د/عبدالعزيز المقالح -
عرفت الحركة الوطنية اليمنية عبر تاريخها الطويل كوكبة من المناضلين الأوفياء في مراحلها المختلفة، ففي المرحلة الأولى التي تبدأ منذ منتصف الثلاثينيات من القرن العشرين ظهر الرعي الأول، والمؤلف من طلائع المتمردين الرافضين للطغيان في شمال الوطن وللاحتلال في جنوبه. وفي منتصف الاربعينيات ظهر الرعيل الثاني ممثلاً بالرواد الذين أخرجوا القضية من حالة التململ والسرية إلى العلن. وبرزت أسماء من هذا الرعيل لتتصدر العمل الوطني في أشد حالات المواجهة، وكان لها شرف الإسهام في قيام الثورة الدستورية في العام 1948م.
وفي الخمسينيات ظهرت على مستوى الساحة اليمنية شمالاً وجنوباً قوى جديدة متمثلة في الرعيل الوطني المنظم، ويتألف من عسكريين ومدنيين، وعلى عاتق هذا الرعيل قامت الثورة اليمنية في 26 سبتمبر و14 اكتوبر، وكان فقيد اليمن الكبير المناضل الأستاذ حسين المقدمي ضمن الطلائع المدنية في هذا الرعيل. وكان منزله في الحديدة ملتقى الثوار. وبعد محاولة اغتيال الطاغية أحمد حميد الدين في مستشفى الحديدة عام 1961م اقتيد المناضل حسين المقدمي ومجموعة من رفاقه المدنيين إلى سجن "وشحة"، في أقصى الشمال بعد أن تم إعدام أبطال المحاولة الجريئة، وهم الشهيد عبدالله اللقية، والشهيد محمد عبدالله العلفي، والشهيد محسن الهندوانه. وقد ظل الأستاذ المقدمي ورفاقه في سجن وشحة حتى صبيحة 26 سبتمبر 1962م.
ومنذ ذلك الحين والمناضل حسين المقدمي في طليعة الشخصيات الوطنية العاملة في مسيرة الثورة، حيث تبوأ أكثر من عمل وزاري ومؤسسي ومن أبرزها وزارة الصحة ووزارة التربية والتعليم، كما أسهم في أنشطة سياسية عديدة كان منها على سبيل المثال رئاسته للجنة التصحيح ، وعضوية المجلس الاستشاري، ثم رئيساً للجنة الحوار الوطني التي أسهمت في بناء اللبنات الأولى للمرحلة الديمقراطية، وكان الفقيد الكبير في كل هذه الأعمال مثالاً للنزاهة والإخلاص والشعور بالمسؤولية والتحلي بالصبر، محبوباً من جميع الفئات والأحزاب والمنظمات. وقد ظل على صلة وثيقة بالعمل السياسي إلى أن أقعده المرض وحال بينه وبين مواصلة رسالته، وهي خدمة الوطن التي بدأها في أوائل الخمسينيات من خلال عمله في سلك التعليم.
ومن حسن الحظ أن يقوم المناضل الاستاذ حسين المقدمي في السنوات الأخيرة من حياته الحافلة بكتابة مذكراته، ونشرها في كتاب تحت عنوان "ذكريات وحقائق للتاريخ" وفيها الكثير مما يجب على شباب اليوم الاطلاع عليه ومتابعته، لكي يشهدوا من خلال ذكريات المناضلين الصادقين ما كانت عليه أوضاع البلاد بشطريها المحتل والمعتل من اضطهاد قاس، وتخلف مزر. ويتبقى الإشارة إلى أنني عرفت الصديق العزيز لأول مرة في منزله بالحديدة في أوائل عام 1959م، ثم تعمقت صلتي به أكثر بعد قيام الثورة وصارت أكثر عمقاً وحميمية في الثلاثين عاماً الأخيرة، تغمد الله الفقيد بواسع رحمته ورضوانه وألهم الوطن وأهله الصبر والسلوان.
الشاعر عصام واصل في باكورته الشعرية الأولى:
"قبل بزوغ الجرح" هو العنوان الذي اختاره الشاعر عصام واصل لمجموعته الشعرية الأولى، والتي يرمز عنوانها إلى ما قبل بزوغ الشعر كما يريده ويرتضيه هذا الشاعر المبدع الشاب، ولا أبالغ إذا قلت إن قصائد هذه الباكورة الشعرية أدهشتني وأثارت المزيد من إعجابي، لغة رهيفة وصور مبتكرة وتحليق باذخ في سماء الخيال، ومما يلفت الانتباه في هذه المجموعة هو تعدد أماكن كتابة قصائدها بين المكلا وصنعاء والجزائر وروما. تحياتي وأمنياتي لشاعر كبير على الطريق، المجموعة صادرة عن دار حضرموت للدراسات والنشر.
تأملات شعرية:
تغيب الأجساد
وتبقى الأرواح
تطوف على وجه الدنيا
وتتابع رحلتها المنذورة للعدل
وحب الناسْ
يا أحفاد الثورة
ما زال الدرب طويلاً
والثورة صوتٌ لا يفتأ
عن قرع الأجراس.