د . احمد صبحي منصور -
إن جميع الأبحاث والمواضيع التى تكتب عن المرأة لا يجب أن تنطلق بحال من نقطة التعاطف أو الشفقة على المرأة ولكن يجب أن تنبع من الحب الصادق والإحترام الحقيقى للمرأة وحقها ودورها الذى لا يقل فى قيمته وأهميته وفعاليته عن دور الرجل فى جميع مجالات الحياة .
فى العالم المتحضر ـــ أى الذى يقدس الحريات ويحميها ـــ لا تحتاج المرأة لمن يدافع عنها ولا تتسول المبررات لكى تثبت أنها صاحبة حق مهضوم لأنها فى هذا العالم تحصل على حقوقها وتتمرغ فى نعيم الحرية والعدالة والمساواة .
في الدول المتحضرة تطبق الديمقراطية مبدأ للعدالة والمساواة بين خلق الله تعالى ،هذه الدول تخلو من آلهة الأرض المنتشرين فى أوطاننا فى كل شبر فيها وقد أعطوا أنفسهم حق محاسبة الناس على أفعالهم تحت حماية الدين ــ بزعمهم ــ وتحت شرعية نصوص إبتدعوها ما أنزل الله بها من سلطان فى كتابه العزيز ، ولست أدرى كيف سمحوا لأنفسهم أن يتقمصوا دور الإله فيعذبوا من شاءوا ويرحموا من أرادوا بناءأ على تقييمهم الشخصى للسلوك الفردى والإجتماعى والفكرى والعقائدى لإنسان معين فمرة يحكمون على مفكر معين بالكفر ثم يصدرون عليه حكمأبالإعدام ويقتلونه بدم بارد واثقين من أعماقهم أنهم يجاهدون فى سبيل الله وأن الجنة مأواهم ...وكاتب حاولوا قتله بسكين فى عتفه فنجاه الله تعالى ومفكر كبير مات منذ زمان طويل لكنهم كفروه ولو كان حيأ لأقاموا عليه حد الردة .. وآخر كفروه وأقاموا عليه دعاوى بالإنفصال الجبرى عن زوجته التى هربت مع زوجها لأنها تؤمن بآرائه وأفكاره هاجرت معه للعالم المتهم دائمأ بالكفر والضلال والإنحلال وقد احتواهما هذا المجتمع وعاشا فيه معززين مكرمين بعد أن ذاقا الذل الوانأ فى وطنهما الذى ولدا فيه وعاشا على أرضه الطيبة تلك الأرض الطاهرة أرض مصرالتي ترفض الإرهاب والعنف والتمحك فى الدين وترفض أن يكون لها إله يتحكم فيها غير الله رب العالمين.
تلك المرأة التى ما زالت تضرب وتمتهن وتعذب فى عالمنا العربى ويفرض عليها رداء معين رغم أنفها لأنها عورة وتمنع من الكلام بحجة أن صوتها عورة وتتحمل كل أعباء شرف العائلة التى يصول رجالها ويجولون كيف يشاؤون فإذا وقعت إمراة تحت سطوتهم بحجة أنها مذنبة أجارك الله مما ستلاقيه تلك المسكينة من العذاب والتعذيب الذى لا يطيقهما أعتى الرجال ، وتنتهى بالقتل بحجة الدفاع عن الشرف او بالرجم كما يحدث فى الدول الإسلامية . وهكذا تتحمل كل أعباء الشرف المزور والكرامة المزعومة لهؤلاء الرجال المتفوقين جدأ فى الجنس وإرهاصاته الغارقين ليل نهار فى لذاته نعم فهم رجال من حقهم الزواج بأكثر من واحدة حتى أربع نساء أما الجوارى والإماء فى منازلهم فقد خلقن فقط للذات الزوج وتعيش مدفونة فى قمقم حتى آخر العمر.
