عبدالواحد هواش -
نفهم جيداً أن هناك "منابر" داخل الأحزاب الليبرالية، لها مساحات محدودة ومحكومة للاختلاف في وسائل
وأساليب وسياسات تحقيق أهداف وبرامج الحزب السياسية والاقتصادية والاجتماعية..الخ، ولكنها(أي المنابر)تلتزم جميعها في النهاية بما تقرره مؤسسات الحزب القيادية، وتنفذ- بالتزام ودقة وحرفية – خطط الحزب وقرارات قيادته ومواقفها المقرة.. لكن الذي لا يمكن فهمه أو استيعابه على الإطلاق، هو أن تكون في إطار الحزب الواحد، أحزاب باتجاهات وأهداف ورؤى وسياسات مختلفة إلى حد التقاطع!! وأن تقود هذه الاتجاهات وتعبر عنها، رموز في قمة الهرم القيادي لهذا الحزب، ولكل من هذه القيادات، هيكليتها الخاصة – أفقيا وعموديا- في كل تكوينات الحزب وأطره ومؤسساته التنظيمية والفكرية والإدارية!! هذه الحالة – بحكم المنطق والواقعية بكل مفاهيمها – حالة عدمية، معيقة ومكبلة لحركة الحزب، وليس لها أدنى علاقة بما يسمى ب«المنابر» أو" التنوع والتعدد داخل الحزب الواحد" – كما يقولون – لأن ما يتولّد في إطار الحزب - محل مثالنا- هو بروز افتراق وتناقض بينين وكبيرين بين قياداته وداخل مؤسساته، لاتقتصر على وسائل وأساليب ومنهج عمل الحزب، لتحقيق الأهداف الواحدة المتفق عليها!! وإنما تمس وتهدد أهدافه ومبادئه الأساسية وثوابته النضالية المثبتة في دستور الحزب ونظمه ولوائحه بما يجعل بقاء واستمرار هذه القيادات في مواقعها مستحيل جداً جداً، إذا لم يكن هناك اتفاق وخطة مدروسة ومتفق عليها لتوزيع الأدوار وافتعال المواقف والأهداف المتقاطعة للوصول الى غايات وأهداف معلومة ومخطط لها!! وحتى إذا ما استبعدنا هواجسنا المشككة، وأحسنَّا الظن بهذه الحالة، وسلمنا بما يُسوق لها من أسباب وظروف، فإننا نكون أمام حزب أصبح – للأسف الشديد – محل تنازع واختلاف بين قياداته وكوادره، تسعى كل منها لامتلاكه " كإرث" ومؤسسة تمثيلية نفعية-اعتبارية، مناطقية التمثيل، يعتقدون خطأ، أنها ستؤمن لهم الحفاظ على ذات المنافع والحقوق والمصالح الشخصية والنخبوية المكتسبة التي كان لابد أن تنتهي بإعادة تحقيق الوحدة واعتماد النظام الديمقراطي التعددي!! وهذا ما لم يستوعبه البعض، كما لم يستوعبوا أنه بعد ال22من مايو1990م، أصبحوا في يمن الوحدة، حزباً واحداً من مجموع 22حزباً، تغطي بامتداداتها ونشاطها الحزبي وتمثيلها كامل الساحة اليمنية، من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها!! ومن غير المعقول ولا المنطقي بعد كل هذا الإنجاز العظيم، أن يكون لأي حزب كان، ميزة أو حق احتكار تمثيل منطقة أو جزء أو محافظة، أو قطاع شعبي معين أو طبقة أو دين الخ، دون غيره من الأحزاب، ذلك أن الدستور يؤكد في المادة (1) على أن الجمهورية اليمنية "دولة عربية إسلامية مستقلة ذات سيادة وهي وحدةُ لا تتجزأ ولا يجوز التنازل عن أي جزء منها... إلخ ويقول في المادة(4) إن" الشعب مالك السلطة ومصدرها...إلخ" وفي المادة(5) منه" يقوم النظام السياسي للجمهورية على التعددية السياسية والحزبية...