احمد الحبيشي -
من نافل القول أنّ إصرار عصبة من حزب التجمع اليمني للإصلاح وجامعة الإيمان على إقناع المجتمع، بأنّها تحمل تفويضاً إلهيا ً بحراسة الدين وتطبيق أوامر الله ونواهيه، أثار موجة من السخط والغضب والاحتجاجات الواسعة التي رأت في هذا الإدعاء نزوعاً لفرض الوصاية على الدين والدولة والمجتمع، تمهيداً للانقلاب على النظام الجمهوري ، وتقويض أسس الوحدة الوطنية والديمقراطية التعددية، بيد أنّ إرهاب التكفير والتفسيق الذي تصدَّر عناوين الخطاب السياسي لتلك العُصبة الكهنوتية، أثار استنكاراً واسعاً في مختلف أوساط الدولة والمجتمع دفاعاً عن شرف هذا المجتمع بعد أنْ طعن الحرس القديم في حزب ((الإصلاح)) بأخلاقيات وفضائل المواطنين والمواطنات من خلال تسويق حديث الإفك الذي جاؤوا به . وقد أمرنا الله تعالى بألا نحسب ذلك الإفك الذي رَمَـتـْـنا به تلك العُصبة شراً بل خيراً، حيث سيلقى كل امرئ منهم جزاء ما اكتسب من الإثم في يوم الحساب ((والذي تـَوَلَّى كِبرَهُ مِنْهُم لـَهُ عَذَابٌ عَظِيم)) (النور 11).
في الاتجاه نفسه انطوى الموقف الوطني الرافض لمشروع الحرس القديم في حزب ((الإصلاح)) على دفاع عن مفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في وجه الذين يحاولون توظيفه لإعداد وتنظيم عصابات متطرفة تتولى مهام التربص بالناس والتلصص على خصوصيات الحياة العائلية للمواطنين والمواطنات، وتسليط النظرات الفاحصة والقاسية على وجوه وعيون وأجساد النساء المحصنات ــ بدلاً من غض أبصارهم عنها ــ بحثاً عن شعرة تسللت عبر الحجاب، أو عينين تزينتا بما أحلّ الله ، أو خلوة (غير شرعية) لزوج وزوجته في متجر أو متنفس طبيعي أو حديقة عامة ، لأنّ رجال الأكليروس في حزب التجمع اليمني ((للإصلاح)) يفترضون أنّ المرأة والشيطان صنوان ، ويعتبرون اختلاط أي رجل وامرأة في مواقع العمل والإنتاج والمزارع والمصانع والجامعات والمستشفيات والمطارات والمجمعات التجارية والشوارع ، جريمة شنعاء تستوجب الجلد أو الرجم ما لم يبرز الرجل للمحتسب الوثائق الثبوتية التي تؤكد أنّه محرم للمرأة.. بمعنى أنّ كلاً من الرجل والمرأة مدانان بجريمة الخلوة (غير الشرعية) في شريعة الحرس الكهنوتي القديم لحزب ((الإصلاح)) ما لم يثبتا براءتهما، على الضد من الشريعة الإسلامية التي تقرر أنّ كل متهم بريء حتى تثبت إدانته!!