المراة تحتاج فى بلادنا إلى مئات السنين لكى تحصل على حقوقها المهضومة ظلمأ وغدرأ تحت ستار الدين والدين برىء من التفرقة والظلم والقهر والجبروت الذى يمارسه الرجل فى مجتمعاتنا الشرق أوسطية عمومأ والعربية خصوصأ ضد المراة التى تعامل كقطعة أثاث فى المنزل أو أقل كثيرأ ، نعم تحتاج المرأة لموقف صارم وحاسم من المثقفين العرب ضد دعاة القهر والذل والإذلال والإرهاب تحت آلاف المسميات التى ابتدعوها وما أنزل الله بها من سلطان.
لن تنمو ولن تزدهر ولن تتحضر الشعوب العربية إلا إذا نمت ونهضت وازدهرت المرأة العربية ، فاتركوها تنمو وتعلو وتكبر وتترعرع وسوف تكون سببأ فى بناء أجيال حرة أبية قوية قادرة على العطاء والإبداع والإختراع ، أجيال سوف تنافس العالم الأول لأنها أدركت معنى الحريات وحماية الحريات وانتهت من حياتها بلا رجعة كل عوامل الرجعية والتخلف والقهر وتدمير النفس البشرية وتحويل المراة إلى كم مهمل من الذل والقهر والإنتهاكات.
بحكم عملى كطبيب مسؤول تعرضت عدة مرات لفتيات يحتضرن للموت وعندما أصل أجدها قد فارقت الحياة فأرفض التصريح لها بالدفن حتى تتحول للطبيب الشرعى الذى يقرر أن الوفاة جنائية ويكون المتهم دائما هو الأب أو الأخ أصحاب الشرف المزعوم وبعد عدة شهور يخرج المتهم كالشعرة من العجين كأنه لم يفعل شيئأ والحجة معروفة وهى الدفاع عن الشرف ، يخرج القاتل السفاح دون عقاب كأنه قتل أفعى أو حية رقطاء وكأنها ليست إنسانة لها كل حقوق ذلك القاتل المجرم أرأيتم كيف ينظر المجتمع العربى للمرأة وكيف يقيمها ؟ وكيف يقدرها ؟
لا شك في أن كل الأديان السماوية ترفض وتشجب وتحرم هذه النظرة الدونية للمراة التى خلقها الله تعالى لإعمار الكون كالرجل تمامأ فلها حق العلم والعمل والتطور والتحضر والتمتع بكل مقومات الحياة التى حباها لها الله رب العالمين وليس لكائن من كان ان يحرمها من هذه الحقوق أو ينقص منها شيئأ أو ينظر لها نظرة دونية وكيف ذلك وهى امنا وأختنا وبنتنا وأم زوجتنا وأم ابنائنا؟
لا توجد فى كتاب الله تعالى آية واحدة تتحدث عن أفضلية الرجل عن المرأة أللهم الآية التى تحدثت عن قوة الرجل العضلية وقدرته على الأعمال الشاقة التى تحتاج جهدأ مضاعفأ وعضلات مفتولة
( الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم)
كما تحدثت الآية الكريمة عن إنفاق الرجل على المرأة وهو الوضع الذى كان سائدأ فى العصور الماضية أما الآن فهناك ملايين النساء يعملن ويشاركن بأموالهن فى الإنفاق بل ويوجد منهن من تتحمل أعباء الإنفاق على الأسرة إذا مرض زوجها مرضأ عضالأ أو توفى او تركها إلى حضن إمرأة اخرى ضاربأ بها وبأبنائه عرض الحائط فما هو موقف هذه السيدة؟ أليست هى المنفقة وهى القوة المحركة لأسرتها فى مثل هذه الحالات ؟؟
متى سنصحو من سباتنا العميق ؟
متى نتخلص من هذه الأوبئة الإجتماعية ؟
متى تتحرر المرأة وتصبح إنسانأ كاملأ له كل الحقوق؟
لقد أصبحنا ذيول الأمم بسبب كل تلك الإنتهاكات للحريات بأنواعها وعلى رأسها حقوق المرأة تلك الحقوق التى وهبها لها الله تعالى ولم ولن تكون منة من الرجل على المرأة .
* طبيب ومفكر وأكاديمي أزهري اسلامي .