د/ رؤوفة حسن * -
قبل أن ينزعج القلقون من الحريات الخاصة والداعون إلى مزيد من القيود على حركات البشر، أطمئنهم أن الموضوع خاص بالحرية والتحرير لوسائل الإعلام.
وقبل أن يزداد قلقهم ظنا منهم أن الحديث عن حرية الإعلام وتحريرها مقصود به السماح بالبرامج والمشاهد المخلة بالأخلاق والسماح بنشر الصور المثيرة في الصحف الرسمية والحزبية، فإني أيضا أطمئن قلوبهم بإن الحديث عن الحرية هنا مقصود به ما يتعلق بحرية الرأي في حدود المعروف وما يتعلق بحرية التعبير بحسب ما هو مقبول. يعني نحن هنا باختصار لا نشجع وسائل الإعلام أبدا على الإتيان بأي منكر.
أما ما نريده لتحرير وسائل الإعلام فالمقصود بالتحديد هو تحريرها من قيود الملكية والإدارة الحكومية التي تفرضها إرادة المالكين وتدخلاتهم في سياسة الوسائل وطريقة إدارتها والأشخاص الذين يتم تعيينهم فيها. والهدف من كل هذا الحديث هو تحويل وسائل الإعلام إلى أدوات تخدم الناس وتعبر عنهم وتكفيهم عن مطاردة وسائل أخرى بحثا عن الصحيح والصالح مشاهدته لهم ولأهلهم ولأطفالهم.
لماذا التحرير؟:
القراء الذين يشاهدون أو لا يشاهدون الإعلام المرئي المحلي والخارجي لهم رأي في نوع الوسائل المرئية التي يتمنون لو أن الأموال التي يتم صرفها من المال العام على التلفزيون اليمني بقنواته اليمن واليمانية والقناة الدينية القادمة وقناة سباء تؤدي إلى إعلام ينافس الإعلام الخارجي بحيث يكتفون بمشاهدة الإعلام الذي يملكونه ويصرفون عليه بدلا من العودة إلى غيره للحصول على المعلومة الصحيحة والبحث عن الحقيقة. وكذلك هو حال المستمعين إلى الاذاعات اليمنية المحلية منها او التي تبث إلى كل البلاد وخارجها، كما هو حال القراء للصحف.
قد يستغرب هؤلاء القراء من قولي أنهم يملكون هذه الوسائل، لأنهم منذ فترة طويلة قد اعتادوا على التسليم بأن ما تملكه أجهزة الدولة لم يعد ملكا لهم وقد فقدوا حق المساءلة والمحاسبة لمن يتحكم فيها.
وصاروا يعتبرون ما هو ملك للدولة ملكا لمن يديرها، وليس ملكا لمن يدفع الضرائب، ولا ملكا لمن يسدد القروض، فمقولة أن الشعب هو المالك الحقيقي للموارد المختلفة في البلاد، بحسب ما جاءت به أدبيات الثورتين اللتين أوجدتا نظام ملكية الدولة الذي تعرفه اليوم وسائل الإعلام، صارت مجرد شعار لم يعد يصدقه أحد.
الذين يريدون تحرير الوسائل يقولون أنها صارت عبئا على دافعي الضرائب دون أي جدوى اقتصادية منها سوى إهدار الموارد على وسائل لا يشاهدها الاّ القليل، ولا يستمع اليها إلاّ الأقل، ولا يقرأها إلا النادر.
والذين يريدون بقاء الحال على ماهو عليه، يقولون أن هذه الوسائل تدافع عن الأمة من الغلو والتطرف، ومن الذين يزايدون باسم البلاد في سبيل مصالحهم الخاصة. وأنها تقوم بالذود عن الثورة والجمهورية وتتمترس في خنادق الدفاع عن الديمقراطية والتعددية. بل يذهبون بعيدا للقول أن هذه الوسائل تدافع عن الهوية وتساهم في بناء الشخصية المحمية مما تتعرض له من تدفق خارجي وهجمة عولمية صارخة.
ويضيفون أن عددا كبيرا من الوظائف تتوفر عبر هذه الوسائل وتكفل عددا أكبر من العائلات كمصدر رزق هام لها. وعليه فهم لايوافقون على خصخصة وسائل الإعلام ولا تحويلها إلى شركات أسهم بين رأس المال وبين العاملين فيها، ولا يرون ضرورة لفك الارتباط بينها وبين الحكومة.
الخوف من الحرية:
يمارس أهل اليمن من الرجال حريتهم في الحديث داخل مجالس القات. وهي حرية محدودة بنوعية الذين يجالسونهم وبالغرض الذي يعقدون جلساتهم القاتية من أجله. فزمان جلسات القات التي كانت تستهدف المتعة والفن والطرب قد ولى في الغالب وصارت جلسات القات هي جلسات احتكار النقاش في القضايا التي تسبب الاكتئاب. وحدهن النساء لا تزال لقاءات القات بالنسبة لهن مصدر تسلية وترفيه ورقص وطرب.
وبشكل عام فإن الناس لديهم طرقهم للتعبير عن أنفسهم بحرية تتجاوز ما تطرحه الصحف الحزبية والأهلية والحكومية مجتمعة. لكنهم يخشون أن يروا أفكارهم مسموعة أو مقروءة بوضوح داخل وسائل الإعلام فيسمحون لهذه الوسائل أن تتحدث بلسان خشبي يستهلك الوقت والمال ويقدم القليل من المعلومات الصحيحة التي عليها يبنون قراراتهم واختياراتهم في حياتهم اليوم.
إنه كما أظن خوف تراكم في النفوس من أيام الأنظمة الشمولية ولم تترسخ الديمقراطية بعد في القلوب، لتكون حرية التعبير محترمة، حتى لو كانت وجهة النظر مختلفة ومغايرة.
[email protected]
*عن الثورة