ويزيد من خطورة الحرس الكهنوتي القديم في حزب ((الإصلاح)) أنّه يستهدف من خلال الهيئة التي يسعى إلى تأسيسها فرض أفكار ووجهات نظر أيديولوجية وفقهية لم تكن ــ ولن تكون ــ موضع إجماع في أي عصرٍ من العصور، مثل تحريم الغناء والموسيقى والفنون والتصوير، وما قد يترتب على ذلك من تدمير للآلات والمعدات الموسيقية وإحراق لمحلات التصوير والتسجيلات الصوتية، وصولاً إلى مطاردة كل فتاة محجبة تكشف وجهها وكفيها ، أو اقتحام محلات الكوافير الخاصة بالنساء بحثاً عن (النامصات والمتنمِّصات ) وطمعاً في التقرب إلى الله بضرب ومعاقبة كل فتاة (متنمِّصة) تزيل الشعر الزائد من وجهها، ولا تلتزم بتنفيذ فتاوى الشيخ الألباني وغيره من شيوخ التطرف الذين يزعمون بأنّ الاسلام يلزم المرأة المسلمة بعدم إزالة الشعر الزائد من وجهها حتى ولو صار لها شنب ولحية أكبر من شنب ولحية الرجل!! . فإذا خالفت ذلك استحقت عقابا في الدنيا على يد ( الشرطة الدينية ) إلى جانب عذاب القبر بعد الموت على يد الثعبان الأقرع ، وعذاب جهنم يوم القيامة . وبوسع القارئ الكريم متابعة المزيد من المعلومات التي تثير الغثيان حول هذا الموضوع في موقع ((البرهان)) وغيره من المواقع الدعوية ((الوهابية والإخوانية)) على شبكة الانترنت.
وإذْ يزعم رجال الدين الحزبيون في الحرس القديم لحزب ((الإصلاح)) الذي يقود ويوجه أحزاب ((اللقاء المشترك)) بأنّ بلادنا غرقت في الفسوق والمجون التي تنشرها الحفلات الغنائية والموسيقية والمهرجانات السياحية، فمن حقنا أنْ نتساءل عن أسباب صمت رجال الدين في بلدان مجلس التعاون الخليجي الذي لا يرددون مثل هذه المواعظ والاتهامات.
نعم .. لماذا لا يتهم رجال الدين في بلدان مجلس التعاون الخليجي حكوماتهم بأنها تحكم بمناهج كفرية وشركية وإباحية ؟ .. ولماذا لا يقولون أن مجتمعاتهم غارقة في الفسوق والرذائل على نحو ما جاء في بيان ملتقى ((هيئة الأمر والنهي)) بينما تعج عواصم ومدن بلدان مجلس التعاون الخليجي بالمهرجانات الغنائية والموسيقية والسياحية التي تشارك في إحيائها فنانات خليجيات وعربيات مشهورات ، حيث لا يمر شهر من دون انعقاد مهرجان غنائي أو موسيقي أو سياحي في صلالة أو مسقط أو دبي أو أبوظبي أو الدوحة أو المنامة أو جدة أو الرياض .. الخ.؟! أم أنّ اليمن وحده هو المطلوب منه أنْ يدفع ثمنا باهضا لأفكار ظلامية يتم تصديرها الى اليمن بواسطة أشباه ((طالبان)) الذين سيتولون مهمة عدم تأهيل اليمن للاندماج بمجلس التعاون الخليجي،وعزله عن محيطه الاقليمي والعالمي ، ومنعه من الانطلاق في رحاب التنمية وبناء الدولة العصرية والإنسان الجديد.
الكوتا النسائية
افتتح الحرس الكهنوتي القديم في حزب ((الإصلاح)) أجندته السياسية التي تختفي خلف مشروع ((هيئة الأمر والنهي) بشن هجوم مسعورٍ على التوجهات الرامية الى تخصيص نسبة 15 % من مقاعد البرلمان للنساء، حيث وزع منظمو ملتقى هيئة (الأمر والنهي) كتيباً أفتى فيه بعض رجال الدين وخطباء المساجد الحزبيين بتحريم مشاركة المرأة في الانتخابات وتولي وظائف الولاية العامة والانخراط في العمل، ودعوا إلى بقاء المرأة في المنزل لخدمة زوجها وأطفالها على نحو يعيد إلى الأذهان تجرِبة نظام ((طالبان)) سيء الصيت الذي أقدم على تسريح كافة النساء العاملات من العمل وحرمان الفتيات من التعليم في المدارس والجامعات بحجة أنّ الإسلام لا يجيز عمل وتعليم المرأة.
