زكريا الكمالي -
في بلادنا، «التبني» ليس قاصراً على المهمة الإنسانية التي يلجأ إليها الميسورون وأصحاب الضمائر الحية أو الذين لم يرزقوا بالبنين لإنقاذ حياة طفل شارد، أو «لقيط» من وحوش الشوارع أو غدر الحياة، وليس أيضاً، المرحلة الحاسمة لخروج الجنين من «ركبة أمه»، حين تتناقل نساء المدن والأرياف بأن «فلانة إتبنّت»، أو «فلانة عتتبني بعد أسبوع».
التبني الجديد، والمتداول في أوساط العامة بالآونة الأخيرة يختلف عن الأول من كل الاتجاهات، ويتشابه مع الثاني بـ«سيلان الدم»، لكن رائحة البارود والحقد تظهر هنا بقوة، وتعمي من حولها.
عقب كل عملية إجرامية تستهدف أمن المواطنين وتزعزع السكينة، تسارع الفروع والقواعد والأجنحة التابعة للتنظيمات الإسلامية هنا، بـ«تبني العملية» وتعلن للحكومة بأنها حتى الآن «لم تشاهد من شر أعمالها شيئاً» أو كما يقولون، «من الجمل إلا أذنه»، وأن الإرهابي ـ الشهيد ـ قد ذهب إلى هناك، إلى الفردوس !!
في معظم العمليات ـ الجراحية لا دخل لها حتى الآن ـ تُظهر الجماعات الإسلامية غِيرة شديدة على الدين الحنيف ـ دين المسلمين أجمع ـ الذي يُنتهك على مرأى ومسمع من في الأراضي اليمنية، تتوعد بإعادة الاعتبار له إن عاجلاً أم آجلاً، وتؤكد بأن «عمليات التبني» ستتضاعف «حتى تنافس اليمن الصين ربما» إذا لم تمتنع الحكومة عن استضافة فنانين عرب، يقدمون إلى بلادنا لنشر المجون وإفساد عقول شباب البلد، وشاباته.
قبل أشهر كانت الفنانة السورية «أصالة نصري» تواجه حملة شرسة من قبل جهات متطرفة، أكدت أن إحياءها حفلة غنائية في عدن، تحدّ للعادات وتعدّ على القيم ، فهددت بـ«ذبحها» وتفجير الملعب إذا هي صممت على إقامة الحفل، لكن نواياهم أُخمدت .. غنت «أصالة»، وغادرت..
حادث سيئون الأخير الذي استهدف معسكراً أمنياً، أكد «المتبنون» أن «إيهاب توفيق» الفنان المصري صاحب الشعبية الجارفة، سبب جريمتهم تلك، وحذروا الحكومة ـ في بيان تناقلته مواقع إخبارية ـ من إقامة حفلته التي سيحييها ضمن فعاليات «صيف صنعاء».
لم يكتف أعداء الفن بذلك فحسب، مئات الملصقات انتشرت في شوارع العاصمة، تحذر المسلمين من إيهاب، وتصفه بـ«الفاسق الماجن» وناشر الرذيلة في بلد الفقه والإيمان، وتحذر ـ بكل غباء ووقاحة ـ من أن «يحل عذاب السماء علينا» إذا أقيمت الحفلة.
لا أدري بأية عقلية يفكر هؤلاء .. وبأي «مباصر» يشاهدون الأمور ؟!
غناء إيهاب توفيق وأصالة نصري في مذهبهم، «فسق»، وغناء فؤاد الكبسي والأخفش وعبدالباسط عبسي وفيصل علوي والبدجي والدبجي وجميلة وصفاء وشروق وأنيسة وسعيدة ـ هؤلاء كلهم ـ الذين أصمّوا آذاننا ليس فسقاً، وإنما فن لايخدش الدين الحنيف.
سنحترمهم إن حددوا موقفهم من «الفن المحلي» وما مدى جوازه شرعاً ؟!!
وسنتبعهم إلى يوم الدين، إذا أعلنوا أن اليمنيين ليسوا فنانين، وأن ما يقومون به ليس سوى «هنهنة»، وسنحبهم إن هم أتبعوا ذلك بفتوى بأن «الهنهنة» ليست حراماً، ولا تحل عذاب السماء على من يقوم بها حتى وإن كان من «بدع بها غنى» ووصل الحال بمن غنى إلى «الرقص الحرام».
أعداء الفن، أصدقاء الدين، استفحلوا في عدائهم، كثر شاكوهم، وقل خيرهم. إذا كان الحفاظ على الدين والوصول إلى الفردوس هدفهم، وغايتهم، فليفعلوا ذلك، ونحن «مهنيين» لهم، شريطة ألاّ يعيثوا في الأرض فساداً، ويرهبوا الناس .. وإيهاب توفيق.