د/ رؤوفة حسن * -
حمى الانتخابات بدأت، والخطط للطريقة التي ستدار عليها تلك الانتخابات لها بوادر تشبه الغيم الأسود الذي لا يعد بالمطر لكنه يحجب الشمس. البعض قد تخدعه البوادر فيظنها هي في حد ذاتها ما يجب أن يتم التوقف عنده والتركيز عليه. والبعض الآخر يدرك اللعبة مبكرا فينأى بنفسه عن الوقوع في مزالج الساسة وصناع الانتخابات.
والحال لا يخص اليمن وحدها، فهذه الأيام مثلا نجد الولايات المتحدة في حالة من التأهب لمعركة حامية الوطيس من أجل كرسي الرئاسة. الإشاعات جزء من اللعبة، الاستفادة من أخطاء الآخرين جزء من اللعبة أيضا. البحث في الماضي والملفات القديمة تفاصيل لابد منها لرش الملح على توابل الحمى التي تشتعل ولا تنتهي إلا صبيحة النتائج النهائية.
تقرأ بيان لمجموعة دينية قبلية فتجد في البيان من كل شيء قطرة، وكأنه برنامج العمل لما سيتم عليه تحميس الناس أو دعوتهم أو نهيهم عن فعله في الانتخابات. تفاصيل دقيقة لمن عليهم أن ينتخبوا ومن عليهم أن يؤيدوا، وفي الختام غضب كبير من النساء تحت إطار الحرص عليهن.
وتتابع عمليات الحوار بشأن التعديلات الدستورية، فتجد الذين لهم مواقع منتخبة أو معينة يبحثون عن طرق لتثبيت دائم لمواقعهم في إطار التعديل الدستوري بأي شكل كان. فتبدو الأمور وكأنها أفكار لناس يرون في الدستور حاضرهم فقط، ومصالحهم فقط، أما الأجيال التي ستأتي فستحصل على تعديلات تخصها عندما يكون لديها القدرة على التعديل.
وتتأمل الأمور من حولك، فتجد الخواء في العيون، والقسوة في الكلمات، والفراغ في القلوب. فتقلب وجهك من حولك، وتدعو الله أن تنتهي قصة هذه الانتخابات بأسرع ما يمكن، وأقل حجم من الخدوش.
سكوت الإعلام:
تتحدث وسائل الإعلام لكنها لاتقول شيئا. نتابع المقالات علها تعطينا تحاليل تطرح الأمور على حقيقتها، وتجعلنا نلم بالمعلومات الكافية كي نفهم أين نضع رؤوسنا من أيدينا، فنجد المقالات المدبجة كالبحر تدخله عطشان وتخرج أكثر عطشا. تحدق في النشرة الاخبارية لترى الوجوه نفسها، فتطمئن على استمرار العادات كما هي والسياسات كماهي والعالم طبقا للأخبار الرسمية يعيش بخير. ليس هناك أمر يدعو للقلق.
وتطالعك عناوين الصحف المثيرة كي تحفزك على الشراء، فتخيفك الكلمات وترعبك التوقعات، ولا تعرف ما الذي تفعله كي تعيش بأمان؟ كيف تهدأ في نومك دون كوابيس ؟ وكيف تشترى بما تملك من مصادر محدودة ما يمكنك أن تتركه في البيت لتوقعات صروف الدهر التي تفزعك الكتابات عنها، وكأن السماء ستنطبق على الرؤوس غدا.
وفي ليلة وضحاها تسمع خبرا مقتضبا عن أمر كانت الإشاعات فقط تتحدث عنه فإذا به يصبح خبرا رسميا حقيقيا. فتحتار، كيف يحدث أن بعض ما تسكت عنه وسائل الإعلام هو الذي يصير حقائق؟
تقييم وسائل الإعلام:
في عدن سيتم خلال آخر هذا الأسبوع النقاش لتقييم دور وسائل الإعلام الرسمية في تعزيز الديمقراطية.
ورغم أن الكثير من المتبحرين في الإعلام تطبيقا وتنظيرا سيكونون هناك، إلا أن قائمة المسكوت عنه هي التي ستشهد الوشوشات خارج القاعات، وفي الغالب لن تتصدر قائمة الحوار.
مؤسسات الإعلام الرسمية مملوكة للدولة، ومحكومة من قبل الجهاز التنفيذي بها، والتوقعات التي ترغب لتحويلها إلى متحدثة رسمية باسم الناس على نحو مستقل ومتعدد ومتوازن، هي توقعات لاتقوم على أساس فعلي. فليس لدينا وسائل إعلام مستقلة.
وليست هناك أطروحات لبيع المؤسسات الإعلامية وخصخصتها واستصدار القوانين بشأنها كي تكون مؤسسات يملكها ويديرها مالكوها عبر أسهم، وطبقا لقانون محدد. وطالما استمر حالها على ماهو فإن عملها سيظل وظيفة حكومية ليس لها علاقة بالاستقلالية أو الحياد.
المهم سيكون مرة ثانية دورها مسليا خلال فترة الانتخابات لأنها حسب القانون ستخصص بعضا من وقتها لتغطية أخبار الأحزاب وبعض المرشحين. والناس عليهم من الآن الاحتراز فليس كل ما يقال أو تنقله الصور، أو تتناقله الإشاعات هو ما يجب أن يرسم لهم خطوات حياتهم ومواضيع جلساتهم، وطريقة تفكيرهم ونوع الكوابيس في نومهم.
تذكروا كلما مر بكم خبر يسبب التوتر، أنها فترة من العمر وستنتهي.
[email protected]
*عن الثورة