والثابت أنّ موقف الحرس الكهنوتي القديم في حزب ((الإصلاح)) من الحقوق السياسية والمدنية للمرأة ليس جديداً، إذ أنّه جاء امتداداً لوعي سياسي مقيم في الماضي وملتبس بالدين ، قاوم من خلاله الفقهاء المتشددون كل التحولات التي فرضها العالم الواقعي منذ قيام الثورة الصناعية في عصر النهضة ،لأنهم لم ولن يجدوا في كتب التراث وموروث الأسلاف إجابات على الأسئلة الجديدة التي تطرحها تحديات الحياة في الحقبة الراهنة من الحضارة المعاصرة . ثمّ استسلموا لها في وقتٍ لاحق ، بعد ان أضاعوا على بلدانهم ومجتمعاتهم زمنا ً لا يستهان به . الأمر الذي من شأنه أن يساعد على تحليل غضبة الرافضين لآراء الباحث الاسلامي اليمني عصام القيسي الذي فاجأ كهنة حزب (الاصلاح ) بطريقة تفكير عصرية شكلت صدمة قوية ومدوية لمخالفيه الذين أدمنوا على الكسل الذهني ، وأصيبوا بالوهن العقلي بسبب إقامتهم الدائمة في الماضي . وهو ما تطرقت اليه في الحلقة الأولى من هذا المقال ، وسأتناوله بالتفصيل في الحلقة الأخيرة من هذا المقال في الاسبوع القادم .
لسنا بحاجة إلى التذكير بان الفكر الديني ـــ بما هو أحد مكونات الثقافة السياسية المهيمنة على العالم العربي والإسلامي ـــ تصـدّى للأفكار الدستورية والديموقراطية تحت شعار مقاومـة " التغريب "، ومحاربة "الأفكار المستوردة". كما عارض الميثاق العالمي لحقوق الإنسان، ورفض ــ بعناد شديد ــ تعليم الفتاة و تلبية مطالب المجتمع الدولي الحديث بإصدار تشريعات وقوانين وضعية لتحريم الرق. وكانت تلك المواقف الرافضة للحداثة تتغطّى دائماً بذرائع "الهوية والخصوصية الدينية والثقافية" ومقاومة حملات التغريب الصليبي!!
لم يكن الفقهاء في عاصمة دولة الخلافة العثمانية يفكرون خارج سياق الوعي الآيديولوجي والسياسي للحرس الكهنوتي القديم في حزب ( الاصلاح ) حين عارضوا في رسالتهم الشهيرة إلى السلطان العثماني احمد الثاني في القرن السابع عشر الميلادي التوقيع على معاهدة " ويستفاليا " عام 1648م التي فرضتها حاجة الرأسمالية الصاعدة والثورة الصناعية في عصر النهضة لوقف حروب التوسع الدينية والإقطاعية في عصر اقتصاد الخراج، وتأسيس مبدأ السيادة الحدودية الوطنية، وتمهـيد الطريق لولادة الدولة القومية وبناء منظومة جديدة للعلاقات بين الأمم والدول.
كـان فقهاء الدولـة العثمــانية في العــالم الإسلامي يرون في التوقيع على تلك المعاهدة تعطيـــلاً لآيــات وأحاديث (السيف) وإنكاراً لفريضة الجهاد التي تُوجب نشر الدعوة الإسلامية والتمكين لدين الله في الأرض بواسطة الغزوات الجهادية" ..ولذلك فقد كان طبيعيا ً أن تؤدي إقامتهم الدائمة في الماضي الى تحذير السلطان العثماني مكن مغبة التوقيع على تلك الاتفاقية التي وصفوها بأنها مخالفة للشريعة الاسلامية ومُعطـِّلة لجهاد الابتداء والطلب (-- برنارد لويس ـ " الغرب والشرق " ـ الجامعة الأميريكية ـ دار العلم للملايين ــ بيروت 1966).
