحة الوطنية الاستفادة من تجارب الآخرين والكيفية التي يمارسون بها العمل السياسي والحزبي والتقاليد التي يحتكمون إليها إذ ليس عيبا ان يستفيد المرء من غيره ويعمل على الأخذ بما هو إيجابي في أي مكان كان وانما العيب في الانكفاء على الذات والتمترس في الأبراج العاجية والاعتقاد بانه قد وصل إلى درجة الكمال.
وتبرز الحاجة للانفتاح على تجارب الآخرين في ظل طغيان بعض المفاهيم القاصرة عن الديمقراطية والمحددات الناظمة لممارستها إلى درجة ان هناك من يتصور ان الديمقراطية عملية لا تحكمها أية ضوابط أو معايير وان بوسع كل إنسان تحت مظلتها ان يتصرف كما يشاء ويقول ما يشاء ويتبنى ما يحلو له من المواقف بعيدا عن أية مسؤولية قيمية أو أخلاقية أو وطنية أو مجتمعية.
وعليه فإذا كان من طبيعة الديمقراطية أنها تفضي إلى وجود سلطة ومعارضة.. وأن من يحوز على ثقة الناخبين في صناديق الاقتراع يتولى إدارة شؤون الدولة وتنفيذ برنامجه الذي صوتت له الاغلبية فيما على الآخر ممارسة دوره في المعارضة من خلال مراقبة أداء الحكومة وتقديم التصورات والأفكار التي تساعد على تجاوز الثغرات أو الاختلالات، فإن من أصول اللعبة الديمقراطية أن تحرص المعارضة على أن تشكل رديفا فاعلا للطرف الآخر وليس نقيضا له باعتبار أن ما يهدف إليه الطرفان هو خدمة الوطن.
إن النهج الديمقراطي الذي أصبح بالنسبة لنا في اليمن خيارا وطنيا تتأطر في نطاقه عملية التداول السلمي للسلطة يقتضي من مكونات العمل السياسي والحزبي، إدراك أن غاية ما تصبو إليه الديمقراطية في بنيتها الفكرية والثقافية ومضمونها الشامل هو فتح الأبواب مشرعة أمام كل القدرات والطاقات الوطنية للتنافس الخلاق من أجل تقديم الأفضل عن طريق تبني البرامج التي تتضمن رؤية كل طرف لمقتضيات التطور والنهوض التنموي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
ولأن هذه المسألة محكومة في هذا الإطار فإن من الواقعية أن تتبلور كل المواقف والتوجهات ضمن هذا القالب الذي تكون فيه المصلحة الوطنية فوق كل الاعتبارات وأي تصرفات تنحو خارج هذا السياق فلا بد وأن تصبح مرفوضة لتصادمها مع التطلعات المنشودة من الديمقراطية والتعددية السياسية وانحدارها في العمل الخاطئ والتوظيف السيئ للعمل الحزبي.
وبكل تأكيد فإن ترشيد تجربتنا الحزبية وترقيتها وتوجيهها نحو الاتجاه الصحيح، هو الكفيل بجعل تلك القوى الحزبية التي لم تستنج أو تستنبط الدلالات الواقعية للديمقراطية تجنب الخلط المريب والمعيب وعدم التمييز بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل وبين الاختلاف الجائز والخلاف الضار للوطن والمجتمع، وبين، ومعارضة الحزب الحاكم ومعارضة الوطن.
وهي الإسقاطات التي تزاوج في كثير من الأحيان بين المشروع وغير المشروع ونفترض أن تباينها مع الحزب الحاكم يعطي لها الحق في السير في الاتجاه المعاكس حيال قضايا وثوابت لا ينبغي بأي حال من الأحوال إخضاعها للنزق الحزبي أو تحويلها إلى أداة للابتزاز والمساومة.
وإذا ما تمعنا أكثر في بعض الوقائع نجد ان من يبررون أفعال الخروج على النظام والقانون يقعون في نفس الجرم الذي يقترفه من يأتي بذلك الفعل.
وأخطر ما في هذا التعامل الانقلابي على الديمقراطية تنصل أصحابه من مسؤولياتهم تجاه وطنهم ومجتمعهم وانغماسهم في ذاتيتهم ونرجسيتهم وكأن لا رابطة تجمعهم بهذا الوطن بكل ما تنم عنه هذه المشاعر السلبية من منحنيات مقلقة ومفزعة خاصة إذا ما اتت هذه السلوكيات من أفراد وقيادات محسوبة على نخبة حزبية يفترض فيها أن تكون في موقع القدوة في إخلاصها وإيثارها من أجل الوطن والدفاع عن مصالحه.
ونعتقد انه قد حان الوقت لكي يسعى هؤلاء إلى مراجعة أنفسهم والتخلص من تلك الغيبوبة التي تمسح من العقل والقلب أجمل ما فيهما من مشاعر الإحساس بمعنى الانتماء والتي يستمد منها الإنسان عزته وكرامته ومعنى وجوده في الحياة.
إذ أنه من غير المقبول أن تصبح علاقة البعض بوطنهم علاقة نفعية ومصلحية، فإذا ما تعذر الوصول إلى غاياتهم انقلبوا على كل شيء وتحولوا إلى معاول هدم وتخريب تنهش في هذا الوطن بسهامها بصورة غاية في الجحود.
وأمام كل ذلك فمن مصلحة الجميع ان يرتفعوا فوق التباينات والخلافات الحزبية انطلاقا مما لا يختلفون فيه، وهو الوطن الذي يفترض أن تكون مصالحه العليا محل اتفاق دائم باعتباره المقدس الذي لانساوي بدونه شيئا، فذلك هو الصحيح وما دونه خطأ لا يغتفر.