محمد حسين العيدروس -
لا تكتسب الأيام قيمة تذكر ما لم تقترن بأحداث عظيمة، لذلك ظل يوم السابع عشر من يوليو متوغلاً في أعماق نفوسنا، لأنه كان الفيصل الذي نقلنا إلى ما نحن فيه اليوم، بعد أن كانت ثورة شعبنا وتضحياتنا، ودماء شهدائنا التي أريقت منذ بزوغ فجر الثورة السبتمبرية، كلها قاب قوسين أو أدنى من الذهاب أدراج الرياح، بل والسقوط في هاوية سحيقة..
غير أن اليمن في السابع عشر من يوليو 1978م، حسمت قرارها، وتحررت من خوفها بايلاء مسئولية قيادة البلاد للأخ الرئيس علي عبدالله صالح، الذي مثلت الرئاسة بالنسبة له أشبه بذهاب المحارب إلى ساحة حرب ضارية لا يعلم إن كان سينجو منها أم لا.. فتلك هي رئاسة تلك الحقبة التي كان أبرز معالمها أغتيال ثلاثة رؤساء جمهورية في أقل من عام واحد، وعلى نحو بشع يؤكد قوة استشراء نفوذ الخصوم الذين توغلوا إلى دور الرئاسة، واستهدفوا رموزها السيادية الممثلة للشعب..
ولم يكن ذلك هو الحال كله، بل أن القوى الوطنية كانت في حالة من الشتات والتيهان والارتباك، ولا أحد يدري بأي عصا سحرية سيوقف هذا النزيف السياسي، وبأي عصا سحرية سيحول دون سماع دوي المدافع والرصاص عند الحدود الشطرية، أو الحيلولة دون مواصلة زحف المد الإيديولوجي إلى مدن الشطر الشمالي، أو منع الوضع الاقتصادي من الانزلاق إلى مزيد من النكسات، والتدهور، حيث أن انفلات الوضع الأمني والسياسي في صنعاء لم يمنح السوق التنموية أي فرصة من الاستقرار لتنتعش..
لا شك أن التحدي كان كبيراً جداً، وأن القبول بالسلطة كانت مغامرة يشفق الجميع منها، إلا أن الجو الملبد بالأحداث كان كما لو أنه يضع اليمن على راحة الكف ليترقب الجميع سقوطها، لولا أن ذلك الضابط المتفاني في خدمة الواجب الوطني المقدم علي عبدالله صالح استجمع شجاعته، وقرر قبول عرض رئاسة الجمهورية من أجل إنقاذ الوطن وحماية الثورة التي كانت تمثل أعظم المنجزات التاريخية التي ودع فيها شعبنا عهود الظلم والكهنوت..
وبقدر صعوبة الظروف التي تولى فيها الرئيس علي عبدالله صالح زمام البلاد في السابع عشر من يوليو 1978م، اكتسبت المناسبة عظمتها، واستحقت منا احياءها كل عام، لأنها لم تكن مجرد ذكرى تولي الرئاسة بل أيضا ذكرى إنقاذ الثورة والوطن من الانتكاس، وفتح آفاق عهد جديد قائم على الكثير من المعاني الأخلاقية السياسية التي أرست دعائم الأمن والسلام، وعززت فرص التنمية، وكسرت طوق العزلة التاريخية التي رزحت اليمن تحت نيرها طوال العهود المظلمة للقوى الملكية الرجعية، وحتى زمن الصراعات الثورية، علاوة على أنه كان العهد الذي فتح الطريق إلى استعادة الوحدة اليمنية، ومن ثم الحياة الديمقراطية بمختلف ممارساتها.
إن قدرة فخامة الرئيس علي عبدالله صالح في إحداث التحولات التاريخية المرحلية لم تكن مستمدة من قدرات مؤسسية، وموارد اقتصادية، ونفوذ من نوع ما، بقدر ما كانت مستلهمة من وحي التجارب النضالية، ومن بعد نظره للأحداث والتطورات، والأهم هو من إيمانه المطلق بقدرات الجماهير على تولي دفة قيادة البلاد، وقهر التحديات، والتغلب على الظروف المجتمعية، وبلورة اصطفاف وحدوي خلف قائد المسيرة.
ومن هنا صعدت الجماهير للمرة الأولى في تاريخها إلى مسرح الأحداث السياسية، لا لتترجم أحزابها أو انتماءاتها ومذاهبها، بل لتترجم إرادتها الوطنية الشجاعة، ولتخوض الرهان جنباً إلى جنب الأخ رئيس الجمهورية - سواء فيما شكلته من تمثيل في مجلس الشعب التأسيسي، أو فيما انضوت تحت مظلته من مبادرات وطنية ابتداءً من لجنة الحوار الوطني التي ضمت مختلف الأطياف السياسية للمجتمع اليمني، أو المؤتمر الشعبي العام الذي برز في أغسطس 1982م ككيان جماهيري وطني يعمل على دفع العجلة التنموية، ويختزل الزمن المفترض لتخفيف وطأة الواقع المتردي الذي كان شعبنا يكابد مراراته.
إن هذا اللون من التلاحم في الصف الوطني كان في حقيقته هو العصا السحرية التي حملها فخامة الأخ الرئيس علي عبدالله صالح طوال العقود الثلاثة من عهده إلى مختلف الميادين التي يخوض رهاناتها أو يواجه تحدياتها.. وهو ما يفسر إصرار فخامته في كل حين على الحوار، والتوافق الإيجابي بين مختلف القوى السياسية الوطنية، والمبادرة إلى استثمار كل ما من شأنه تعزيز لحمة الصف الوطني اليمني، وحمل مختلف القضايا على أنها مسئولية جماعية مشتركة.
لاشك أننا عندما نقارن واقع الحال اليمني بين 17 يوليو 1978م، وبين 17 يوليو 2008م، يذهلنا الفرق الشاسع بين التاريخين، وتدهشنا عظمة الإنجاز المتحقق، والقفزة الكبيرة التي شهدتها حياتنا اليومية، ومحيطنا البيئي، وارتباطاتنا الخارجية، وموقعنا على الخارطة الدولية.. وهذه الحقائق هي التي تولد لدينها الإحساس بعظمة يوم السابع عشر من يوليو الذي تسلم فيه فخامة الرئيس "حفظه الله" مقاليد حكم اليمن، وهي التي تلهب حماسنا سنوياً لاستذكار هذا اليوم التاريخي لأن حياتنا أصبحت جزءاً منه، وكل ما ينعم به شعبنا هو من ثمرات سياسته الحكيمة، وتضحياته لأجل شعبه والوطن..
لقد بات حقاً علينا ونحن نستذكر هذه المناسبة أن نبتهل إلى الله تعالى بأن يحفظ قائد مسيرتنا الظافرة، ويبارك له في كل مسعى، ويدفع عنه كل بلاء.. وكل عام وأخي الرئيس بألف خير!!