ومما له دلالة أن علماء اسطنبول والقاهرة ومكة وطنجة وقُم وصنعاء اتّهموا آنذاك أوروبا وأمريكا التي كانت تضغط في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين الميلادي، لإصدار تشريعات تحرّم الرق، بأنها تسعى إلى تغيير القرآن والتدخل في نمط ومناهج حياة المسلمين. (مكسيم رودنسون ـ " تاريخ الشعوب الإسلامية " ـ دار العلم للملايين ـ بيروت 1969م ) .
ومما له دلالة أن تكون اليمن والسعودية ــ اللتان خضعتا لهيمنة المؤسسة الدينية ــ آخر دولتين حرّمتا الرق في العالم، حيث أصدر مجلس قيادة الثورة في الجمهورية العربية اليمنية في الخامس عشر من أكتوبر 1962م أي بعد ثورة 26 سبتمبر بثلاثة أسابيع مرسوماً جمهورياً قضى بتحريم الرق والتوقيع على المعاهدة الدولية لتحريم الرق، وهو الأمر الذي كان يوجد حقيقة في اليمن، ودفع المملكة العربية السعودية إلى الإسراع – في وقت متأخر جداً – بإلغاء الرق رسمياً في الثامن والعشرين من نوفمبر 1962 ". (إدجار أوبلانس ـ " اليمن : الثورة والحرب " ـ دار الرقي بيروت 1990م) .
عندما فكر السلطان العثماني مصطفى الثالث بادخال المطبعة الى دولة الخلافة عام 1719م ، كان رأي الفقهاء في المطبعة ــ على سبيل المثال ــ أنها مفسدة من شأن السماح باستخدامها فتح الباب على مصراعيه لانتشار الكبائر والموبقات مثل طباعة الرسوم وتغيير حروف القرآن، والقضاء على الكتابة بالخط العربي الذي كان حرفةً مجزيةً يرتزق منها الفقهاءُ والقضاة وكبار موظفي الدواوين في بلاط دولة الخلافة، ويحصلون من ورائها على الحظوة والمال وعلوّ الشأن. ( د. موفق الحمداني ـ " الطباعة : من النهضة الى الحداثة " ـ دار دمشق 1971م . راجع أيضا المجلد الثاني من كتاب تاريخ آداب البلدان العربية لجورجي زيدان ) .
بسبب هذه الثقافة لم يفطن المسلمون لقيمة المطبعة في التطور الحضاري، ولم يستوعبوا جيداً دورها الوظيفي في إطلاق مفاعيل التعليم والثقافة والعلوم والمعرفة، وتحويلها إلى فواعل اقتصادية واجتماعية وحضارية. ولذلك كان نظام التعليم في العالم الإسلامي حتى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين محصوراً في الجوامع والكتاتيب التي اكتفت بتحفيظ القرآن و شرح الأحاديث النبوية وأقوال الفقهاء، بالإضافة إلى تلقين قواعد اللغة العربية والنصوص الشعرية، كما كانت الدراسة في الجوامع والكتاتيب ترتدي طابعاً نخبوياً ضيقاً، وتنحصر في نطاق أبناء الطبقة السياسية الحاكمة والنخب المحيطة ببلاط السلطان مثل القضاة والفقهاء وقادة الجيش والجواسيس والتجار.( د . محمد عابد الجابري ـ " نقد العقل السياسي العربي " ـ مركز دراسات الوحدة العربية ـ بيروت ـ 1990م ) .