إلخ"،ويؤكد في المادة(60)على أن "الحفاظ على الوحدة الوطنية واحترام القوانين والتقيد بأحكامها واجبُ على كل مواطن"، كما أن قانون الأحزاب يشترط في الفقرة (رابعا) من المادة(8) " عدم قيام الحزب أو التنظيم السياسي على أساس مناطقي أو قبلي أو طائفي أو فئوي أو مهني أو التمييز بين المواطنين بسبب الجنس أو الأصل أو اللون"، ويشترط في الفقرة (ب) من المادة (14) "أن يضم الحزب في عضويته عند تقديم طلب الترخيص لمزاولة النشاط، منتسبين من أغلب محافظات الجمهورية اليمنية، بما في ذلك أمانة العاصمة" أي من (12) محافظة كحدٍ أدنى! تأكيداً لوحدة الأرض والشعب والهوية الوطنية، ولأن السماح بأي خرق دستوري أو قانوني لهذا المبدأ، سيكون مدعاة للفرقة والتناحر والإضرار بأمن واستقرار الوطن ووحدته، بعد أن منّ الله علينا بالوحدة والتوحد الذي دفع شعبنا آلاف الشهداء قرباناً لإعادة تحقيقه! ولا يمكن لشعبنا – بعد هذا الإنجاز العظيم وهذا المشوار المعجون بالمعاناة والآمال والتضحيات التي لاتقدربثمن، أن يعود إلى عهود التشطير والديكتاتورية المقيتة، أو يقبل أوصياء جُدداً على أي جزءٍ أو حارةٍ أو حتى دارةٍ في يمن الوحدة والديمقراطية، أياً كان هذا الوصي، وعلى أي شاكلة جاء " بمسوح الرهبان أو بقرون الشيطان" ومهما كانت الكوارث التي تعترضنا، ذلك أننا بالوحدة فقط، وليس بأي شيء آخر، نتمكن من قهر كل الآفات والكوارث التي تعترض مسيرتنا، ودونها الهلاك والفناء!! إنها حياتنا ووجودنا، حاضرنا ومستقبل أجيالنا، ولا حلول لأيٍ من معضلاتنا إلا تحت مظلتها!! إن الاختلاف المجرد من المصلحة الأحادية والنفعية، يقود – المختلفين الصُدق في مبادئهم – في إطار الحزب الواحد إذا وصل الاختلاف فيما بينهم حد التناقض،إلى ترك احد أطراف الخلاف لإطاره الحزبي طواعية، مثلما كان انتماؤه للحزب طواعية، في حالة عدم تمكنه من إقناع واستقطاب مؤسسات الحزب لرؤاه وقناعاته، فيما يتوجب على الحزب – تجسيداً للولاء الوطني والتزاماً بالدستور وأحكامه والقوانين وضوابطها والنظام الديمقراطي بكفالته للاختلاف والتنوع، وبالمبدأ الأخلاقي في التعامل مع الآخر -أن يُعلن بوضوح وشفافية، براءته وحقيقة موقفه من آراء وتصورات وأهداف واتجاهات من خرجوا عن خطه السياسي، مصداقاً لمبادئه وأهدافه أولاً، وإيفاءً بتعهداته النضالية تجاه شعبه وأمته ثانياً،وحمايةً للأهداف والمبادئ والخط السياسي والفكري للحزب وتاريخه النضالي ثالثاً،وحتى لا تتعرض شرعية الحزب – نتيجة اضطراب مواقفه – إلى الاهتزاز والتشكيك والمساءلة القانونية رابعاً. فلا يمكن أن يكون الحزب – أي حزب كان – إسلاميا مثلاً، من استراتيجياته إقامة دولة الخلافة، تمسكا بمبدأ ( والله لو منعوني عقال بعيرٍ مما أعطوا رسول الله صلى الله عليه وسلم،لقاتلتهم حتى يؤدوه وهم صاغرون )، وتجسيداً لمجد السلف في مقولة هارون الرشيد (إمطري حيث شئت،فإن خراجك راجع إليّ)!!وفي نفس الوقت تنبري قياداته ورموزه ومشائخه لتحريض"المديريات والمحافظات والمخاليف على التمرد في وجه السلطة المركزية، وعلى اقتسام الثروة والسلطة!!" أو التحالف والتنسيق مع أعداء الأمة المسلمة، ومحتلي أرض الإسلام ومنتهكي مقدساته، والاستقواء بهم ضد نظامهم الوطني – مهما كان الخلاف مع هذا النظام – في سبيل تحقيق مصالح حزبية – نخبوية قطرية ضيقة، من شأنها بالمقابل إعطاء هذا العدو " الكافر " مزيداً من التمكين على رقاب وبلاد المسلمين!! ولا يمكن أن يكون الحزب – أي حزب كان – وحدوياً، وقياداته في معظمها– تحت أي ظرف وسبب كان – تنادي بحق تقرير المصير، وتنفيذ ما يسمى بالقرارات الدولية أثناء حرب الردة والانفصال، وتسعى وتجاهر بالقول والعمل لإعادة تشطير الوطن، والعودة بالأوضاع إلى ماقبل ال 22من مايو1990م، أو اقتسام مناطقي للسلطة والثروة، في ظل وحدة يريدونها " شركة مساهمة محدودة " بين حزبين اثنين فقط من مجموع 22حزباً، يمثلون وجه النظام الوطني الديمقراطي التعددي لليمن الواحد الموحد!! متناسين أن يمن الوحدة والديمقراطية، تجذر بأكثر من خمسة انتخابات "برلمانية ورئاسية ومحلية..