كلمة الثورة -
يبدي البعض مع الأسف الشديد إصراراً عجيبا على خلط الأمور ببعضها البعض من خلال إقحامه للعمل الحزبي في مسائل لا ينبغي التعاطي معها من منظور سياسي أو التعاطف الحزبي أو عصبية الانتماء التنظيمي أو من زاوية الرابطة الشخصية وتوافق الرغبات أو أي شكل من التعريفات الأخرى.
وتبرز ملامح هذا الخلط الغريب والعجيب في ما نشهده بين فترة وأخرى من حملات الاستهداف المحمومة التي تطال السلطة القضائية عقب كل قضية تعرض على القضاء يكون أحد المنتمين لأحزاب المعارضة طرفا فيها وتبلغ هذه الحملة من التشويه والإساءة أشدها إذا ما جاء الحكم في غير صالح ذلك الشخص المحسوب على أحزاب المعارضة.
والمثير حقاً أن مثل هذه الممارسات تأتي من قيادات وأحزاب ظلت ولا تزال تطالب بالحفاظ على استقلالية القضاء وحماية قراراته من أية تدخلات أو تأثيرات تحول دون تحقيق العدالة لجميع المتقاضين. مع أنه أن من غير اللائق لمن يدعو إلى أن يكون القضاء سلطاناً على نفسه أن تظهر أفعاله متناقضة مع ذلك المبدأ الذي يزايد به في خطابه الإعلامي والسياسي.
ويصل الأمر حد النرجسية حينما نجد أحزاب المعارضة ووسائل إعلامها تتعامل مع استقلالية القضاء بأسلوبين وطريقتين مختلفتين فإن جاء الحكم لصالح أي من أطرافها أو أحد المنتمين إليها أشادت بنزاهة هذا القضاء ووصفته بعنوان الحقيقة ودعت إلى احترام قراراته. وعلى العكس من ذلك فإن مثل هذا الموقف سرعان ما يتغير وتحل محله عبارات الردح والتهجم لمجرد أن يصدر قاضٍ حكما ينتصر فيه للحق، لا يتفق مع رغبات وأهواء أي من تلك الأحزاب.
وباختصار شديد فإن هذه الحالة تكشف بالدليل القاطع أن المعارضة تبني مواقفها وتقييماتها وتعاملاتها في إطار تحكمه الأهواء والمعايير المزدوجة والعصبية الحزبية الضيقة فهي تريد قضاء يتعامل مع أطرافها والمنتمين إليها كأنهم منزهون عن الهوى وكأن الحق معهم دائماً، فيما غيرهم يتلبسهم الباطل من كل جانب.
وعلى هذا الأساس يبنون نظرتهم للقضاء ويوجهون سهامهم إليه مستغلين مناخات الديمقراطية التي تنعم بها بلادنا للنيل من هيبة وقدسية القضاء اليمني الذي يعتز به كل مواطن وبما وصل إليه من بناء مؤسسي وتشريعي واستقلالية مكنته من تطوير مساراته وهياكله بالشكل الذي يستجيب ويتواكب مع واقع اليمن الجديد.
والحقيقة أن من يتطاول على القضاء اليوم ويصفه في بياناته بعبارات نابية تضع أصحابها تحت المساءلة القانونية، لمجرد أن حكماً قضائياً قد صدر بحق مسيء ينتمي لأحد أحزابها، يتطلب وقفة جادة تضع حدا لهذا الاستهتار، باعتبار أن القضاء يمثل واجهة العدل التي تحمي كل أبناء المجتمع، ولا يجوز بأي حال من الأحوال التغاضي عن أي تمادٍ من أي طرفٍ كان يحاول تشويه الصورة النقية التي بدأت تتشكل عن القضاء اليمني ونزاهته على المستويين الداخلي والخارجي، فليس من مصلحة أحد السماح لبعض الموتورين الذين لا تهمهم سوى مصالحهم بتعريض هذه الصورة للاهتزاز بعد أن تعززت الثقة بها من قبل الشركات الاستثمارية التي تتدفق على بلادنا، وترسخت لديها القناعة بأن القضاء اليمني أصبح يمثل الضمانة الحقيقية التي تصون الحقوق على قاعدة الإنصاف.
ويخطئ أولئك الذين اعتادوا التطاول على كل شيء خطأ فادحاً إذا ما اعتقدوا أن بوسعهم أن يطالوا القامة الشامخة للقضاء اليمني أو أن يسيئوا لقدسيته وهيبته ومنجزاته التي تحققت على الأرض وصار يلمسها كل مواطن لأنه لا أحد في هذا الوطن يقبل بذلك.