المعروف أن الطباعة العربية بالحروف ظهرت في أوائل القرن السادس عشر في إيطاليا، بأمر البابا يوليوس الثاني ودشنها البابا ليون العاشر سنة 1516م، وهو العام الذي طبع فيه أول كتاب ديني عن المسيحية، تلاه طبع سفر الزبور سنة 1516، وبعد قليل طبع القرآن الكريم في البندقية، ثم أعدمت طبعته خوفا ًمن تأثيره على معتقدات النصارى.، بيد أن الإيطاليين طبعوا في روما ترجمة للقرآن الكريم باللغة الإيطالية سنة 1547م كما طبعوا قانون ابن سيناء في مجلد ضخم عام 1593 م وهو الكتاب الذي أفتى الفقهاء المسلمون بإحراقه وتعرض لهجوم شديد على يد أبو حامد الغزالي وابن تيمية. وقد كثرت المطابع العربية في أوروبا وطبعت فيها مئات من كتب الفلاسفة العرب والمسلمين الذين أضطهدهم الفقهاء وتعرضت كتبهم للإحراق بعد تكفيرهم، وكان أكثر هذه المطابع في لندن وباريس وليبسك وليدن وغونتجتن وروما وفينا وبرلين وبطربسبرج وغيرها.
حدث ذلك أيضاً في العصور الوسطى ، عندما اسهم نشاط حركة الترجمة من اللغة اليونانية إلى اللغة العربية في استنهاض أدوات التفكير العلمي ومناهج البحث الفلسفي ، ما أدى إلى أن يحارب الفقهاءُ المتشدّدون في منتصف الألفية الهجرية الأولى ومطلع الألفية الميلادية الثانية إبن رشد وإبن سيناء والفارابي والرازي وإبن الهيثم وغيرهم من القمم الفكرية والعلمية في التاريخ الاسلامي ، التي ترجمت ارسطو وافلاطون وسقراط وأعلام الفكر الاغريقي القديم .
لم يكتف الفقهاء المتشدّدون بمحاربة الفلسفة وعلوم الطب والرياضيات والكيمياء والمنطق والفلك ، بل سعوا إلى تكفير العلماء والتنكيل بهم وإحراق كتبهم ومؤلفاتهم ، وكانوا سبباً في إنتقال المؤلفات الناجية من محارقهم إلى أوروبا ، حيث أُمكن ترجمتها من العربية إلى اللغات الأوروبية ، وما تمخض عن ذلك من إرهاصات نهضوية أخرجت أوروبا المسيحية من ظلام العصور الوسطى على يد العلماء المسلمين الذين تعرضوا للتنكيل والتكفير في العالم الاسلامي . وأفضت الحرب التي شنها فقهاء التشدد على العقل منذ منتصف القرن الهجري الخامس الى تأسيس ثقافة سلفية طقوسية نكوصية ابتعدت عن جوهر العقيدة الإسلامية ، ومهدت لغروب شمس الحضارة الإسلامية ، وأدخلت العالم الإسلامي نفقاً مظلماً وطويلاً.
لم يتوقف عجز الفكر الديني عن تقديم إجابات جديدة على أسئلة الحياة الجديدة عند هذا الحد، نتيجة إقامته الدائمة في الماضي ، فقد شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر موقفاً سلبياً آخر من قبل الفقهاء وكان هذه المرة إزاء تعليم الفتاة ، حيث أصدر فقهاء الأزهر بياناً يحذر الخديوي إسماعيل من فتح مدارس لتعليم البنات بدعوى أنّ الإسلام لا يجيز ذلك . بيد أنّ الخديوي إسماعيل تجاهل موقف الأزهر وأصر على فتح أول مدرستين لتعليم البنات في مصر والعالم العربي ارتبطت بالإصلاحات التي أدخلها في مصرَ.