الخ،إضافة إلى عشرات الانتخابات والمؤتمرات للأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، التي في مجموعها تمثل – كما أشرنا - وتجسدُ النظام الوطني الديمقراطي الموحد، والتي بدورها – كمنظمات للمجتمع المدني - تمثلُ كل اليمن واليمنيين، من المهرة حتى كمران، ومن صعدة حتى عدن!!. كما أن من نافلة القول، التأكيد أيضاً، على انه لا يمكن لأي حزب أن يكون عروبياً وقومياً بمعاييرالإنتماء المبدئي، ويناصر أو يتحالف في ذات الوقت أو يؤيد ويدعم الأحزاب والمنطلقات والحركات والدعاوى المناطقية والعرقية والمذهبية والطائفية والشعوبية أو يفرق مثلاً بين احتلالٍ فارسي أو تركيٍ للأرض العربية وبين احتلالٍ صهيونيُ أو إمريكيُ لها!! أو يتساوق ويغض الطرف عن نسج علاقات مشبوهة لحلفائه مع أعداء الأمة المعروفين وعن سعيهم لاستعداء هؤلاء الأعداء وتحريضهم على الوطن ونظامه الوطني ووحدته الوطنية!! أو يقدم المصلحة الحزبية والنخبوية على أولوية الوحدة والحفاظ عليها وحمايتها واستمرارها!! فالوحدة في نظر المبدئيين الوحدويين، مقدمة على كل ما عداها من أهداف، ومرتكز مآل كل نضالا تهم، الهادفة إلى" خلق التفكير والفعل المناقضين للتجزئة والتشطير، وما اصطنعته من عقلية ومصالح وأوضاع سياسية واجتماعية داخل كل قطر من أقطار الأمة"، وذلك لأن الوحدة ثابت مبدئي في إيمان القوميين الوحدويين، وكل ماعداها متغير وقابل للأخذ والرد دون تفريطٍ بالثوابت. عندما تقدمت الأحزاب – كل الأحزاب، التاريخية منها والمستحدثة – بطلباتها لمزاولة النشاط الحزبي، فعلت ذلك تحت مظلة دستور دولة ال22من مايو1990م، دولة الوحدة والديمقراطية وقوانينها النافذة والتزاما وتقيداً باحكامها وموادها، وبهذا الالتزام ومنه اكتسبت هذه الأحزاب شرعيتها ومبرر كونها جزءاً من هذا النظام سلطة ومعارضة، وأيضاً مشروعية حقوقها في الممارسة الديمقراطية التي كفلها الدستور والقوانين النافذة!! ومن هنا أصبحت مشروعية هذه الأحزاب وحقها ومكانتها في جسم ومكون دولة الوحدة، مرتبطة شاءت أم أبت، بمدى إيمانها وتمسكها ودفاعها وانتصارها "للوحدة" ودستورها والاحتكام لمؤسساتها الدستورية، صاحبة القول الفصل في المجتمعات والأنظمة الديمقراطية. إن مأساة بعض أحزابنا، إنها فهمت النظام الديمقراطي، كمضمار سباق محموم وصراعٍ دموي للاستئثار بالسلطة، مهما كانت الخسائر التي سيتعرض لها الوطن وأجياله القادمة جراء هذا الصراع!!، ولم تدرك هذه الأحزاب وحتى اليوم، أنها بهذا المذهب حولت نفسها إلى طبقات نخبوية ومراكز قوى ثأرية، تلهث خلف مصالحها المنغمسة بدماء ومعاناة الشعب، وتعيد إلى أذهاننا وإلى واقع اليوم – بعد أربعين عاماً من عمر الثورة و18عاماً من عمر الوحدة المباركة- ثقافات وعصبيات أحداث أغسطس 1968م، وتصفيات ال22من يونيو1969م، وعبثية التخريب في المنطقة الوسطى مطلع السبعينات، ومواجهات وتصفيات 26يونيو1978م،ومجازر 13يناير1986م، وحرب الردة والانفصال المشؤومة عام 1994م....الخ!!؟، كما تذكرنا بصراعات وثارات المصالح النخبوية، التي كانت هذه النخب تشعلها كلما جاعت لمصالح أكثر، وعلى أشلاء ومآسي المستضعفين من أبناء الشعب..بل ومصير الوطن والأجيال القادمة من أبناء الأُمة!!... ولك الله يا وطن