راسل القرشي -
جاء الموقف المتشدد للمشاركين في ملتقى «الفضيلة» ـ الذي عقد منتصف الأسبوع الماضي بالعاصمة صنعاء من أجل مكافحة الرذيلة والمنكرات ـ من المرأة وتوسيع مشاركتها في الحياة السياسية والعامة «الكوتا» ليضرب كل المشروعات المنظورة في هذا الشأن عرض الحائط ، وليواجه بردود فعل غاضبة لشخصيات نسائية كونه حرّم ذلك تماماً!!
الموقف المتشدد هذا تضمنه كتيب بعنوان «رسالة علماء اليمن حول الكوتا النسائية» وقامت بتوزيعه أثناء انعقاد ملتقى اللجنة الإعلامية الخاصة به، والذي حذر من أن «فتح باب التسابق لخروج النساء من المنزل والاختلاط بالرجال» سوف يؤدي إلى «الفوضى الجنسية» ومايصاحبها من ضياع العفة وانتشار الزنا..
موقف ملتقى «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» عبّر صراحة عن الجناح السلفي العقائدي في حزب التجمع اليمني للإصلاح، وجاء ليعارض كل التوجهات الرامية إلى تعزيز هذه المشاركة، والتي تعتبر المرأة شريكاً أساسياً مع أخيها الرجل في بناء الوطن، وكونها أصبحت رقماً لايمكن التغاضي عنه أو القفز عليه في مسار الحياة السياسية والديمقراطية والتنموية في البلاد.
هؤلاء نظروا إلى المرأة من منظار ضيق بعد أن نزعوا عنها العقل وحصروا تفكيرهم في «الخلوة والزنا وكثرة الأولاد غير الشرعيين»، وتناسوا كلياً اعتمادهم المفرط على أصواتها في الانتخابات وتسلقهم بها للفوز بأكبر المقاعد في البرلمان والمجالس المحلية وتعزيز مشاركتهم في الحياة السياسية !!.
لسنا هنا ضد أية فتوى قد يصدرها علماء الأمة، ولكن ضد التحريم الذي يأتي في مضمونه لينزع حقاً من الحقوق المكفولة للنساء والرجال معاً في الدين وفي الدستور وسائر القوانين المنظمة لشئون حياتنا .
المرأة كالرجل تماماً .. لها ما له، وعليها ماعليه وفقاً لقوله تعالى :(المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض) وإن اقتصرنا في مضمون تحريم «الكوتا النسائية» على التبرج والاختلاط وانتزاع العفة فذلك مبرر ضعيف لايستقيم مطلقاً مع الديمقراطية التي اتخذناها منهجاً لمسار الحكم ولا مع واقع الحياة السياسية وطبيعتها في وقتنا الراهن..
الديمقراطية ليست ديناً كما أن نصوصها ومضامينها ليست قرآناً أو كتاباً مقدساً، ولكنها نظام حكم يعطي ويتيح للمرأة مايعطيه ويتيحه للرجل، وهي بذلك ليست مفصلة على الرجال وحسب .. وإن كانت كذلك فمطلقاً هي ديمقراطية زائفة ونظامها إقصائي مع مرتبة الشرف.
المرأة اليوم فاقت الكثير من الرجال علماً في شتى ميادين الحياة، ومن حقنا نحن قبل حقها هي أن نستفيد من هذا العلم ومن مجمل آرائها سياسياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً.
وإن كان الموقف المتشدد هنا اعترف في سياق ماجاء في مضمونه على أنه «من حق المرأة أن تسهم بآرائها وعلمها في الحياة العامة والقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الالتزام بالضوابط الشرعية» ،فذلك لاينزع عنها المطالبة باحترام صوتها وتوسيع مشاركتها سياسياً وإفراد دوائر خاصة بها برلمانياً وفي إطار المجالس المحلية ،كما لاينزع عنها العقل الذي ميزه الله بمعرفة الحلال والحرام وأن هذا منكر وذلك غير منكر.. «فالحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات».
من حق المرأة في ظل الحياة الديمقراطية التي نعيشها أن تخوض غمار السياسة وغيرها من الميادين الحياتية الأخرى، ومن حقها أيضاً أن تعزز هذه الشراكة وبما لايتعارض مطلقاً مع الضوابط الشرعية.
ويقيناً فإن فتوى تحريم «الكوتا النسائية» التي خرجت أخيراً من ملتقى «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ستعزز موقف حزب الإصلاح وقيادته الرافضة لها من وقت سابق ولم يكن قد حسمها بعد في انتظار الموقف الشرعي منها.
خرجت الفتوى لتحدد الموقف الصريح والواضح من «الكوتا النسائية» من منطلق الحفاظ على «الفضيلة» وحماية الرجال من مفاتن النساء وجمالهن وخوفاً من «الفوضى الجنسية» التي ستعم البلاد وسيكثر معها «الأولاد غير الشرعيين»!!
وليبقى بذلك حضور المرأة وتعزيز مشاركتها في صنع القرار محفوفاً برقابة وتسلط ذكوري أشبه بالاستبداد والولاية المطلقة.
وبعد صدور هذا الموقف المتزمت والمتشدد من «الكوتا النسائية» ومن المرأة عامة يبقى السؤال:
ما رأي الأحزاب والتنظيمات السياسية المناصرة لحقوق المرأة والداعمة لها مما جاء في سياق الفتوى «الكتب» عامة ؟!.