وعندما أطل القرن العشرون كانت مدارس تعليم البنات منتشرة في المشرق العربي ومصر وتونس والجزائر والمغرب ، الأمر الذي شجع الملك سعود بن عبدالعزيزعام 1947م عندما كان وليا للعهد على افتتاح أول مدرسة لتعليم البنات في شبه جزيرة العرب ، وسط حركة احتجاج واسعة نظمها رجال الدين الوهابيين ، وكانت في قصر المربع؛ حيث أقام هذه المدرسة لتعليم كريماته في بادئ الأمر، ولتكون حافزاً ومشجعاً للأهالي ليتقبلوا فكرة تعليم الفتاة. وقد كان الملك سعود يرى أن تعليم الفتاة السعودية أمر ملح لبناء الدولة الحديثة وتحقيق النهضة العصرية في السعودية ،وهو ما لم يفهمه رجال الدين الذي حشدوا وفدا كبيرا من جميع انحاء المملكة ثم توجهوا لمقابلة الأمير سعود من أجل اقناعه باغلاق تلك المدرسة . ومما له دلالة أن تلك المدرسة التي حملت و لازالت تحمل اسم معهد ( الكريمات ) ، شُيدت على نمط المدارس الأوروبية الحديثة المتكاملة في التجهيزات المدرسية، حيث انضم إليها عدد كبير من الطالبات في مدينة الرياض، وكان مما شجع الأهالي على إرسال بناتهم إلى هذه المدرسة أنها كانت داخل أسوار قصر الملك سعود وتحت حمايته شخصياً ، بسبب خوفه من أن يؤدي موقف رجال الدين المعادي لتعليم البنات الى تعريض مدارس البنات للخطر، بذريعة ازالة المنكرباليد ، وما يترتب على ذلك من صدام بين الدولة ورجال الدين على نحو ما حدث عام 1934 عندما اعترض رجال الدين على قيام الملك عبدالعزيز باستخدام الهاتف والراديو وأجهزة الجرامفون التي كات رجال الدين يعتبرونها مخالفة للشريعة الاسلامية !!
وعلى الرغم من أن رجال الدين كانوا يحاولون اقناع المجتمع السعودي بأن تعليم البنات سيؤدي الى انتشار الفواحش والفسوق والمجون ، فقد استمر الملك سعود في دعمه لتعليم الفتاة السعودية، حيث تأسست في عهده أول جامعة سعودية هي جامعة الملك سعود بالرياض عام 1957م والتحقت بها أول دفعة من الطالبات السعوديات عام 1961م من خلال نظام الانتساب في كلية الآداب والعلوم الإدارية وسط هجمة مسعورة من رجال الدين الذين اقاموا الدنيا ولم يقعدوها احتجاجا على فتح أبواب التعليم الجامعي أمام البنات .
في السياق نفسه عارض فقهاء مصر والسعودية والعراق واليمن معاهدة جنيف بشأن أسرى الحروب عام 1927 م ، حيث أوجبت هذه المعاهدة ضرورة احسان معاملة الأسرى وتحريم تعذيبهم أو قتلهم . ونصت المعاهدة على أنه لايجوز قتل أو أسر المقاتلين الذين يلقون بسلاحهم ، ويرضخون للعدو أو يستسلمون له . كما لايجوز أيضا الاستيلاء على المبالغ النقدية والأشياء النفيسة التي يحملها الأسير كغنائم حرب ، على أن تلتزم الدولة الآسرة بردها واعادتها الى الأسير عند اطلاق سراحه .
واللافت للنظر أن الشيخ العلياني أصدر بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الارهابية كتابا ــ تعرض لنقد شديد من الدكتور يوسف القرضاوي ــ دعا فيه الحكومات العربية الى الالتزام ببيان أصدره ووقع عليه عدد ممن أسماهم الشيخ العلياني (علماء الدين ) في العالم الاسلامي عام 1927 ، عندما صدرت معاهدة جنيف بشأن أسرى الحرب ، مشيرا الى أن البيان كان حاسما في التأكيد على أن ( كل من يقر اتفاقية جنيف وغيرها من الاتفاقيات الدولية التي يفرضها الغرب الكافر على العالم الاسلامي سيجدها مبدلا للدين ، مغيرا لأحكام الشرع ، لأن الاسلام يجيز قتل الأسير واسترقاقه ، فكيف نغير أحكام الله ؟ ) ( أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية والرد على الطوائف الضالة للشيخ الدكتور علي بن نفيع العلياني ــ دار جامعة أم القرى ) !!